هل تُغير عمليات الاستحواذ خريطة المنافسة بالقطاع المصرفي المصري؟

كتب: دينا عبدالفتاح

هل تُغير عمليات الاستحواذ خريطة المنافسة بالقطاع المصرفي المصري؟

هل تُغير عمليات الاستحواذ خريطة المنافسة بالقطاع المصرفي المصري؟

تعتبر عمليات الاستحواذ هى الطريق الوحيد لدخول القطاع المصرفى المصرى، فى ظل توقف البنك المركزى منذ سنوات منح رخص جديدة لدخول السوق البنكية فى مصر، لذا تتجه المصارف الأجنبية - خاصة الخليجية - إلى الاستحواذ والاندماج مع كيانات بنكية قائمة تسعى للتخارج من السوق المصرية بسبب أزمات وظروف خاصة تمر بها المجموعات الأم لهذه البنوك فى بلدانها، ما يدفعها إلى اللجوء لتقليص وجودها خارج دولها.

وعلى مدار السنوات الأخيرة شهد القطاع المصرفى فى مصر العديد من المتغيرات فى مراكز القوى ما بين اختفاء لبنوك وظهور أخرى تشعل المنافسة، كما أنه من المتوقع أن تشتد حدة المنافسة بعد إعلان بنك أبوظبى الأول الإماراتى وصوله للمراحل النهائية من التفاوض للاستحواذ على بنك عوده مصر، وكذا إعلان بنك المؤسسة العربية المصرفية البحرينى ABC عزمه الاستحواذ على بنك بلوم مصر.

وتأتى عمليات الاستحواذ على البنوك اللبنانية فى ظل الأزمة المالية الطاحنة التى تواجهها لبنان، والتى عمقتها تداعيات فيروس كورونا وعدم الاستقرار السياسى الذى صاحب انفجار مرفأ بيروت فى أغسطس، وما تبعهما من متطلبات تنظيمية فرضها المصرف المركزى اللبنانى على البنوك، حيث تحتاج البنوك اللبنانية سيولة نقدية كبيرة لتوفيق أوضاعها مع متطلبات القانون الجديد لمصرف لبنان، الذى يلزم البنوك برفع رؤوس أموالها بالسماح للمساهمين بضخ المزيد من السيولة بنسبة تصل إلى نحو 20% من رأسمالها.

«أبوظبى الأول وعوده - مصر»

«أبوظبي الأول» يخوض أول استحواذ دولي للبنك ويوقع اتفاقية نهائية لشراء «عوده - مصر»

وأعلن بنك أبوظبى الأوّل وبنك عوده الأربعاء الماضى، عن توقيع الاتفاقية النهائية لعملية استحواذ أبوظبى الأول على 100% من رأسمال بنك عوده - مصر، حيث تأتى الاتفاقية عقب استكمال عملية معمقة لتدقيق المعطيات والفحص النافى للجهالة الذى أجراه بنك أبوظبى الأول على أعمال بنك عوده مصر وفقاً للتشريعات السارية، وذلك بعد الحصول على الموافقة المبدئية المطلوبة من البنك المركزى المصرى.

ومن المتوقع استكمال عملية الاستحواذ خلال الأشهر القليلة المقبلة، بعد استيفاء عدة شروط شائعة فى مثل هذه العملية، منها الحصول على الموافقات النهائية من البنك والمصرف المركزيين والجهات التنظيمية والرقابية اللازمة فى كل من الإمارات ومصر.

الكيان الجديد

أصول الكيان الجديد تتجاوز 120 مليار جنيه 6.7 مليار جنيه قيمة استحواذ «ABC» على «بلوم مصر»

وسيساهم الاستحواذ فى زيادة حجم ونطاق نشاط بنك أبوظبى الأول فى مصر بشكل كبير، وسيجعل منه أحد أكبر البنوك الأجنبية العاملة فى مصر من حيث الأصول، حيث تتجاوز قيمتها 120 مليار جنيه بعد التجميع، كما ستساهم عائدات عملية البيع فى تعزيز ملاءة مجموعة بنك عوده ومرونتها المالية، ومن المتوقع أن تتراوح قيمة صفقة استحواذ بنك أبوظبى الأول على وحدة بنك عوده فى مصر، بين 660 مليون دولار و700 مليون دولار، وفقاً لمصادر مطلعة.

ويبلغ إجمالى أصول بنك عوده - مصر نحو 83.2 مليار جنيه بنهاية سبتمبر 2020، فى حين بلغ إجمالى حقوق المساهمين 7.6 مليار جنيه، ومن شأن الخدمات المصرفية المتميزة التى يقدمها بنك عوده للأفراد والشركات، بالإضافة إلى الخبرات البشرية والكوادر المدربة التى يمتلكها البنك، إلى جانب شبكة فروعه المنتشرة والبالغ عددها 53 فرعاً، أن تكمل العمليات التشغيلية لبنك أبوظبى الأول فى مصر من خلال فروعه البالغ عددها 17 فرعاً وحضوره المتميز فى السوق المصرية منذ 45 عاماً.

وتعليقاً على ذلك، قال أندريه صايغ، الرئيس التنفيذى لمجموعة بنك أبوظبى الأول، إن عملية الاستحواذ هذه تعد أول استحواذ دولى لبنك أبوظبى الأول، ومن شأنها أن تسهم فى تسريع وتيرة نمو أعمال المجموعة فى أسواق تتمتع بإمكانات واعدة، خصوصاً أن هذا الاستحواذ سيضيف خبرة واسعة وقوة مالية تدعمان مسيرة النمو والإيرادات المستدامة للمجموعة، مضيفاً أن البنك ملتزم بدعم العملاء فى مصر من خلال توفير مجموعة واسعة من الخدمات المصرفية التى تلبى احتياجات الأفراد والشركات، فضلاً عن سعيه ليكون حلقة وصل للتجارة والاستثمار بين منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والعالم.

من جانبه، قال سمير حنا، رئيس مجلس الإدارة والمسئول التنفيذى الرئيسى لمجموعة بنك عوده: «تمثل عملية الاستحواذ هذه أفضل النتائج التى توصلنا إليها لصالح كافة شركائنا، وبشكلٍ خاص عملاؤنا وموظفونا فى مصر، وذلك نتيجة التحديات التى يواجهها لبنان منذ 16 شهراً، كما أن هذا الاستحواذ يعكس الثقة الكبيرة بجودة وفاعلية نموذج الأعمال والحوكمة التى أسستها مجموعة بنك عوده فى المنطقة».

ويبقى السؤال.. هل جاءت فكرة استحواذ بنك أبوظبى الأول على وحدة بنك عوده فى مصر بمحض الصدفة؟

وللإجابة عن التساؤل، وبالنظر إلى التوقيت الذى بدأت فيه المحادثات بين البنكين لمناقشة عملية الاستحواذ، نجد أنها تتوافق مع الفترة الزمنية التى تولى فيها محمد عباس فايد رئاسة بنك أبوظبى الأول، حيث تولى فايد منصبه فى ديسمبر 2019 فيما بدأت المحادثات بين البنكين فى يناير 2020.

«بلوم مصر وABC»

ولم تكن صفقة استحواذ أبوظبى الأول على بنك عوده مصر هى الصفقة الوحيدة التى تم توقيعها خلال هذا الشهر، بل أنهى بنك المؤسسة العربية المصرفية البحرينى مفاوضاته أيضاً للاستحواذ على وحدة بنك بلوم اللبنانى فى مصر، ليكتمل مسلسل تخارج البنوك اللبنانية من السوق المحلية، حيث أعلن بنك ABC البحرينى استحواذه على 99.4% من رأسمال بنك بلوم مصر، على أن تخضع هذه العملية للموافقة من قبل المصرف المركزى المصرى والبنك المركزى اللبنانى، بالإضافة إلى بعض السلطات التنظيمية الأخرى فى كل من مصر والبحرين.

إتمام الصفقة بشكل نهائي خلال النصف الأول من 2021

وتبلغ قيمة الصفقة نحو 6.7 مليار جنيه «427 مليون دولار»، التى شملت الأصول الملموسة وغير الملموسة وحسابات العملاء، وشبكة فروع بنك بلوم البالغة 41 فرعاً، وهو ما يخلق كياناً جديداً يمتلك 68 فرعاً بعد دمج الـ27 فرعاً التى يمتلكها بنك ABC حالياً، ليتمكن بذلك من تقديم خدمات تجارية وتجزئة وخدمات أخرى على مستوى الجمهورية، ومن المتوقع إتمام الصفقة التى تم توقيعها يوم 15 يناير الجارى، بشكل نهائى فى النصف الأول من 2021.

وقال سعد أزهرى، رئيس مجلس إدارة ومدير عام بنك بلوم، إن هذه الصفقة جاءت امتثالاً لتعاليم المصرف المركزى اللبنانى، التى تطلب من جميع المصارف العاملة فى لبنان زيادة رأسمالها بنسبة 20%، وهو ما دفع البنك لبيع واحدة من أنجح الوحدات فى الشرق الأوسط لزيادة رأس المال.

وقال الدكتور خالد كعوان، الرئيس التنفيذى لمجموعة بنك ABC: «إن الاستحواذ على بنك بلوم مصر يمثل فرصة فريدة لبنك ABC، فى إطار تحقيق التزامنا الاستراتيجى بالتوسع فى أعمالنا الأساسية عن طريق الاستحواذ على أصول استراتيجية هامة ذات إمكانات فريدة، وستوفر لنا هذه الخطوة منصة مصرفية عريقة تتمتع بمكانة كبيرة وتمتلك مقومات نمو مستقبلية هائلة فى إحدى أكثر الأسواق جاذبية فى المنطقة».

وقالت المؤسسة العربية المصرفية فى بيان لها، إنها تتطلع للصعود بمستوى أعمالها فى مصر، التى تعد سوقاً استراتيجية رئيسية لها، بعد أن رسخ بنك ABC وجوده من خلال الاستحواذ على بنك مصر العربى الأفريقى فى عام 1999، مضيفة أن بنك بلوم مصر سيساهم فى رفع البصمة المصرية لبنك ABC، التى تتماشى تماماً مع استراتيجية البنك ليكون البنك الدولى الرائد فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

خريطة البنوك بعد 15 عاماً من الإصلاح

وبالتأمل فى خريطة القطاع المصرفى المصرى وعمليات الاستحواذ التى تمت خلال السنوات الأخيرة، نجد أنه منذ عملية الإصلاح المصرفى التى قام بها البنك المركزى المصرى منذ عام 2005، شهدت السوق المصرية استحواذات وتخارجات عدة، والتى من أبرزها بيع البنك الأهلى سوسيتيه جنرال لبنك قطر الوطنى، وبيع بنك «بى إن بى باريبا» لبنك الإمارات دبى الوطنى، وخروج البنك الوطنى العمانى، وأيضاً بيع أنشطة خدمات التجزئة المصرفية وخدمات البطاقات الخاصة بسيتى بنك فى مصر إلى البنك التجارى الدولى، واستحواذ البنك العربى الأفريقى الدولى على محفظتى القروض والودائع لبنك «سكوشيا بنك» الكندى، إلى جانب بيع بنك بيريوس مصر للبنك الأهلى الكويتى، واستحواذ التجارى وفا المغربى على باركليز البريطانى، وأخيراً صفقات عوده وبلوم التى تم الاستحواذ عليها من قبل أبوظبى الأول وABC.

وبدراسة كل صفقة من هذه الصفقات، سنجد أن السبب الرئيسى لتخارج هذه البنوك من السوق المصرية يرجع بالأساس إلى أزمات مرت بها المجموعة الأم أو الدولة التى تعمل بها، فعلى سبيل المثال تخارج بنكى بلوم وعوده، يأتى نتيجة الأزمات الاقتصادية التى تمر بها لبنان خلال الفترة الأخيرة، التى دفعت البنك المركزى اللبنانى لإلزام جميع المصارف العاملة فى لبنان بزيادة رأسمالها بنسبة 20%، مما دفعها لبيع وحداتها الخارجية للامتثال لهذه المتطلبات.

ولم تختلف الأسباب كثيراً فى صفقة استحواذ التجارى وفا بنك على باركليز، الذى تخارج نتيجة أزمات اقتصادية أوروبية أو تركيز استثمارات فى أسواق بعينها، كما أن تخارج بنك بيريوس - مصر جاء نتيجة عدد من الأسباب على رأسها خسارة بيريوس اليونانى (البنك الأم) لنحو 27 مليار يورو، نتيجة تعرضه لأزمة اليونان والبحث عن سبل تحقيق سيولة مناسبة، فكانت النتيجة بيع وحدته المصرفية فى مصر.

القيمة المضافة للسوق المصرية

التجارب السابقة لعمليات الاستحواذ البنكي أثبتت كفاءة وجاذبية السوق المصرية نجاح صفقة «باركليز» و«التجاري وفا» أحدث البراهين

ومن ناحية أخرى سنجد أن قيمة الصفقات التى تم الإعلان عنها أكبر من الاستثمارات التى ضختها هذه البنوك فى وحداتها، وبالتالى فإن البنوك التى تخارجت حققت أرباحاً كبيرة من بيع وحدتها فى واحدة من أكثر الأسواق جذباً فى الشرق الأوسط بل والعالم.

ولعل التصريحات السابقة للرئيس التنفيذى للتجارى وفا بنك المغربى، بأن قيمة صفقة الاستحواذ على باركليز مصر، تعادل مثلى القيمة الدفترية فى 2016 وسبعة أمثال الأرباح الصافية المتوقعة للوحدة فى 2017، متوقعاً أن استرداد قيمة الاستثمار فى الصفقة خلال خمس إلى سبع سنوات، توضح القيمة المضافة التى تضيفها السوق المصرية للقيم السوقية لهذه البنوك.

وصرحت مجموعة التجارى وفا بنك آنذاك، بأن مصر بما لها من مميزات عديدة تتمثل فى موقعها الجغرافى الفريد وخصائصها الديموغرافية المتميزة إلى جانب قوة قطاعها المصرفى، تعد سوقاً استراتيجية واعدة ذات فرص تنموية إيجابية وجاذبة للاستثمار.

كما تكفل البنوك العاملة بالقطاع المصرفى المصرى فى المتوسط عائداً يتراوح ما بين 30 و40% على حقوق المساهمين يصل فى بعض الأوقات إلى 50%، وهى نقطة تعزز ثقة المستثمرين، وهو ما ذكرته وكالة بلومبرج الأمريكية فى تقريرها، بأن الأداء القوى للقطاع المصرفى المصرى، مدعوماً بالطفرة المحققة فى أرباح البنوك، ينعش عمليات الاستحواذ والدمج، التى تعد أفضل السبل أمام الجهات المقرضة للنفاذ إلى الاقتصاد المصرى الأسرع نمواً فى منطقة الشرق الأوسط.

 الأزمات المالية للمجموعات الأم أبرز أسباب تخارج البنوك الأجنبية من السوق المصرية.. وارتفاع القيمة السوقية للوحدات العاملة في مصر دافع قوى للبيع

ومن ناحية أخرى أقرت شركة تليمر الإنجليزية للاستشارات، أن القطاع المصرفى المصرى هو الأكثر جذباً بين 20 سوقاً مصرفية فى الأسواق الناشئة خلال 2020، وذكرت أن ذلك يعود إلى آفاق النمو القوى للأعمال والأرباح، ونتيجة تقييمات البنوك الجاذبة، متوقعة نمو الأرباح التشغيلية 12%، وصافى الربح 5%، وصافى القروض 16%، والأصول 21%، ومتوسط العائد على الأصول إلى 3%، وعلى حقوق الملكية إلى 19.7%.

وبالنظر إلى المعطيات السابقة وعمليات الاستحواذ التى تمت خلال السنوات الأخيرة والتى تجرى حالياً، إلى جانب عمليات الدمج المتوقعة خلال الفترة المقبلة للتوافق مع متطلبات قانون البنوك الجديدة التى تقتضى زيادة رؤوس أموال البنوك، إلى جانب الطرح المتوقع لبنك القاهرة فى البورصة المصرية خلال الشهور المقبلة.. كيف ستنعكس هذه المعطيات على القطاع المصرفى المصرى؟

 

 


مواضيع متعلقة