روايات مؤلمة.. حكاية 25 متطوعا لتكفين وفيات كورونا بالفيوم

كتب: أسماء أبو السعود

روايات مؤلمة.. حكاية 25 متطوعا لتكفين وفيات كورونا بالفيوم

روايات مؤلمة.. حكاية 25 متطوعا لتكفين وفيات كورونا بالفيوم

هناك من تخلى عنها زوجها لإصابتها بالفيروس وتوفيت دون أن تراه ولم يحضر جنازتها، وآخر تخلى عن والدته التي توفيت بكورونا رافضاً استلامها أو تكريمها وتكفينها، وعرض الأموال على العاملين بالمستشفى ليتولوا دفنها، وآخر قبطي لم يستلم جثته أحد، فاتصل المسئولون بالكنيسة لاستلامه ودفنه.

روايات مؤلمة تدمع لها العيون وتشيب لها الرؤوس، كان بطلها الوحيد هو فيروس "كورونا" المستجد، ولكن كانت هناك مأساة هي أصعبهم، ورغم ألمها الشديد، إلا أنّها كانت بداية انطلاقة خير، حيث تسببت جثة رجل، ظلت ملقاة أمام مشتشفى الحميات بالفيوم لما يقرب من 48 ساعة، دون أن يتقدم أحد لاستلامها، في تطوع 25 شخصاً لتكفين وفيات كورونا.

"محمود الطبهاري"، مؤسس فريق "غيث" لتكفين موتى الكورونا بالفيوم، تحدث لـ"الوطن" قائلاً إنّه في الموجة الأولى من انتشار فيروس كورونا المستجد، كان الجميع يخشى على نفسه، حتى من أن يتحدث إلى جاره، وعندما بدأت تظهر حالات الوفيات بالفيروس تهرّب الجميع، حتى حدث موقف جعله يتطوع لتكريم موتى كورونا، وبعد ذلك انضم إليه 25 شخصاً، بينهم سيدات، وأطلقوا على أنفسهم مسمى فريق "غيث".

وأشار "الطبهاري" إلى أنّه كانت هناك جثة لرجل مُسن بالكورونا يدعى "عاطف أ."، ظلت لمدة يومين ملقاة على نقالة حديدية ومغطاة بملاية سرير بيضاء، أمام مستشفى الحميات بالفيوم، بسبب رفض الجميع الاقتراب منه وتغسيله أو تكفينه، ولم تتمكن ابنته من فعل شئ حتى أنّ السيارات رفضت نقله إلى منزله، ولم تجد من يقوم بتكريمه، فنشرت صورته على مواقع التواصل الاجتماعي، موضحاً أنّه تأثر كثيراً بتلك الحالة، وعلى الفور قرر النزول من منزله، وتطوع لتغسيل وتكفين ودفن المتوفي، بعد أن وقع إقراراً بمسئوليته عن نفسه، في حالة إصابته بالعدوى.

وكشف عن أنّه بعد ذلك أطلق مبادرة عبر "فيسبوك"، طلب فيها مساعدة متطوعين، وبالفعل انضم إليه 25 متطوعاً ومتطوعة، وكونوا فريقين، أحدهما لتكريم الموتى من السيدات، والآخر للرجال، وبدأوا يتواصلون مع المستشفيات التي توجد بها وفيات من الجنسين، لتولي مسئولية تكفين الموتى، كما نشروا أرقامهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليتطوعوا لتكفين الموتى، الذين توفوا في العزل المنزلي.

ولفت "الطبهاري" إلى أنّه كانت هناك حالة أخرى كانت الأصعب بالنسبة لهم، حيث توفيت سيدة شابة ولم يكن معهم بالفريق سيدات لتكريمها، وحاولوا الوصول إلى أي سيدة تقوم بتغسيلها وتكفينها إلا أنّهم فشلوا في الوصول إلى سيدة، فاضطر الرجال إلى تغسيلها وتكفينها بحضور أحد محارمها، الذي كان يرفض الدخول معهم في البداية، خوفاً من العدوى، ولكنهم أقنعوه بصعوبة انتقال العدوى إليه، بعدما ألبسوه بدلة العزل، وأخذوا كافة الإجراءات الاحترازية اللازمة، ودخل معهم وقاموا بتغسيلها وتكفينها في النهاية، الأمر الذي جعلهم يبحثون عن سيدات، وعندما نشروا القصة تعاطفت الكثير من السيدات وتطوعت معهم.

ونوّه مؤسس الفريق إلى أنّه لن ينسى وفاة أحد الأقباط بكورونا، ظلت جثته محتجزة في ثلاجة الموتى لعدة أيام، بسبب عدم تمكنهم من الوصول لأحد من أسرته، وفي الغالب أنّه كان وحيداَ بعد وفاة والديه، وليس له أقارب، فاضطروا في النهاية إلى الاتصال بالكنيسة، وطلبوا منهم تولي دفنه بعدما قام فريق "غيث" بتغسيله وتكفينه.

وبيّن أنّ حدة الفيروس ازدادت بشكل كبير جداً خلال الموجة الثانية، خصوصاً أنّ الوفيات لم تعد تفرق بين كبير وصغير، فالمرحلة الأولى كان غالبية المتوفين من كبار السن، أمّا في الموجة الثانية فالوفيات كثيرة في الشباب والأطفال، موضحاً أنّهم قاموا، حتى الآن، بتغسيل ودفن 6 رضع انتقلت إليهم العدوى من أمهاتهم اللاتي أُصبن بالفيروس خلال الشهور الأخيرة من الحمل، حيث يولد الرضيع في حالة سيئة بسبب انتقال الفيروس إليه، ويموت بعد وقت قصير من ولادته، رغم محاولة الأطباء إسعافه بشتى الصور.

وأوضح أنّ أهل المتوفي يقدمون لهم البدل الواقية والقفازات، ليتمكنوا من تكريم موتاهم، وفي حالة كانت أسرة بسيطة، يقوم أعضاء الفريق بتوفير متبرع لهم بالمستلزمات اللازمة للعزل، أو يحضروها على نفقتهم الشخصية، مؤكداً أنّهم لا يحصلون على جنيه واحد مقابل عملهم، وهو تطوع فقط لوجه الله، أمّا من يُصر على التبرع لهم فيطلبون منه إحضار مستلزمات طبية وأدوية لمرضى العزل غير القادرين، ويتولون مسئولية توزيعها على المحتاجين.

واختتم "الطبهاري" بقوله إن الحالات خلال ذروة الفيروس تصل إلى 30 حالة وفاة يومياً، كاشفاً عن أنّ الكثيرين من أعضاء الفريق أصيبوا بفيروس كورونا، نتيجة انتقال العدوى إليهم، وخضعوا للعزل المنزلي حتى شفائهم تماماً، ورغم ذلك لم تُثنيهم إصاباتهم عن التطوع لتكفين الموتى، وعادوا إلى عملهم مرة أخرى.

 


مواضيع متعلقة