سد النهضة.. متى يضطلع مجلس الأمن بدوره؟

معلوم أن الهدف الأسمى الذى أُنشئت منظمة الأمم المتحدة من أجل تحقيقه هو حفظ السلم والأمن الدوليين، حيث جاءت الفقرة الأولى من المادة الأولى من ميثاقها، والتى تحدد مقاصد الأمم المتحدة وأهدافها، تتحدث عن هذا الهدف بالنص على «حفظ السلم والأمن الدولى، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التى تهدد السلم ولإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم..».

ومعلوم أيضاً أن الميثاق قد أناط هذه المهمة الخطيرة إلى مجلس الأمن الدولى، الجهاز الأهم من بين أجهزة الأمم المتحدة، ومنحه من السلطات والصلاحيات ما يضمن نجاحه فى أدائها، فقرر فى المادة الرابعة والثلاثين أن «لمجلس الأمن أن يفحص أى نزاع أو أى موقف قد يؤدى إلى احتكاك دولى أو قد يثير نزاعاً لكى يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرّض للخطر حفظ السلم والأمن الدولى». ثم قرر له فى الفصل السادس مجموعة من الإجراءات والتوصيات ذات الطبيعة السلمية غير الملزمة عساها تؤدى إلى التسوية السلمية للنزاع المطروح، فإن نجحت فبها ونعمت، وإلا فقد قرر له فى الفصل السابع، وهو أهم فصول الميثاق على الإطلاق، نظام الأمن الجماعى والذى يسمح للمجلس بأن يتخذ من القرارات والإجراءات السلمية وغير السلمية (وصولاً إلى حد استخدام القوة المسلحة) ما يكفل له النجاح فى حفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادتهما إلى نصابهما. فجاءت المادة الحادية والأربعون تقرر أن «لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التى لا تتطلب استخدام القوة المسلحة لتنفيذ قراراته..ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية.. وقطع العلاقات الدبلوماسية». أما المادة الثانية والأربعون فجاءت تقرر أنه «إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها فى المادة 41 لا تفى بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولى أو لإعادته إلى نصابه..»..

على أن نظام الأمن الجماعى هذا، وبالرغم من جودة نصوصه ودقته من الناحية النظرية، لم ير التطبيق العملى طوال تاريخ الأمم المتحدة الطويل سوى ثلاث مرات؛ خلال الحرب الكورية عام 1950، وحرب تحرير الكويت عام 1991، وأحداث ليبيا عام 2011، كان لكل واحدة منها ظروفها الخاصة. أما فيما عدا ذلك من الحالات فقد وقف المجلس عاجزاً عن أداء دور فاعل فى أى نزاع أو موقف آخر ترتب عليه تهديد للسلم والأمن الدوليين أو حتى الإخلال بهما، وذلك نتيجة لتباين المصالح بين الدول الخمس الكبرى صاحبة العضوية الدائمة وحق النقض (الفيتو) فى المجلس، فحال (الفيتو) مراراً وتكراراً بين المجلس وأداء هذا الدور المفترض.

وفى ضوء الخبرة التاريخية المشار إليها، فهل من المتوقع أن يمارس مجلس الأمن دوره فى شأن سد النهضة وما يمثله سلوك إثيوبيا المتعسف فى صدده إزاء مصر والسودان من تهديد خطير للغاية للسلم والأمن الدولى فى المنطقة؟ وهو السلوك الذى أبانت عنه بجلاء نتيجة اجتماعات كينشاسا الأخيرة قبل عدة أيام. هل مصر والسودان فى حاجة إلى الذهاب إلى المجلس لاسترعاء نظره إلى خطورة الموقف؟ ألم تذهب مصر من قبل للمجلس قبل عام تقريباً وعادت بخفى حنين؟ أليس للمجلس من تلقاء نفسه أن يدرج الأمر على جدول أعماله ويحدد له جلسة طارئة فى ضوء هذه التطورات شديدة الخطورة؟

إن إثارة هذه التساؤلات تعبر -من وجهة نظرى- عن حالة من الشك فى قدرة المجلس، فى ضوء السوابق التاريخية، على اتخاذ موقف حاسم ينزع به فتيل هذه الأزمة التى قد تؤدى إلى حالة من عدم الاستقرار الشديد فى المنطقة بأسرها. غير أن هذا لا يعنى ألا تلجأ الدولتان إلى المجلس كملاذ أخير، فربما خابت الظنون واضطلع المجلس بدوره. ثم هو رسالة أخيرة بأن الدولتين قد سلكتا جميع السبل السلمية الممكنة لتسوية النزاع ولم يبق فى قوس الصبر منزع، فلا تثريب عليهما، إن لم يكن هناك بد، من سلوك الطريق الصعب، وليتحمل المجتمع الدولى عواقب نكوصه عن أداء دوره.

رحم الله أمير الشعراء:

وما نيل المطالب بالتمنى.. ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

وما استعصى على قوم منال.. إذا الإقدام كان لهم ركابا

* أستاذ القانون الدولى بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية

وعضو مجلس الشيوخ