العيد الـ 57 لإذاعة القرآن الكريم
حينما تدخل استوديو 41 بإذاعة القرآن الكريم تشعر برهبة من هيبة المكان، وخاصة حينما يقال لك: على هذا الكرسى جلس أئمة التلاوة العظام محمد رفعت ومصطفى إسماعيل والحصرى والمنشاوى وعبدالباسط والبنا والشعشاعى وشعيشع.
من هنا تم الحفظ الثالث للقرآن فى تاريخ الإسلام بعد أبى بكر الصديق وعثمان بن عفان، كان حفظهما بالكتابة، أما هذا الحفظ فتجويداً وترتيلاً وهو لا يقل عظمة عن الحفظ الأول إن لم يزد.
بدأ هذا الحفظ الثالث حينما وجد الحصرى مصحفاً مغلوطاً فى رحلته لجنوب أفريقيا ووجد البعض مثله فى دول أخرى، فاقترح لبيب السعيد «صاحب فكرة الجمع الصوتى للقرآن» على أحمد طعيمة، وزير الأوقاف وقتها، تسجيل القرآن الكريم مرتلاً، فقام الحصرى بتسجيله كاملاً فى هذا الاستوديو ووُزع على البلاد وأذيع فى بداية بث إذاعة القرآن الكريم.
أشرف الغزالى وسيد سابق والقاضى على تسجيل القرآن ومعهم د. لبيب السعيد، الأستاذ بتجارة عين شمس وصاحب فكرة الحفظ الصوتى للقرآن، وتبرع الحصرى بالتسجيل، فشاع فى الآفاق وزاده شيوعاً بث الإذاعة الوليدة له.
وظلت الإذاعة الوليدة على ذلك حتى التقى العبقرى الصالح المذيع عبدالخالق عبدالوهاب فى مترو مصر الجديدة بنائب البرلمان عن سوهاج حافظ سليمان، فحدّثه عن ضرورة وضع برامج للفقه والحديث والتفسير، فاقتنع النائب بالفكرة وجمع لها أربعين توقيعاً من الأعضاء ووافق مجلس الأمة وقتها لتبدأ الرسالة الحقيقية لإذاعة القرآن العظيمة منذ عام 1966، كانت فكرة تطوير إذاعة القرآن الكريم راسخة فى عقل د. عبدالخالق.
وهذه الحسنة العظيمة تُكتب لعبدالناصر، وكذلك للسادات الذى كان رئيساً لمجلس الأمة وقتها، والذى له فضل فى إذاعة الأذان بعد أن أصبح رئيساً فى كل القنوات، فضلاً عن عبدالخالق، وحافظ سليمان.
بدأت الإذاعة الوليدة تستضيف عمالقة الفقه والفكر الإسلامى عبدالحليم محمود، الشعراوى، فتح الله بدران، الباقورى، دراز، كانت الجماهير العريقة تنتظر برامجها بكل شغف.
بدأت الإذاعة الوليدة فتية وقوية، وقادها فى كل أجيالها عمالقة، فمن الجيل الأول كامل البوهى، وكمال إمام، ومحمد عبدالعزيز، ومن الثانى فوزى خليل، وعلى طبوشة، وعزت حرك صاحب أشهر برنامج فقهى فى العالم «بريد الإسلام» الذى يُعد أول برنامج حارب فوضى الفتاوى وأظهر أعظم علماء الفقه فى العالم.. وأجيال أخرى رائعة، فأكبر نسبة مذيعين حاصلين على الماجستير والدكتوراه فى كل التخصصات فى إذاعة القرآن ولا تجد ذلك فى إذاعة أخرى. ويعود فضل توسيع دائرة سماعها إلى السادات، حيث قدم له شيخ الأزهر عبدالحليم محمود طلباً مفاده أنها لا تُسمع فى بعض بقاع مصر والعالم، فأمر عبدالقادر حاتم بأن تُسمع فى كل مكان، فضمّ لها أكبر شبكتى تقوية، وخصص لها الشعراوى، وكان وزيراً للأوقاف وقتها، 18 فداناً لذلك.
تاريخ مجيد لإذاعة عظيمة حفظت القرآن ونشرت الفكر الوسطى، وذلك باعتمادها على وسطية الأزهر وعلمائه الأجلاء، وحرصت على التعددية الفقهية، ونالت جائزة اليونسكو بأنها أكثر الإذاعات سماعاً وانتشاراً فى العالم كله، والغريب أنها تحظى بأقل ميزانية فى الإذاعة كلها، سلام على من ساهم فى هذا الصرح العظيم، رحمهم الله جميعاً.