«المنتدى الاستخباري».. هذا بالضبط ما تفعله مصر!

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

«شرفت اليوم باستقبال رؤساء أجهزة المخابرات المشاركين فى المنتدى العربى الاستخبارى بالقاهرة، ونؤكد حرصنا على دعم كل المبادرات التى من شأنها أن تعزز التعاون بين الدول العربية لضمان استقرار المنطقة ومستقبل شعوبها» بهذه الكلمات رحب الرئيس السيسى فى فبراير من العام الماضى بضيوف مصر فى «المنتدى الاستخبارى» الذى انعقد أيضاً هذا العام قبل أيام بالقاهرة فى الشهر نفسه الذى عقد فيه المنتدى السابق!

أى مراقب لذلك له بسهولة أن يستنتج عدة أمور؛ أهمها أن البعد العربى موجود فى فكر الرئيس السيسى وخصوصاً فى تحويل الحديث عن الأمن القومى العربى إلى واقع حقيقى على الأرض.. ولأن السياسة ليست ضرباً من الحظ ولا سعياً لصناعة المستقبل بالدعاء والابتهال دون عمل صادق.. لكنها أيضاً بنت ظروفها ومحيطها التى تعمل فيها.. ولذلك ينبغى رؤية ما يفعله الرئيس فى إطار المعطيات القائمة.. فالرئيس يرعى اليوم المبادرة الثانية بعد أن قدم قبل سنوات مبادرته الأولى التى طرح فيها سيادته فكرة «الجيش العربى المشترك» أو «القوة العربية المشتركة» التى طرحها الرئيس السيسى فى ظل أسوأ أحوال تعيش فيها وتمر بها الأمة العربية، حيث مؤامرة كبرى تتعرض لها سوريا الشقيقة وعشرات الألوف تجمعوا من عشرات الدول لتمزيقها وتفتيتها وأعادوها بكل أسى سنوات للوراء بعد نهضة نسبية أدت إلى اكتفاء ذاتى من الحبوب وديون فى الحد الأدنى!

وليبيا الشقيقة ومؤامرة شبيهة تستهدف إعادتها سيرتها الأولى حيث أقاليم ثلاثة مفككة متعارضة المصالح!

بينما فى اليمن الشقيق لم يتوقف شلال الدم هناك منذ سنوات ومعه خراب ودمار وجوع وأوبئة! وكذلك لا تريد قوى عديدة للعراق الشقيق أى هدوء يلتقط به أنفاسه ويسترد عافيته ويستثمر إمكانياته الهائلة كخامس أكبر احتياطى نفطى فى العالم برصيد أسطورى!

ولم تكن الأحوال فى لبنان والجزائر وتونس والسودان إلا ارتباكاً مختلفاً فى الدرجة وليس فى النوع! وكل ما سبق كانت خسائره باهظة فى مئات الآلاف من الأرواح ومثلها فى الجرحى وأضعافها من المشردين ممن تهدمت بيوتهم بل تهدمت أيضاً قراهم ومدنهم فضلاً عن مئات المليارات من الخسائر!

هذا هو الواقع العربى داخل حدود العرب، فضلاً عن تراجع فى أسعار سلعة العرب الأساسية النفط.. وغيرها من المشاكل التى أصابت الجسد العربى وساهمت فى تفاقم أزماته ومشاكله!

أما النظرة إلى خارج المحيط العربى نجد حجم وكم المخاطر التى تواجه العرب.. فى ظل تطلعات أقوى على حدوده كلها تعمل داخله وتعتبره مجالاً حيوياً لتحركها!

الأولى إسرائيل بأطماعها التوسعية التى لا حدود لها وتحكمها رؤية مقدسة يؤمن ويلتزم بها حتى أقصى العلمانيين ويبنى الأمن الإسرائيلى أساساً على إضعاف المحيط وضمان التفوق الدائم والشامل.. وتحت «الدائم والشامل» نضع خطوطاً عديدة!

وهناك تركيا التى تسعى إلى استرجاع نفوذ إمبراطورية غابرة لم يكن لها أن تفكر فى ذلك إلا بتشجيع من الحالة العربية الحالية التى أسهمت فى ذاتها فى إحياء أطماع قديمة كانت تقريباً انتهت ولا وجود لها إلا فى أحلام وربما أوهام القوميين الأتراك!

وهناك إيران التى تسعى إلى استدعاء مجد قديم لإمبراطورية كانت هناك..!

المؤسف أن الدول الثلاث السابقة اخترقت أصلاً الأمن القومى العربى فى صور شتى، وفى حين تعتمد الأخيرتان (تركيا وإيران) على أنصار لهما على الأرض يتم توظيف البعد العقائدى.. جماعات سنية هنا.. وجماعات شيعية هناك، دون قدرة -طبعاً- على رفع شعارات قومية سترفض على الفور، إلى إسرائيل التى اخترقت العقل العربى نفسه وزرعت الفتنة وحولت نفسها إلى عدو من الدرجة الثالثة وأحياناً صديق بل وحليف، فى حين تم تصدير تركيا وإيران كأعداء أصليين!

ويضم المشهد العربى مصاعب وتحديات أخرى لم تتوقف عند الملامح السابقة من نيران مشتعلة وأطماع لقوى محيطة وتدخلات خارجية وتراجع فى قيمة الثروات الموجودة وإنما أضيف إليها اللعب بورقة المياه مرة من الجنوب تجاه مصر والسودان، ومرة من الشمال تجاه العراق وسوريا، ومرة بين ذلك بتجويع وتعطيش الشعب الفلسطينى!

تتبقى نقطة لافتة ومهمة للغاية.. حيث الأكثر دهشة وإثارة وخطورة على الإطلاق فى كل ما سبق هو عدم اتفاق الدول العربية على المخاطر الأربعة السابقة! ففى حين يعتبر البعض إسرائيل عدوه الأول يقيم البعض معها علاقات طبيعية، فى حين يرى فريق آخر أن تركيا هى العدو وهى الخطر الأول الآن ويقيم علاقات مع إيران ولا يرى منها أى مخاطر على الأمن العربى بصيغته الشاملة، فى حين يرى فريق ثالث مثل الأشقاء فى الخليج أن إيران هى العدو الأول وهى الخطر الداهم الذى ينبغى مواجهته بكل الطرق بينما ينقسمون فى رؤية العدوين الآخرين.. بعضهم يقيم علاقات طبيعية مع إسرائيل والآخرون يقيمون علاقات طبيعية مع تركيا!

نقطة أخرى لا تقل خطورة عن النقطة السابقة وهى عدم امتلاك العرب تعريفاً واحداً موحداً للإرهاب! تخيلوا أن خطراً كبيراً تعانى منه المنطقة بشكل أساسى نواجهه دون اتفاق على مضمونه، وطبعاً ولا على القائمين عليه ولا مموليه ولا على مدربى عناصره ولا على داعميه ولا على من يوفر لعناصره العبور الآمن لبلادنا!

تخيلوا أن هذا هو المناخ الذى تعمل فيه مصر ويسعى رئيسها ويبذل رئيس مخابراتها الوزير اللواء عباس كامل الجهد كله لتسير الدول العربية فى الاتجاه الصحيح لمصالحها، وهو بالضرورة الاتجاه المعاكس لهذا كله! كان طبيعياً والحال كذلك أن يشدد الرئيس على العمل الواحد ويقول: «أهمية العمل الجماعى فى إطار الأخوة العربية على استعادة الاستقرار فى كافة دول المنطقة لاسيما التى تشهد حالة من السيولة وتعصف بها الأزمات وتسعى التنظيمات الإرهابية للاستقرار والتمدد فيها مدعومة بقوى خارجية إقليمية ودولية تستهدف صناعة الفوضى من أجل السيطرة على مقدرات أوطاننا العزيزة»، مناشداً المشاركين جميعاً التعاون والوقوف صفاً واحداً لنبذ الفرقة وتجاوز أى خلافات من أجل إعلاء مصالح الأوطان والشعوب العربية!

وسط كل هذه النيران والألغام تقفز مصر بأشقائها على كل ما يعانونه لتقدم عوامل الوحدة والمصالح المشتركة على عوامل وأسباب الشقاق والخلاف لتدفع بالجميع إلى الأمام بدلاً من إضاعة الوقت والجهد فى وساطات لا ولن تؤدى إلى شىء.. لذلك تتصدر اجتماعات المنتدى مجمل التهديدات التى تواجه الأمن القومى العربى وأهمها مخططات التفكيك والتقسيم على أسس عرقية وطائفية وإضعاف الدولة الوطنية وتزايد التدخلات الخارجية -دولية وإقليمية- فى شئون وفى أزمات المنطقة.

تطرح مصر فكرة «تجمع العقول» المفكرة والمؤثرة التى تنتهى عندها كل المعلومات المتاحة. و«تجمع العقول» المؤتمنة على أمن شعوبها وبلادها.. لعل فى تحاورهم وتفاهمهم وتعاونهم خير بلادنا جميعها.. وربما فى عام واحد أدى «المنتدى الاستخباراتى» أدواراً مهمة لبلادنا قد تكون الأحوال من دونه أسوأ مما هى عليه.. وبالتالى فاستعجال ثمار المنتدى لا يفيد.. ولن يفيد إلا استمراره والتشجيع عليه.. لتتفكك بالضرورة كل عوامل الخطر ولنبنى على أنقاضها -بإذن الله- مستقبلنا جميعاً!