دكتورة عبلة الكحلاوى.. سَلامٌ عليكِ فى الخالدين
حالة من الحزن سيطرت على الرجال والنساء والكبار والصغار إثر وفاة الدكتورة الفاضلة السيدة «عبلة محمد مرسى عبداللطيف الكحلاوى»، والفقيدة هى ابنة الفنان الكبير مداح النبى الكريم -صلى الله عليه وسلم- المرحوم الفنان محمد الكحلاوى، الذى قال لأبنائه ذات يوم: «عرفت الله بالمحبة وأريدكم أن تعرفوه بالعلم»، فعرفت الفقيدة الكريمة ربها بالمحبة والعلم والعطاء.
وزوجها هو اللواء ياسين بسيونى، مات شهيداً فى حرب أكتوبر، وتحمّلت الفقيدة الصدمة، وقالت: «لولا الإيمان والصبر لفقدت عقلى، لكننى عرفت كيف أُحَوِّل ألَم فقدان الحبيب إلى نجاح»، وعكفتْ على تربية بناتها الثلاث: «مروة» و«رُدينة» و«هبة الله» على حب الخير والسماحة، ونبذ العصبية والتشدد، وصِرن عوناً لها فى أعمالها الخيرية.
لقد كان حُزناً صادقاً على وفاتها لانطفاء صفحة مشرقة من صفحات العلم والفضل، والعطاء الباذخ، والرفاء الحى، والمودة والحنان، كان حزناً نابعاً من القلب قبل أن يكون سطوراً يكتبها الناس على صفحات التواصل الاجتماعى، إنه سائق اللوعة الجارفة، والتقدير الحار لإنسانة وطنية صادقة بذلت حياتها فى نشر التعليم، وإغاثة الملهوف، وعون السائل، وتضميد الجراح، وإكرام الضيف، واحترام الكبير والصغير، فكانت باباً واسعاً من أبواب الإحسان والبِر والتخفيف عن الناس فى الدين والحياة.
كانت -عليها سحائب الرحمات تترى- أقرب فى تقديم الدين إلى الأم الحانية على السائل وعلى التلميذ وعلى المستمع قبل أن تكون العالمة الأزهرية المتخصصة فى علوم الشريعة، وحنانها هذا وأمومتها هذه لم تمنعها من الالتزام المنهجى، والفهم المنضبط فى تقديم الدين للناس، ولم تلتفت لسفاهات المتطرفين وبذاءتهم، فضربت نموذجاً يُحتذى أنارت به العقول، ويمكن القول إنها كانت فى خطابها وصوتها الآثر مريحة نفسياً للمشاهد والمستمع، وأنها دعت إلى الله بحالها وأفعالها قبل أقوالها وألفاظها.
ولقد حزنت لوفاتها الأمة العربية والإسلامية، لأن الشيخة الفقيهة الجليلة الصالحة ملأت البيوت نوراً وسكينة بفضل نصائحها المخلصة، وجهودها فى إطعام الفقراء، ورفع المعاناة عن المحتاجين، وأسست جمعية خيرية فى المقطم لرعاية الأطفال الأيتام ومرضى السرطان وكبار السن، تحت اسم جمعية «الباقيات الصالحات»، بالإضافة لمجمع الباقيات الصالحات فى المقطم، ودار «ضنايا» لخدمة الأطفال المصابين بالسرطان، ودار أمى، ودار أبى، لرعاية مرضى الزهايمر.
ثم إن الله ابتلاها بمرض نادر جعل الألم الشديد يسرى فى جميع جسدها، فتألمت ألماً شديداً لا يُطاق، حتى إنها كانت تبكى من شدة الألم، ومع ذلك صبرت واحتسبت، ولم تُشعر من حولها، ولم يمنعها المرض من مواصلة العمل الخيرى.. هكذا نقل المقربون منها، ثم جاء مرض كورونا اللعين لتترك الحياة الزاخرة بطوفانها الثائر، وأوصت بأن يُصلى عليها فضيلة الدكتور أسامة الأزهرى، وغاب جسدها، واختفت بوفاتها صفحة زاهرة من صفحات العلم والأدب والخلق والعطاء، وانتقلت إلى دارها الثانية، لتحصُدَ ما قدمته فى دارها الأولى، ومما خفف من هول الفاجعة، ورزء المصاب أن محبيها يعلمون أن الله هو الذى دعاها لتكون فى جنة الخلد بإذنه، وأنها رحلت عن الدنيا لكنها نزلت فى القلوب..
لئن رحلت عن سفحِ نُعمان عيسُه ** فقد نزلت فى حى قلبى خيامُهُ
ولكـن حللتم سفحةً فتزينتْ ** بحسنكمُ ساحـاتُه وأكمامُهُ
وتبقى سيرتها العاطرة موضع احتفاء وتقدير، ومحل ثناء وتبجيل، وسلامٌ عليها فى الخالدين.