علاقة النمو السكانى بالنمو الاقتصادى فى دول العالم
- الأسلحة والذخائر
- الاتحاد الأوروبي
- التجارة الحرة
- التجارة الدولية
- الدول النامية
- العلاقات التجارية
- مساعدة الدول
- وزير التجارة
- أسواق
- أكبر
- الأسلحة والذخائر
- الاتحاد الأوروبي
- التجارة الحرة
- التجارة الدولية
- الدول النامية
- العلاقات التجارية
- مساعدة الدول
- وزير التجارة
- أسواق
- أكبر
يميل البعض فى مصر والعالم العربى لأسباب مختلفة إلى الاعتقاد بأن النمو السكانى محرك للنمو الاقتصادى وأن هناك ثمة علاقة طردية بينهما، بحيث تؤدى الزيادة السكانية إلى زيادة النمو الاقتصادى ويستشهدون بالطفرة الاقتصادية الكبيرة التى حدثت فى دول جنوب شرق آسيا فى فترة التسعينات من القرن الماضى، رغم معدلات النمو السكانى المرتفعة فى هذه الدول وقتها.
والسؤال الذى يحاول هذا المقال الإجابة عنه هو: هل هناك فعلاً نموذج رياضى متعارف عليه فى الأدبيات العلمية لنمذجة العلاقة بين النمو السكانى والنمو الاقتصادى؟
أثبتت معظم الدراسات الديموغرافية والاقتصادية الحديثة أنه لا يوجد نموذج واحد يصلح لنمذجة وفهم العلاقة بين النمو السكانى والنمو الاقتصادى فى كل دولة من دول العالم. وأن كل دولة لها ظروف مختلفة عن الأخرى والنموذج الرياضى الذى يصلح للتطبيق فى دولة قد يعجز عن تفسير هذه العلاقة فى دولة أخرى. فحفنة المتغيرات الضمنية التى تؤثر فى هذه العلاقة كثيرة جداً وتختلف من دولة لأخرى، مثل مستوى التعليم والصحة وتوافر العمالة المؤهلة والمدربة والاستقرار السياسى والاقتصادى.. إلخ، ويعد تجنيب آثار هذه المتغيرات الضمنية على النموذج عند دراسة هذه العلاقة مستحيلاً.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن أحدث الدراسات الاقتصادية ترى أنه فى بعض الدول كان ارتفاع النمو الاقتصادى هو مسبب ارتفاع النمو السكانى وفى دول أخرى كان الأمر بالعكس، حيث كان ارتفاع النمو السكانى هو المسبب لارتفاع النمو الاقتصادى (أى أن العلاقة السببية يمكن أن تكون طردية ومن أى متغير منهما نحو الآخر) وفى بعض الدراسات الأخرى، وجد أن العلاقة السببية كانت من الاتجاهين (أى أن النمو الاقتصادى يسبب النمو السكانى والعكس صحيح أيضاً) وفى دراسات أخرى لم تكن العلاقة بين المتغيرين سببية على الإطلاق وكانت العلاقة سلبية بينهما فى بعض الأحيان عندما يتم تجنيب القليل من المتغيرات الضمنية الأخرى فى حال توافر بيانات ومعلومات عنها. كما أنه لوحظ فى بعض الدراسات أن معدل النمو السكانى المتوسط الذى ينحصر بين 1 و2% يكون فى الغالب له تأثير إيجابى فى معدل النمو الاقتصادى على عكس معدل النمو السكانى المرتفع الذى ينحصر بين 2 و4% والذى يكون فى الغالب له تأثير سلبى عليه.
هذا وبصفة عامة تخلص الدراسات الحديثة إلى أن الآثار المترتبة على الاقتصاد من النمو السكانى تختلف اختلافاً كبيراً بين الدول النامية، فالبلدان التى تكون فيها مستويات التعليم مرتفعة بالفعل، ويوجد فيها استثمار مرتفع فى أنظمة النقل والاتصالات الحديثة، واستقرار نسبى فى النظام السياسى والاقتصادى، تكون هذه الدول مجهزة تجهيزاً جيداً للتعامل مع النمو السكانى السريع، وهذا الأمر صحيح، سواء كانت مواردها الطبيعية محدودة أم لا. فعلى سبيل المثال: هناك بلدان ذات نمو سكانى مرتفع وتعداد سكانى عالٍ بالفعل، كما كان الحال فى دول جنوب شرق آسيا، مثل هونغ كونغ وكوريا وسنغافورة وماليزيا وتايلاند وقد استطاعت اقتصاداتها التعامل مع النمو السكانى المرتفع. ولكن هذه البلدان تميل أيضاً منذ فترة إلى أن تكون بلداناً يتباطأ فيها النمو السكانى، وهى ظاهرة طبيعية طبقاً لما يحدث فى كل دول العالم المتقدمة، حيث ترتبط زيادة دخل الفرد بانخفاض عدد المواليد للفرد وتناقص عدد السكان.
أما فى بعض البلدان النامية الأخرى التى لا تتوافر فيها الظروف المشابهة نفسها لدول جنوب شرق آسيا السابق ذكرها، فقد كان النمو السكانى السريع مشكلة كبيرة بالنسبة لاقتصاداتها وجعل من الصعب عليها تطوير المهارات البشرية والهياكل الإدارية اللازمة لاستغلال مواردها الطبيعية بالشكل الأمثل، وأدى هذا إلى زيادة نسبة الفقر من ناحية أخرى. وعلاوة على ذلك فإنه وفى دول نامية كثيرة من تلك التى تتسم بمعدلات مرتفعة من النمو السكانى آل بها الحال إلى أضرار بالغة على مستويات الادخار والاستثمار وأصبح يتطلب النمو الاقتصادى فيها استثمارات تكميلية كبيرة فى الطرق والخدمات العامة والصرف والبنية التحتية. ولذا كان الأفضل لهذه الدول أن تحافظ على النمو السكانى البطىء حتى تتجنب هذه الأضرار ويشعر المواطن فيها بعوائد التنمية.
ومن هنا، فإن على هذه الدول، ومن ضمنها مصر بطبيعة الحال، أن تعمل فى مسارين بالتوازى، مسار يعمل على إبطاء معدل النمو السكانى المرتفع وبذل كل الجهود، بما فيها إصدار قوانين وتشريعات لأجل كبح جماحه، ومسار آخر يعمل على تحسين مستوى التعليم وجذب الاستثمارات، وخصوصاً المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة والنقل والطرق. ويعد ذلك دافعاً لتكثيف الجهود لأجل مجابهة النمو السكانى من ناحية وشحذ الطاقات لتحسين مستويات التعليم والتدريب والاستثمار فى البنية التحتية من ناحية أخرى. وإلى جانب تحقيق التنمية الاقتصادية، يجب أن تسعى الدولة إلى تحقيق التنمية الاجتماعية والثقافية فى المناطق التى عانت طويلاً من التهميش، والتى تستهدف بالأساس تحقيق قيمة العدالة الاجتماعية ومعالجة بعض المشكلات المتفشية، إذ يجب أن تعمل الدولة على النهوض بالصحة والتعليم فى هذه المناطق، وتقليل الفروق الاجتماعية وكذلك مواجهة بعض القضايا الملحة، مثل الزيادة السكانية غير المتناسبة مع الموارد الاقتصادية، ودور ومكانة المرأة فى المجتمع، والعمل على زيادة التثقيف ورفع الوعى بهذه القضايا وسبل مواجهتها والتغلب عليها.
وحسناً فعلت القيادة السياسية فى مصر عندما اعتبرت تنمية وتطوير الريف المصرى هدفاً قومياً وقد انعكس ذلك فى انطلاق المشروع القومى لتنمية الريف المصرى وخاصة فى محافظات الصعيد منذ ٢٠١٤، ومن المتوقع أن يسهم هذا المشروع فى إعادة التخطيط العمرانى والزراعى وتطوير البنية التحتية وشبكة الطرق والاتصالات فى مختلف محافظات مصر، كما سيتيح فرص الاستثمار والعمل بتلك المناطق.
الأمر ليس ببعيد ولكن الخطوة الأولى دوماً كانت محورية فى مشوار السعى الطويل، وخطوة كتلك لا بد أن تنطلق من خلفية ذات دراية بسياقها ومعطياتها، ولهذا فإن الهدف من هذا المقال هو توضيح موجز لتلك المعطيات والتوعية بسياقه وتحدياته ومعايير تغييره.
* عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بجامعة القاهرة