"روزفلت" ينتصر لـ"ترامب"

جيهان فوزى

جيهان فوزى

كاتب صحفي

ما زال الرئيس الأمريكى دونالد «ترامب» يعيش حالة من الإنكار ويرفض الإقرار بالهزيمة فى الانتخابات الرئاسية، ويصر على القتال فى معركته الانتخابية حتى آخر يوم له فى البيت الأبيض. هذا الإصرار المستميت من قبل «ترامب» يضع الدوائر السياسية فى الولايات المتحدة فى موقف شديد التعقيد والارتباك، وتسبب فى جدل دستورى وقانونى فى الولايات المتحدة بشكل غير مسبوق فى تاريخ الانتخابات الأمريكية، لم تحدث منذ عهد الرئيس «فرانكلين روزفلت»، رغم أن الرئيس الأمريكى «جورج واشنطن» الذى تولى الرئاسة عام 1789 سن تقليداً غير مكتوب فى تحديد فترة الرئاسة حين رفض الترشح لولاية ثالثة، وأصبح ذلك بمثابة عرف دستورى، غير أن الولايات المتحدة الأمريكية واجهت مشكلة تداول السلطة لأول مرة حين خرق الرئيس «فرانكلين روزفلت» هذا العرف، واستمر فى الحكم لولاية ثالثة عام 1940، وولاية رابعة عام 1944، لذا فإن التعديل الدستورى الثانى والعشرين الذى أقر عام 1947 وطبق اعتباراً من عام 1951، حسم الأمر ومنع انتخاب الرئيس لأكثر من ولايتين.

لكن ماذا لو لم يسلم الرئيس «ترامب» السلطة لخلفه الرئيس المنتخب «جو بايدن» فى 20 من يناير الحالى؟ هل تدخل الولايات المتحدة فى صراع حول الانتقال السلمى للسلطة؟ أم سيخيب «ترامب» آمال ناخبيه فى اللحظة الحاسمة وينسحب من البيت الأبيض بهدوء دون اللجوء إلى العنف والفوضى، كما تشير المعطيات الحالية؟

إن الانتقال القانونى السلمى للسلطة هو أحد أهم وجوه الديمقراطية الأمريكية، ولهذا السبب فإن إعلان «ترامب» عدم قبوله بنتائج الانتخابات والهزيمة أمام «بايدن»، خلق موقفاً جديداً ومثيراً للقلق والارتباك بالنسبة لأمريكا، وفتح باب التكهنات والسيناريوهات أمام المحللين والمراقبين السياسيين دون الوصول إلى يقين عما يمكن أن تفجره الأيام المقبلة من مفاجآت. بحكم نتائج الانتخابات التى أظهرت تفوق «بايدن» على «ترامب» فى المجتمع الانتخابى بفارق كبير، فمن حقه تولى الرئاسة لأربع سنوات قادمة، لكن «ترامب» لديه الإمكانيات القانونية والشرعية التى يحق له استخدامها للطعن فى نتيجة التصويت، وهو ما حدث بالفعل، غير أن المحاكم فى معظمها خذلت «ترامب» ولم تحكم بما كان يريد، لذا ليس أمامه سوى التسليم بالنتيجة، وترك البيت الأبيض فى الموعد المحدد، ورغم ذلك لم يستسلم «ترامب» وما زال يحشد ناخبيه ويحرضهم، وتثير تغريداته عاصفة من الجدل والانتقادات التى تشى بانفجار الأوضاع فى أى وقت، وربما الدخول فى دوامة الفوضى، فما زالت حالة الإنكار تتلبس «ترامب»، وحتى وقت قريب غرد قائلاً: «الحقيقة ببساطة هى أن هذه الانتخابات لم تنته بعد»؟! وكان قد حذر بشكل واضح فى حملته الانتخابية بأنه لن يقبل بالهزيمة، وصرح مراراً بأنه عازم على البقاء فى السلطة بصرف النظر عما تقوله هيئة الانتخابات! وهو بذلك قد استبق نتائج الانتخابات ودأب يشكك فى نزاهتها حتى قبل أن تبدأ! ما يعطى مؤشراً باستشعار «ترامب» الخسارة، لذا فقد اختار طريق الهجوم كأفضل وسيلة للدفاع عن موقفه الضعيف والمأزوم. ومن هنا بدأت الولايات المتحدة فى مناقشة ما سيحدث فى حال نفذ «ترامب» تهديده وحاول التشبث بالسلطة؟.

فى حال رفض «ترامب» تسليم السلطة، فإن هناك سيناريوهات يمكن استخدامها، مثل أن تقع على عاتق الشرطة القضائية أو جهاز الخدمة السرية مهمة اصطحاب «ترامب» إلى خارج المقر الرئاسى، أما فى حال وقوع السيناريو الأكثر استبعاداً وأصر «ترامب» على رفضه مغادرة المنصب، فقد يكون من الضرورى تقييم ولاء قوات الأمن للرئيس، وهذا فى حد ذاته يسىء لصورة أمريكا ويلحق ضرراً هائلاً بالبلاد وبالمبادئ المهمة للعلاقات المدنية والعسكرية وبالآفاق العالمية للديمقراطية، أما الأمر الأكثر سوءاً الذى لا يتمنى أغلب الأمريكيين رؤيته هو أن تتدخل القوات المسلحة، فى ظل الحالة المحزنة التى آلت إليها الأمور فى الولايات المتحدة، ومنذ عرف «ترامب» طريقه إلى البيت الأبيض، وأصبح سلوكه السلطوى لا يقل سوءاً عن سلوك أى رئيس ديكتاتورى لم تدخل الديمقراطية بلاده ولم يعرف عن مبادئها شيئاً.