«ذا إنترسيبت» يكشف كيف جندت إيران جواسيسا ضد أمريكا في العراق

«ذا إنترسيبت» يكشف كيف جندت إيران جواسيسا ضد أمريكا في العراق
خصص موقع «ذا إنترسيبت» تقريرا مطولاً يكشف كيفية تجنيد إيران لجواسيس لها في العراق، يزودونها بمعلومات حول النشاطات الأمريكية في البلاد.
وبدأ التقرير برواية قصة جاسوس عراقي يعمل لصالح الإيرانيين، حيث جاء فيه: «كان لدى ذلك المواطن العراقي الكثير ليثبته لمسؤول التجسس الإيراني. فقد كان لسنوات يتجسس سرا لصالح إيران، وقدم معلومات استخبارية قيمة حول العمليات الأمريكية في العراق. لكن عندما سحبت الولايات المتحدة معظم قواتها وقلصت وجودها في العراق عام 2011، لم يكن لديه سوى القليل من المعلومات الجديدة التي يمكن أن تثير اهتمام مشرفيه الإيرانيين. ومع تقليص الأميركيين لتواجدهم في العراق بشكل كبير، قام الإيرانيون بالتخلي عن خدمات عميلهم العراقي».
وفي عام 2015، كان لدى المواطن المذكور وظيفة في جهاز الأمن العراقي، لكنه كان لا يزال بحاجة إلى المال، لذلك عاد إلى الإيرانيين لتقديم طلب للحصول على وظيفته القديمة كعميل مزدوج.
وقد مر وقت طويل منذ أن عمل كجاسوس لصالح الإيرانيين آخر مرة، لدرجة أنه كان يتعامل مع ضابط استخبارات جديد لا يعرف أي شيء عما قدمه هذا الشخص سوى من خلال قراءة الملفات القديمة. والآن، تم تصنيف الجاسوس العراقي السابق على أنه مجرد «مرشح» للعمل كجاسوس، وفق موقع «ذا إنترسيبت».
وتابع الموقع، «كان يجب أن يقتنع المسؤول الإيراني الجديد بأنه يستحق هذه الوظيفة. لذلك، خلال اجتماع سري، قال ضابط الاستخبارات الإيرانية للمواطن العراقي أن يراجع كل ما يعرفه وكل ما يرى أنه قد يكون ذا فائدة لإيران».
وتابع، «أمر واحد هو ما لفت انتباه الضابط الإيراني مما قاله ذلك المتقدم العراقي، وهو أن لديه صديقا كان مهتما أيضا بالتجسس لصالح إيران. وذلك الصديق يعمل مع الولايات المتحدة في قاعدة إنجرليك الجوية في تركيا، وبالتالي يمكنه التجسس على الأميركيين لصالح إيران هناك».
وتنبثق قصة التجسس هذه من أرشيف برقيات الاستخبارات الإيرانية التي تمكن موقع «ذا انترسبت» من الحصول عليها، «المئات من التقارير السرية للغاية والصادرة عن الاستخبارات الإيرانية تكشف عن تفاصيل مروعة عن مدى تأثير إيران على العراق وكيف تغلغل جواسيسها في البلاد».
وقد نشر «ذا انترسبت» لأول مرة قصصا تستند إلى الوثائق المسربة في عام 2019، بما في ذلك مقال واحد نُشر بالاشتراك مع صحيفة «نيويورك تايمز». ومنذ ذلك الحين، واصل الموقع البحث في الوثائق ونشر المزيد من القصص.
وأشار الموقع إلى أن التقارير المسربة من وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانية كانت تتناول بشكل أساسي عمليات الاستخبارات الإيرانية في العراق، وتتضمن تقارير ميدانية وبرقيات يرجع تاريخها إلى الفترة من 2013 وحتى 2015، من مكاتب الاستخبارات في العراق تم إرسالها إلى مقر وزارة الاستخبارات والأمن الوطني في طهران، ويمثل هذا التسريب المرة الأولى التي تحصل فيها منظمة إخبارية غربية على قدر كبير من الوثائق التابعة للحكومة الإيرانية المعروفة بشدة سريتها».
وتظهر الملفات المسربة، علاوة على توثيقها للنفوذ الإيراني في العراق، كيف أن العراق قد تحول إلى ساحة معركة للجواسيس الأميركيين والإيرانيين، وفق «ذا إنترسيبت»، مشيرا إلى أن تأثير إيران العميق على المشهد السياسي العراقي يعني أن جهازي الاستخبارات الرئيسيين في إيران - وزارة الاستخبارات والأمن الوطني وفيلق القدس التابع للحرس الثوري - كانا قادرين على العمل بحرية في شتى أنحاء العراق لسنوات، مما أدى إلى تطوير شبكة ضخمة من المصادر السرية في جميع أنحاء البلاد.
وأضاف الموقع، أن اختراق إيران الدقيق للعراق قد جعل منه المكان الذي ذهب إليه ضباط الاستخبارات الإيرانية لتجنيد جواسيس ضد أميركا، خاصة عندما كان التواجد العسكري الأميركي في العراق في أعلى مستوياته، أما الآن بعد أن تم تقليص التواجد الأميركي، عاد الأمريكيون والإيرانيون إلى الظل للخوض في معاركهم الاستخباراتية السرية، لكن العراق لا يزال ساحة معركة رئيسية في حروب التجسس، وتواصل إيران الاستفادة من نفوذها المستمر منذ فترة طويلة هناك.
وبعد أن ذكر ذلك الجاسوس العراقي، أنه كان لديه صديقا يعمل في قاعدة إنجرليك الجوية في تركيا، كلفه ضابط الاستخبارات الإيراني بمهمة، حيث طلب الضابط الإيراني من الجاسوس العراقي مقابلة صديقه في رحلته القادمة إلى تركيا، وسيكون تجنيده لصديقه بمثابة إثبات لنفسه أمام الإيرانيين، وفي اجتماعهم القادم، أطلع الجاسوس العراقي المسؤول الإيراني على مجريات لقائه بصديقه في تركيا، وفق «ذا إنترسيبت».
وبحسب إحدى البرقيات، قال الجاسوس العراقي للضابط الإيراني: «في زيارة الشهر الماضي كما وعدت، قمت بزيارته وتحدثت معه عن تعاونه مع إيران. من المرجح جدا أن يتعاون مع إيران».
وأفاد الجاسوس بأن مستوى الأمن في قاعدة إنجرليك سيجعل من الصعب على صديقه التواصل مع الإيرانيين بانتظام، وقال: «بما أن القوات الأمريكية تسيطر بشدة على العناصر العاملة داخل قاعدة إنجرليك الجوية، فإن مغادرة القاعدة والسفر عبر المدن قد يتسبب بوقوعه في بعض المشاكل».
لكن لن تبقى هذه المشكلة قائمة لوقت طويل، حيث كان صديقه قد ذهب لتوه إلى الولايات المتحدة لحضور دورة تدريبية لمدة شهرين، وعندما عاد ذهب للعمل في قاعدة الأسد الجوية في العراق، حيث قال الجاسوس العراقي لضابط وزارة الاستخبارات الإيرانية: «في هذه المرحلة، سيكون من السهل إقامة تواصلٍ معه».
وقد أُعجب المسؤول، وهو ضابط إيراني تم تحديده في التقرير برمزه الداخلي رقم 3141153، بجهود ذاك الجاسوس العراقي، وكتب الضابط عن العراقي في تقريره أن «المراحل الأولية لملف تعاونه قد اكتملت، وهو مستعد لتلقي شفرة التعاون»، وفق الموقع، مضيفا «لقد كان العراقي مستعدا للخطوة التالية في عمله كجاسوس، بناءً على توجيهات المدير العام الموقر 364».
لكن برقيات وزارة الاستخبارات المسربة لا تُظهر ما إذا كان صديق العراقي قد تجسس بالفعل لصالح إيران من داخل القواعد العسكرية الأمريكية في العراق أو تركيا.
وتُظهر الملفات المسربة أن قضية الجاسوس العراقي وصديقه في إنجرليك لم تكن المرة الوحيدة التي حاول فيها ضباط المخابرات الإيرانية استخدام العراق كمنصة للتجسس على الولايات المتحدة.
وسبق وأن ذكرت قصة مشابهة كانت قد نُشرت بشكل مشترك من قبل «ذا انترسبت» و«نيويورك تايمز» في عام 2019 نقلاً عن برقية إيرانية مسربة.
وأظهرت هذه البرقية أن وزارة الداخلية الإيرانية جندت - أو كانت تحاول تجنيد - جاسوساً داخل وزارة الخارجية الأمريكية. ولم يتم التعرف على الشخص بالاسم ولكن تم وصفه بأنه شخص سبق وأن عمل في وزارة الخارجية على قضايا تتعلق بالعراق.
ولم تحصل «ذا انترسبت» إلا على جزء غير مؤرخ من التقرير الإيراني الداخلي حول تلك القضية.
وذكرت برقية وزارة الداخلية حينها: «بالنظر إلى مسؤولياته في وزارة الخارجية الأمريكية وسجله ومعرفته، فإنه يتمتع بإمكانية وصول جيدة» إلى المعلومات السرية.
وفي عام 2020، قام مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي باعتقال شخصٍ على علاقة بقضية تجسس أخرى مرتبطة بإيران في العراق. حيث اتُهمت مريم طومسون، المترجمة من ولاية مينيسوتا والتي تعمل مع الجيش الأميركي في العراق، بتمرير معلومات من مخبرين سريين أميركيين لحزب الله، المدعوم من إيران.
وفي هذا الشهر، أظهر ملف للمحكمة في قضيتها القانونية أنها تخطط للاعتراف بأنها مذنبة في تلك القضية.