وكأن كافة الأطراف، بمن فيهم النظام السورى والسوريون، قد استكانوا وارتضوا بهذا الوضع الحالى الموجود على حاله منذ عامين تقريباً، حيث يمكن تأريخ بداية الجمود الذى يلف المشهد الراهن باعتباره بدأ منذ الإعلان عن هزيمة «داعش» فى مارس من العام 2019. حينها تسابق الجميع للفوز بحيازة الانتصار الذى لم يكن كاملاً على أرض الواقع، لا سيما أن التداعيات وإشكاليات ما بعد إزاحة التنظيم بقيت على حالها، فكل طرف هناك دون استثناء لديه تقاطعات وتشابكات مع كافة الأطراف الأخرى الحاضرة بالمشهد السورى، والذى يزيد الأمر تعقيداً أنه لا يوجد طرف ليس لديه من يمثله من القوة المسلحة، إما بشكل مباشر عبر القواعد العسكرية مثل الولايات المتحدة وروسيا أو بغيرها من الأشكال والوكلاء، مثلما الحال فى نموذج تركيا وإيران اللذين لهما أكثر من وجه على مسرح الأحداث. ويبقى أصحاب الأرض من النظام السورى وأكراد الشمال، وهما على ذات الشاكلة لهما عديد من أوجه الوجود والسيطرة بعضها مسلح وآخر بأمر الواقع أو الاستحواذ.

مشهد عنكبوتى بامتياز، فمن يحاول تتبع طرف واحد من هؤلاء وحجم ارتباطاته، قد يجد نفسه فى متاهة لا أول لها من آخر، حيث سيلاقى التنظيمات الإرهابية التى تشكلت مع بداية الحراك الشعبى 2011، وظلت تتشظى وتتحور حتى صارت اليوم بالعشرات، ومن التنظيمات القاعدية والداعشية الانتماء، إلى غيرها من الفصائل المناطقية التى تحمل السلاح هى الأخرى، لمعارضة معتدلة وأخرى غير معتدلة، ناهيك عن الجيوش الصغيرة التى بعضها سنى وآخر شيعى، ويظل لكل من مكونات هذا الموزاييك الكبير أجندته ومرجعيته وكفيله الذى يغذيه ويحركه. المثير أن حدة ونمط الصراع ما بين تلك الأطراف صارا غائمين وأكثر غموضاً من ذى قبل، فالأهداف بقدر ما تغيرت عما بدأ الأمر عليه، تظل الإجابات اليوم حول مآلاته عصية حتى على أصحابها، لينتقل المشهد حتى أمام المراقبين إلى ما يشبه إدارة الأمر الواقع، الذى صار يحمل من التوافق أكثر مما يحفزه التنافس، وهى معادلة خطرة على تفرُّدها بالنظر إلى أنها تدور بين ستة أطراف على الأقل، بينهم النظام الذى يحكم سوريا افتراضاً حتى الآن، أو ما تبقى من أرضها وقرارها السيادى الذى لا يعلم أحد أين يتم إنفاذه!

طبيعة الخطر الذى يلوح اليوم بعد عامين كاملين أن ذريعة محاربة «داعش» باعتباره المكون الإرهابى المسلح الذى أعلن يوماً عن تأسيس «دولة إسلامية» اتخذ من إحدى المدن السورية «الرقة» عاصمة لها، قد انقضت وأصبحت من الماضى الذى لن تسمح الأحداث ولا الأطراف بالعودة إليه، ليبدأ المشهد الغرائبى يتسلل إليه قدر من التوافق بين الأطراف المتنازعة، ومساحة لا تقل غرابة من الرضا بدأت بداخل سوريا وامتدت للمجتمع الدولى الذى فقد البوصلة أمام تلك الأزمة، فالأحداث تجرى بوتيرة نزعت الاهتمام من الكافة وهى مكمن أصيل للخطورة، فى حال تصور أو انتظر البعض مساراً للحل، يصطدم سريعاً بوجود الشىء وعكسه ليقلص أى محاولة للفهم، فلكل حادثة أو تطور جديد يقع فى سوريا عشرات الزوايا التى يُروى بها. حتى انتظار التطورات التى يمكن تسويقها لشهور بأنها ستكون ذات ارتباط بما يجرى، سرعان ما تأتى فارغة لا تحمل جديداً يُذكر، مثلما الحال فى انتظار الإدارة الأمريكية الجديدة التى ساهم انتظار قدومها فى تسكين الأوضاع لنحو عام كامل ظل يتردد خلاله أنه مع الإدارة القادمة سينجلى حتماً ضباب هذا الانتظار الفادح.

المضحك والمبكى فى آن واحد أن الإدارة الأمريكية الجديدة «كلياً» بالأشخاص والتوجهات وبالرؤية الاستراتيجية، جاءت لتقدم للسوريين ولبقية الأطراف وجبة لا تخلو من الغرابة الجاثمة على مكونات المشهد. فمؤخراً المتحدث باسم الخارجية الأمريكية «نيد برايس» خرج ليتحدث عن المصالح المشتركة التى تجمع إدارته بالشركاء الأتراك بشأن سوريا، وتعهّد بالعمل البنّاء مع أنقرة فى المستقبل لتحقيق هذه المصالح. بل وذهب الأمر إلى أبعد من ذلك الحديث، حين بدأ الإعلام الأمريكى يروج لخطة سماها بـ«الجديدة»، تهدف إلى الإطاحة بنظام بشار الأسد، وتدلل المنصات التى تناولت هذا الأمر بالضربة الأخيرة التى قامت بها القوات الأمريكية فى سوريا، باعتبارها مقدمة لاستئناف الخطط التى كان «باراك أوباما» قد انتهجها سلفاً. ما خرج للنور من رؤية الإدارة الجديدة لمستقبل سوريا ربما أفصح عن مكوناتها المبعوث الأمريكى لسوريا الذى يستعد لمغادرة منصبه «جويل ريبورن»، حين ذكر أن هناك استراتيجية أمريكية جديدة ستدفع النظام السورى وحلفاءه إلى التخلى عن الحل العسكرى للأزمة، وأن لدى واشنطن القدرة على إجبارهم على وقف الحرب، عبر مواصلة العقوبات ضد النظام لتضييق الخناق عليه وتقليص قدراته على المناورة، مما سيصل به حتماً إلى الانهيار السريع الذى تراه واشنطن قريباً!

هذه الرؤية الأمريكية التى تعتبرها «جديدة»، هكذا تبدو بحروفها وإشاراتها دون زيادة أو تدخل منا، ربما فى طياتها جاء ما هو أكثر عبثاً حول تمويل وتسليح المعارضين، والذى رأينا العبور عليها لما فيه من غموض لهوية هؤلاء المعارضين وإغفال تسميتهم، ليظل المشهد على هذا النحو من الاستخفاف بأعوام مضت وأحداث كثيرة تغيرت، ينتظر هذه العودة لإدارة بايدن التى يبدو أنها فقدت الإحساس بالزمن، خاصة مع الحديث عن المصالح المشتركة مع الأتراك. فربما غفل عنها أو تتغافل كون تركيا تنسق اليوم مع الروس بأكثر مما يهمها المصالح الأمريكية، أم أن الاستخبارات الأمريكية لم ترصد بعدُ حجم التوافقات التى تجرى ما بين الأتراك والميليشيات الموالية لإيران فى تحركات الأخيرة ما بين سوريا والعراق وعمليات الحشد الواسع، الذى تمرره المجموعات الموالية لتركيا بتعليمات مباشرة من أنقرة، بل هناك من العناصر الكردية من يتشارك فى هذا الأمر، علماً بأن هدف تلك الميليشيات هو القوات الأمريكية تحديداً. هذا ملمح واحد فقط من المفاجآت القاسية، وغيرها كثير مما ينتظر إدارة جو بايدن المترهلة من قبل أن تبدأ.

• إدارة البحث
• الأموال العامة
• البحث الجنائي
• الفيزا كارد
• اللواء مصطفى
• النيابة العامة
• تكافل وكرامة
• أبو
• أمن سوهاج
• إدارة البحث
• الأموال العامة
• البحث الجنائي
• الفيزا كارد
• اللواء مصطفى
• النيابة العامة
• تكافل وكرامة
• أبو
• أمن سوهاج