حلم الفسطاط ومتحف الحضارات!
كانت منطقة مصر القديمة والمنيل تشكل جزءاً رئيسياً من تاريخ مصر، فكيف لا وعيسى بن مريم بعد ولادته قد سار مع أمه مريم فى كل آفاق مصر شمالاً من سيناء والفرما ثم تبقى فى مصر القديمة فى أثر النبى (وأثر النبى لمن لا يعرف لا تطلق على النبى محمد عليه الصلاة والسلام، وإنما على النبى عيسى ومعجزاته فى مصر القديمة)، وجبل المحرّق فى أسيوط، ثم العودة للفارما وفلسطين مع يوسف النجار، وكيف ننسى أن مدينة الفسطاط هى أصلاً اسم مصر العتيقة أو مصر القديمة، أى أول مصر، بمعنى بلد، بمفهوم المدن والقرى والحاكم والحكم والملك فى عهود يوسف وموسى وهارون وقارون ورمسيس الثانى أو الثالث، أياً كان فرعون موسى، ولذلك فمصر القديمة تختصر مصر كلها فيها، ليس فقط بسبب سيدى أبوالسعود وليس بسبب الإمام الشافعى أو الإمام الليثى اللذين سكنا فى الفسطاط. وتلمس حدود الفسطاط منطقة الإمام الشافعى والخليفة، أى حى سكن الخليفة الحاكم لمصر، وما زالت مدينة ابن طولون حدودها حول الجامع تضاهى مدينة الطلائع وتنافس قصور المماليك فى الأضرحة وسط عشوائية منشية ناصر التى يعيدها السيسى كمدينة مرة أخرى. ولعل السيسى قد فتح ملفات لم يلمسها حاكم حديث، فهو يعيد عواصم مصر التى أشار إليها وزير الآثار فى حفل المومياوات لكى يقيم متحف عواصم مصر فى العاصمة الإدارية، والغريب أن عواصم مصر منذ الفراعنة، ومروراً بالحقبتين القبطية والإسلامية، لم تتزحزح.
تجمعات المذاكرة بيننا كطلاب طب أنا وعماد عدلى وخالد عبدالعزيز كانت فى شقة مجدى عبدالمتعال بحى المنيل التى كانت فى حد ذاتها تاريخ مصر، فأمامنا سور مجرى العيون لصلاح الدين الأيوبى، ويسارنا قصر محمد على الذى يحتوى على أكبر مجموعة من نباتات الصبار لا يوجد لها مثيل فى العالم، وشوارع المنيل، وكورنيش البحر الصغير، أى ليس النيل الذى يطلق عليه اسم البحر الكبير، الذى يتصدره قصر شجرة الدر، وهى رمز وانتصار مصر فى معركة الصليبيين، ومكانه حالياً قصر المانسترلى، ومقياس النيل قبل أن تعرف إثيوبيا اسم نهر النيل، حيث كانت مصر تقيس مستوى مياه النيل من أمام جزيرة المنيل المشتق اسمها من النيل أى أنها جزيرة صنعتها مياه النيل فهى منيل!
وكانت معركة نقل المدبح ونقل الفواخير ونقل المدابغ ونقل المحاجر والجيارات هى معركة تطوير مصر القديمة وإعادة الحى التاريخى إلى رونقه القديم من مسجد السيدة زينب إلى سيدى على زين العابدين إلى سيدى الأنصارى أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وختاماً: ما زال نقل عزبة أبوقرن حلم إحياء مدينة الفسطاط خلف جامع عمرو بن العاص كحى مدن القيروان خلف مسجدها، والزيتونة بتونس، ومراكش القديمة فى المغرب، والأزهر الفاطمى فى مصر.
وكنت أحد أركان مصر القديمة وتلقيت تهديدات بالقتل لو لم أترك الوضع كما كان. ملحمة لا بد أن أسجل فيها لنائب المحافظ دفعة المشير طنطاوى ثم قدرى أبوحسين، نائب محافظ القاهرة، الذى تبنى أفكارى وعاصرت د. عزة شهاب جانباً من هذه المرحلة التى لفتت النظر إلى هذه المنطقة التى حوّلنا فيها أكبر مقلب زبالة (أبوالسعود) إلى أكبر حديقة فى مصر هى حديقة الفسطاط.