إبراهيم حجازى يكتب:.. هى دى الحكاية! (9)

إبراهيم حجازى يكتب:.. هى دى الحكاية! (9)
ربنا يسعدكم مثلما أسعدتم كل المصريين!
أتكلم عن رجال المنتخب الوطنى لكرة اليد.. بسم الله ما شاء الله.. مهارة ولياقة بدنية ولياقة نفسية ونخوة ورجولة وجدعنة وثقة وشجاعة وروح قتالية جبارة تدهس فى طريقها أى مستحيل لأجل أن تحقق المستحيل وتحتل بجدارة مكانها وسط الثمانية الكبار فى عالم كرة اليد.. وليس هذا فقط.. إنما يلعبون مباراة العمر مع الدنمارك، بطل العالم، وأثبتوا للعالم قدراتهم الجبارة ومهاراتهم الرائعة!. هم الذين يتقدمون وأبطال العالم يتعادلون، وحتى آخر ثانية فى الوقت الإضافى الرابع مصر المتقدمة بهدف.. وبخطأ تعادلت الدنمارك وفازت بضربات الجزاء!. الوصول لدور الثمانية إنجاز هائل لو تعلمون.. والدرس الذى تم تلقينه لأبطال العالم درس هو الآخر عظيم!. الذى حققته وتحققه كرة اليد المصرية حكاية طويلة.. تستحق أن أحكيها لحضراتكم من البداية.. ولأجل أن نعرف حجم الإنجاز لا بد أن نتعرف على بعض الحقائق!.
أولها: لا بد من توافر الجينات المميزة للتفوق فى أى رياضة لدى أى لاعب فى لعبة جماعية أو بطل فى لعبة فردية.. لأنه بدون امتلاكه لهذه الجينات أو الموهبة.. مستحيل وصوله إلى المستويات العالمية!.
ثانيها: وصول اللعبات الفردية للعالمية أسهل من وصول اللعبات الجماعية.. لأن التحكم فى وصول بطل بمفرده لأعلى مستوى فنياً وبدنياً ونفسياً أسهل بكثير من لعبة جماعية.. حيث يتطلب الأمر ضمان وصول كل أعضاء الفريق فى وقت محدد إلى أعلى مستوى فنى وبدنى ونفسى!.
ثالثها: الوصول إلى المستويات العالمية فى أى لعبة.. فردية أو جماعية.. إلى جانب الموهبة التى تم اكتشافها فى سن مبكرة وحصلت على الرعاية المتكاملة فنياً وبدنياً ونفسياً وصحياً.. وتم صقلها فى المسابقات المحلية.. هذه الموهبة ارتفاع مستواها متوقف على قدر الاحتكاك الدولى الذى خاضته وتخوضه باستمرار!.
طيب.. أين كرة اليد المصرية من هذه الحدوتة؟.
كرة اليد شأنها شأن كل اللعبات «الشهيدة» بالمقارنة بـ«الكورة» على رأى الأستاذ نجيب المستكاوى، رحمة الله عليه!. لعبة مثل كل اللعبات.. «جاية مع العفش»، بالنسبة «للكورة» فى بلدنا المحظية إعلامياً ومادياً وجماهيرياً.. ومع ذلك.. حالها من حال بقية اللعبات فنياً!. طبعاً كلها بعيداً عن المستويات العالمية.. بل وأفريقياً!.
حظ كرة اليد عن بقية اللعبات فى بلدنا أن حسن مصطفى كان واحداً من أبنائها الذين مارسوا كرة اليد وأحبوا كرة اليد.. إلى أن أصبح.. هو وكرة اليد.. يجمعهما حلم يكبر مع الأيام.. ولِمَ لا تصل كرة اليد المصرية إلى العالمية؟.
هذا الحلم هو الذى دفع حسن مصطفى إلى الترشح لرياسة اتحاد كرة اليد.. وكانت جرأة ما بعدها جرأة وقتها.. ومَن ذاك الشاب الذى دخل الانتخابات منافساً لوزير فى الحكومة؟. فاجأ حسن مصطفى الجميع وفاز برئاسة اتحاد اليد.. لأن الحلم الذى يملكه حلم مشروع يملك مقومات نجاحه.. بموهبته الإدارية الفذة.. وابحث عن الإدارة.. تجدها وراء كل نجاح وأيضاً خلف أى فشل!.
عندما تولى حسن مصطفى مسئولية كرة اليد المصرية عام 1984.. كانت مصر بعيدة عن بطولة أفريقيا من 19 سنة.. وبالتالى بعيدة عن أى منافسات عالمية من نفس التاريخ.. لأن بطل أفريقيا هو من يذهب لبطولات العالم أو الدورات الأولمبية!.
حسن مصطفى راح يرسى قواعد بناء كرة اليد «اللى بجد».. ببناء قاعدة ممارسة.. وبناء لوائح يحترمها الجميع لأنها تطبق على الجميع.. وبناء كوادر جديدة فى التدريب والتحكيم والإدارة.. بتوفير أعلى الدراسات المؤهلة لهم.. وطبيعى أن تثمر التجربة الناجحة.. وعادت مصر لتسيُّد عرش أفريقيا.. وفازت مصر ببطولة العالم للشباب عام 1993 ودخل منتخبها الكبير فى الستة والسبعة الأوائل على العالم!.
مهم جداً أن يبقى الحلم متوهجاً.. طالما قدرات الإنسان تغطى طموحات هذا الحلم!. حلم حسن مصطفى لكرة اليد أصبح أكبر.. وهدفه أن يغير حالها عالمياً!. تقدم لرياسة الاتحاد الدولى لكرة اليد سنة 2000 ونجح، ومن يومها هو رئيس الاتحاد الدولى خمس دورات على التوالى لمدة 21 سنة وثلاثة شهور.. آخر ثلاث دورات منها نجح بالتزكية!. أتعرفون حضراتكم لماذا؟.
لأنه أحدث طفرة عالمية فى كرة اليد التى أصبحت فى عهده لعبة عالمية.. اتحادها يضم فى عضويته 209 دول.. والأهم على الإطلاق!.
كرة اليد فى العالم كانت حتى سنة 2000 لعبة أوروبية.. بطولاتها حكر على الدول الأوروبية الـ51، والبطولة قاصرة على 17 أو 18 دولة.. بطولات العالم لا تخرج عنها!.
اليوم موجود البرازيل والأرجنتين ومصر وتونس والجزائر واليابان وكوريا!. كل هذه الدول أصبحت منافساً قوياً فى البطولات العالمية.. وهذا الأمر لم يأتِ من فراغ.. إنما ثمار خطة الاتحاد الدولى لتطوير كرة اليد على مستوى العالم!.
وأعود إلى كرة اليد المصرية.. التى نجت من «سلو بلدنا» بأن المسئول الجديد يلغى ما قام به المسئول السابق!. البناء الذى تم إرساء قواعده من 1984 لم يُهدم ولم يتوقف!. توالت الإدارات والتقدم مستمر، إلى أن جاء مجلس إدارة اتحاد كرة اليد برياسة المهندس هشام نصر لتفاجئ مصر العالم فى 2019 بحصولها على بطولة العالم للناشئين «19 سنة»، وثالث العالم للشباب.. وفى هذه السنة منتخبها أثبت.. فعلاً لا قولاً.. أننا المصريون.. نقدر فى كل وقت وأى مكان.. نقدر على المستحيل!.
قد يقول قائل: كل الكلام ده علشان وصلنا دور الثمانية!. أقول أنا: نعم.. لأن وجودنا بين الثمانية الكبار إعجاز!. ليه؟.
لأننى فى بداية الكلام أوضحت أن الوصول فى اللعبات الجماعية للعالمية صعب.. وهو فى حالتنا بالغ الصعوبة!. لماذا؟.
لأن الدول الأوروبية القوية التى تحتكر بطولات العالم.. هى قوية لأنها تتمتع بميزة غير موجودة خارج أوروبا!.
ميزة التقارب بينها.. بما يسمح بسهولة الانتقال بالقطار أو حتى الطائرة.. للعب والاحتكاك بين مستويات مرتفعة.. الاحتكاك بينها يحافظ على المستوى العالمى المرتفع.. والأهم من ذلك أن هذه الدول تجمعها بطولة دورى أبطال أوروبا.. التى هى أعلى مستوى احتكاك!.
منتخبنا محروم من كل فرص الاحتكاك المتاحة للأوروبيين.. وليس هذا فقط!.
المسابقات المحلية هنا أقل بكثير عن مستوى اللاعبين الدوليين.. لتصبح مشاركاتهم فيها خسارة فنية لهم وعليهم.. والحل!.
توفير أكبر قدر من الاحتكاك الخارجى لمنتخب مصر!. صحيح ليس هو الحل الأمثل.. لكنه الأقرب للأمثل.. ولكن!.
كرة اليد مثل بقية اللعبات «الشهيدة»!. ميزانية اليد فى السنة لا تغطى تكلفة معسكر واحد للمنتخب فى الخارج للاحتكاك!.
الدولة «حلّت» المشكلة المستعصية!. وزير الشباب والرياضة، الدكتور أشرف صبحى، توصل إلى الحل الأفضل المتاح حالياً.. ألا وهو التركيز على اللعبات التى بإمكانها المنافسة العالمية.. وفى مقدمتها كرة اليد.. وعليه!. وزارة الشباب وفرت الإمكانات التى تسمح بتوفير كل برامج الإعداد لمنتخبات اليد.. والنتيجة!.
نحن أول عالم ناشئين وثالث عالم شباب.. واليوم نحن وسط الثمانية الكبار فى العالم.. بمستوى فنى أترك مباراتنا مع الدنمارك.. بطل العالم.. تتكلم عنه وتشهد له وتعترف به!.
مرة أخرى أؤكد أن ما حققناه إعجاز.. إذا ما عرفنا أن عدد اللاعبين المقيدين فى الاتحادات الرياضية فى كل اللعبات من الجنسين بجميع المراحل السنية.. من عشر سنوات.. كان 250 ألف لاعب ولاعبة!. فى نفس الوقت المقيدون فى اتحاد كرة اليد الألمانى من الجنسين مليون و300 ألف لاعب ولاعبة!.
الإعجاز أننا بالقاعدة الصغيرة والمواهب القليلة.. وصلنا إلى المستوى العالمى وننافس أبطال العالم.. المتوافرة لديهم قاعدة هائلة تمارس اللعبة وسبل احتكاك هائلة ترفع المستوى الفنى للعبة!.
نعم.. احتراف نجومنا فى الخارج ضمانة لأفضل احتكاك يحافظ على أعلى مستوى فنى.. ولكن!.
احتراف نجومنا فى الخارج.. يؤثر سلباً على المستوى الفنى للمسابقات المحلية.. ويحرم لاعبينا المحليين من أفضل احتكاك يرفع مستواهم.. وهذه مشكلة!. طيب والحل؟
الـ15 مليون ولد وبنت «اللى» فى عمر العشر سنوات وحولها.. من يمارس منهم الرياضة ثلاثة آلاف والـ15 مليوناً إلا ثلاثة آلاف يتفرجون!. ليه؟. لأنه لا توجد ملاعب أمامهم!. والعمل؟.
تشريع بقانون.. كل أربع أو خمس عمارات.. لا بد أن يتوسطها ملعب 25 x 50 متراً.. يتيح لكل طفلة وطفل ممارسة الرياضة!.
وجود هذه الملاعب فى كل مكان.. طبيعى ومنطقى بعد بطولة كبيرة مثل بطولة العالم لليد.. وبعد المستوى المبهر لمنتخبنا فيها.. ومتابعة الشعب المصرى لمبارياتها وفرحته بانتصاراتنا.. طبيعى أن أحداثها تكون أكبر دافع لآلاف الصغار للعب كرة اليد.. لأجل أن يكونوا فى يوم زى أحمد الأحمر وسند وعلى زين والدرع ويحيى خالد والطيار وهنداوى والوكيل وصفا وقداح وأحمد هشام وممدوح هاشم والمصرى ونوار!. وهى دى الحكاية!.