من فات قديمه تاه.. «محشي الكانون» وسيلة الفيومية لمواجهة البرد: «طعم ودفا»

من فات قديمه تاه.. «محشي الكانون» وسيلة الفيومية لمواجهة البرد: «طعم ودفا»
حلة محشي «كرنب وخس» تتربع على عرش «قالبين من البلوك الأبيض» بينهما «أخشاب وكوالح ذرة» تشتعل نيرانهما لتسوية المحشي على مهل، فيما يلتف الجميع حولها يستنشقون رائحة «المحشي» الذي يختلف عن غيره؛ فالمحشي الذي يتم تسويته على «الكانون» يختلف في الطعم والمذاق عن الذي يتم تسويته بطرق أخرى، كما يقومون بتدفئة أجسادهم من برودة الطقس بنيران «الكانون».
وتقول «أم محمود» صاحبة الـ«80 عامًا» لـ«الوطن» إنّ أهالي قرية عزبة قلمشاه التابعة لمركز إطسا بمحافظة الفيوم، تعودوا منذ قديم الأزل على عمل «محشي الكرنب» في اليوم الذي يشهد طقسًا باردًا؛ حيث أنّ «المحشي الساخن» بالنسبة لهم هو مصدر الدفئ، موضحةً أنّها وجدت والدتها ومن قبلها جدتها وحتى حماتها يواجهون البرد بالمحشي دائمًا وتحديدًا «الكرنب» الذي يتوافر بكثرة خلال تلك الأيام.
وأشارت «أم محمود» إلى أنّها علّمت ابنتها، وتُعلم أحفادها الحفاظ على تلك العادة من الاندثار، خصوصًا حينما يكون لديهم أطفال صغار، فالمحشي يساعدهم على الدفئ حينما يتناولونه ساخنًا، والأفضل حينما يتم طهيه على «الكانون» بالطريقة البدائية؛ فيكون ذا مذاق ورائحة يختلفان عن غيره، كما أنّ نيران «الكانون» تبعث الدفئ في المنزل، بخلاف من يلتف حولها ليدفئ يديه وقدميه.
وتابعت أنّها منذ لحظة سماعها بموجة الصقيع استعدت لذلك اليوم، حيث طلبت من أبنائها إحضار «الكرنب» من «الغيط» ثم جلست رفقة زوجتي ابنيها وقاموا بـ«لف حلتين محشي» ثم حضرت الكانون، حيث وضعت حجرين من البلوك ملاصقين لإحدى الحوائط في داخل منزلها بالمنطقة المخصصة للطيور حتى لا يتضرر سقف منزلهم من الدخان، ثم أحضرت الأخشاب و«كوالح الذرة» لتستخدمها في إشعال النيران.
وأوضحت أنّها ما إن وضعت حلة المحشي فوق النيران حتى تصاعدت ريحته التي يشمها البعيد والقريب، والتف أحفادها حول «الكانون» يدفئون يديهم وينتظرون المحشي ليتناولونه، قائلة «من فات قديمه تاه، اتربينا طول عمرنا على محشي الكانون وطعمه ملهوش زي وغير كدة بنتدفى على النار بتاعت الكانون، ومفيش في الجو البارد ده أحسن من حلة محشي تدفينا».