أدعية ورنات موبايل 2021

أمينة خيرى

أمينة خيرى

كاتب صحفي

يا رب سخر لنا فى العام الجديد عقولنا لتخرجنا مما نحن فيه من خرافة وخيالات وأوهام وأضغاث أحلام. واجعل لنا مخرجاً من غياهب ظلمات الهسهس الدينى الذى جعلنا نعتقد أننا الأسياد بالصراخ والعنجهية والعنف الفكرى والانغلاق الثقافى. وأعطنا القوة لننظر فى المرآة ونرى ما تعكسه دون تمويه أو تزيين، فنرى الجهل جهلاً والعلم علماً والأمل أملاً والوهم وهماً. وامنحنا يا رب القدرة البصيرة التى تمكننا من توقع ما نحن مقبلون عليه فى تفاصيل حياتنا من سياسة واقتصاد وصحة وتعليم ومأكل ومشرب وسكن فى ضوء ما نحن فيه فعلياً فى الحاضر، وليس بناءً على ما وصلت إليه شعوب أخرى لا تمت لنا بصلة. وأمدنا يا إلهى بالبصيرة التى هى قوة ونور فى القلب، لا لنرى بها من سينعم بالجنة والحور العين فيها أو بالنار وأهوالها، ولكن لنرى بها الأعمال والأخلاق التى تفرق بين الإنسان ذى العقل والقلب، وبين الكائنات معطلة العقول ومنزوعة القلوب.

وأرسل لنا يا الله فى هذا العام الجديد فريقاً من الحكماء يخضعنا لصدمة كهربائية تعيدنا إلى الحياة التى انفصلنا عنها منذ سبعينات القرن الماضى، ونواجه الفيروس الذى ضرب إنسانيتنا فى مقتل ونتوقف عن خلط الدين بالسياسة بدخول الحمام، وبالحصول على اللقاح، وبصباع رجل المرأة الصغير، وبنكاح الرضيعة والطفلة والمسنة والميتة والزوجة وشقيقتها وأمها وعمتها وبنات خالتها، وباستخدام البنات لتيك توك وإنستجرام، وباعتبار المتحرش ذكراً مسكيناً منصاعاً لهرموناته، والمتحرش بها زكيبة لممارسة الجنس، وتستحق ما تتعرّض له. يا رب ساعدنا فى العام الجديد على أن تهدى رجال الدين وتخبرهم بأنهم ليسوا قديسين أو أوصياء على غيرهم ممن يمتهنون مهناً أخرى، وتخبر من يمتهنون المهن الأخرى بأنه لا يصح طلب رأى رجل الدين فى مواد البناء التى يقرّرها المهندس أو أدوية العلاج التى يصفها الطبيب أو نوع السلاكة التى يستخدمها السباك، وذلك لأن لكل منا مجاله وتخصصه وعلمه.

وأنر عقولنا وقلوبنا وأعيننا يا رب العالمين لنعى أن مواجهة الأمراض وتحقيق الازدهار والوصول إلى الرفاه والحصول على راتب أعلى وشراء بيت أوسع واقتناء غسالة فول أوتوماتيك وتليفزيون عشروميت بوصة وموبايل أحدث موديل وشراء المزيد من المصوغات الذهبية للمدام وغيرها لن تتحقق بالدعاء بغرض استجابة السماء فقط، أو بالدعاء على الحكومة فقط، لكنه يتحقق بتحكيم العقول والتوقف عن سباق الأرانب الرهيب وتعقل الوضع جيداً قبل التوكل وإنجاب طفل كل تسعة أشهر، والإصرار على أن سوق العمل الهامشى ربحه أكيد، وأن أعمال السمسرة تغنى عن التصنيع والإنتاج والتصدير والابتكار. كما تتحقّق بالعمل الفعلى، وليس التظاهر به ونبذ شعار «على قد فلوسهم» لتبرير التكاسل والتراخى.

واللهم يا رب ألهم أئمتنا ومشايخنا القدرة على مواكبة العصر والتسليم بأن سنة الحياة التطور والتغيير والتقدم، وأن الإصرار على معاندة قوانين الطبيعة وجذب البلاد والعباد إلى كتب التاريخ والتراث وإبقاء الجميع هناك أمر يدفع بالجمع إلى الهاوية. اللهم ارزقهم أفكاراً نيرة، ولتبدأ مثلاً بأن يشمل الدعاء معانى وقيماً وأهدافاً جديدة، بالإضافة إلى الجنة والنار والحساب والعقاب وعذاب القبر، فنجد من يدعو لأن نلحق بركاب الأمم فى العلم والابتكار والتصنيع والإنتاج من خلال العلم والعمل والأخلاق.

اللهم يا قادر يا كريم اجعلنا نرى ما وصلت إليه أخلاقنا وسلوكياتنا، فنبدأ فوراً فى التصحيح والتهذيب والتحسين، فلا يُعقل أن يكون أكثر شعوب الأرض تديُّناً بالفطرة على هذا القدر من ازدواجية المعايير والانتقائية فى تطبيق القواعد والتحرّش بالإناث وعدم التفكير مرتين قبل تحويل الشوارع إلى مقالب قمامة وعشوائيات سلوكية لا تليق بتاريخنا.

يا رب فى هذا العام الجديد، وبينما نخطو أولى خطواتنا فى زمن يتحكم فيه الوباء ويكتنفه الغموض، اجعل من يعتقدون أنهم يفهمون فى كل شىء فى كل وقت يتوقفون عن هطلهم، ويمتنعون عن جهلهم، لا سيما إن كانوا يطلون علينا عبر الشاشات أو يندرجون تحت بند المؤثرين والمؤثرات على السوشيال ميديا.

وبمناسبة السوشيال ميديا يا الله نتضرع أن تهدى من يعتقدون أن مقاطع «تيك توك» تصنعها فتيات لا تهدّد مصير الأمة بالقدر الذى تتسبّب فيه تصرفات رجال يتّخذون قرارات مصيرية متخبّطة وشباب يبرطعون فى ربوع المدن وصبية تم إنجابهم فى غفلة من برامج وجهود تنظيم الأسرة، فباتوا يهيمنون على الشارع دون رادع أو ضابط. اهديهم يا الله وأخبرهم بأن منظر تل القمامة على ناصية الشارع إنما هو أشد ضرراً وأكثر فتكاً بالأخلاق والصحة من مقطع «تيك توك» لفتاة لا لشىء إلا لأن قواعد الهسهس الدينى نسخة سبعينات القرن الماضى.

يا رب فى هذا العام الجديد 2021، ارزقنا العلم والبصيرة، وارفع عنا الجهل الذى يصور لنا أن الأمور تُستجاب بالدعاء فقط وتحميلها لتكون رنات موبايل تزعج القاصى والدانى، وذكّرنا دائماً يا أرحم الراحمين بأن الدعاء مكمّل للعمل، وأن الدعاء دون عمل يبقى كلاماً فقط. وساعدنا يا الله على أن ننبذ الخوف من التفكير ونعتنق منهج التفكير والتحليل والبحث والسؤال والنقد، بناءً على العلم والمنطق يا أرحم الراحمين.