بعد إعاقة ابنتهما.. زوجان يؤسسان جمعية لخدمة ذوي الهمم في البراجيل

كتب: إنجي الطوخي

بعد إعاقة ابنتهما.. زوجان يؤسسان جمعية لخدمة ذوي الهمم في البراجيل

بعد إعاقة ابنتهما.. زوجان يؤسسان جمعية لخدمة ذوي الهمم في البراجيل

كان حال نسرين عزت وزوجها أحمد، مثل طريق لونت خطواته فقط بالألم والمعاناة، وكلما سارت فيه بضع خطوات، شعرت بالثقل والضعف من شدة قسوة تجربتها مع ابنة منحها الله ثلاث إعاقات، وسخرية وتهكم ممن لم يعش قطرة من ضرورة ادعاء القوة حتى لو كانت ركبتاها تكاد تتهاوى من نشيج قلبها الصامت.

وكان الحل الذى هداه تفكيرها، أمام حاجة ابنتها لرعاية خاصة، إنشاء جمعية باسم «واحة طيور الجنة لذوى الاحتياجات الخاصة»، تخدم ذوى الاعاقة، فى منطقة البراجيل كلها، وليس ابنتها فقط، بعد أن عرفت معاناة أولياء ذوى الاحتياجات الخاصة فى الوصول إلى أماكن توفر تأهيل ودورات متخصصة فى التخاطب والحركة.

«هى اسمها رحمة، وربنا بعتها ليا علشان يحط فى قلبى رحمة تجاه الناس وأولادهم»، بهذه الكلمات تبدأ «نسرين»، 46 سنة حديثها عن الجمعية التى مر على إنشائها أكثر من 11 عاما: «حكاية الجمعية عمرها ما كانت فى بالى أبدا، أنا ست بيت، وجوزى عنده شغله، لكن الظروف تشاء أننا نغير شكل حياتنا كلها، والسبب رحمة».

ولدت «رحمة» كأى طفلة طبيعية، وكانت فرحة كبيرة لـ «نسرين» وزوجها، فقد كانت الابنة الأولى على ثلاث ذكور، ثم بعد عام ونصف العام وجدا أنها صارت غير قادرة على الرؤية: «الدكتور قال لى أنها اتحولت لكفيفة، وبدأنا ندور على دكاترة علشان يشوفوها، وكان التشخيص بتاعها هو أنها لديها تسمم فى خلايا المخ، أى نسبة بروتين عالية فى المخ».

ترفض الاستسلام للظروف

رفضت «نسرين»، الاستسلام لإعاقة ابنتها، بل ظلت تحاول البحث عن أى وسيلة للنجاة من مصير الجهل والخرافة، فكانت تأخذها يوميا إلى مراكز التأهيل النفسى المتخصصة منها مركز القوات المسلحة، وكانت تجلس مع المدربين لتشاهدهم كيف يتعاملون مع ابنتها: «كنت بقولهم عايزة اتعلم اللى بتعملوه، علشان أقدر أفيد بنتى، والحقيقة أن الموضوع كان أعمق من كده، أنا كان نفسى أساعدها وأخليها متحتجش لحد».

رحلة 8 ساعات يوميا

كانت «نسرين» تستيقظ صباحا، تجهز الافطار لأبنائها الثلاثة الكبار، ثم تحمل «رحمة» وتغادر البراجيل إلى مركز التأهيل يوميا، وبسبب أنها تقطن فى منطقة بعيدة عن الطريق العام، فقد كانت الرحلة تستغرق ما لا يقل عن 8 ساعات: «كنت بنزل من أول النهار، ارجع فى آخر اليوم، لا قادرة أعمل أكل ولا غدا، ولا أى حاجة، وجوزى كان بيساعدنى على قد ما يقدر، وبدأ حال ولادى ينهار، ومع ذلك مرضتيش أوقفها».

الإعاقة الثالثة حركية

كان القدر يخفى المزيد من الألم لنسرين، فقد اكتشفت الإعاقة الثالثة لابنتها، وهى «تيبس» حركة جسدها، فكانت تحتاج إلى مساعدة لتيسير حركتها: «فضلت ورا رحمة، لغاية لما فعلا نجحنا ندخلها مدرسة خاصة مناسبة ليها، لكن بعد فترة قليلة، إمكانيتنا معدتش تسمح، ماليا ونفسيا، وكل حاجة، ومن جت فكرة الجمعية».

تعنى الجمعية بتوفير الدورات التأهيلية لذوى الاحتياجات الخاصة، إلى جانب جلسات التخاطب، وأحيانا البحث توفير علاج للحالات المستعصية: «كان الهدف أننا نوفر مكان نساعد فيه بنتنا أنها تلاقى العلاج المناسب ليها، وأنها تتعلم، وعلشانها بدأت اتعلم وأخد دورات تدريبية فى معظم التخصصات الخاصة بذوى الاحتياجات الخاصة، وبقينا نجيب أطباء واستشاريين نفسيين، وطورنا الموضوع وبقينا نخدم كمان كبار السن».

الجمعية تغير من حياة سكان البراجيل

لم تتوقع نسرين أن تكون الجمعية سببا فى توفير العلاج لكثير من أطفال المنطقة من ذوى الاحتياجات الخاصة، وأن تساعد بإنشائها على تغيير وجهة نظر البعض تجاه هؤلاء الفئة من البشر خصوصا مع معاناتهم من الأهمال: «فرحتى ببنتى رحمة، متجيش ذرة فى فرحتى، مع الأطفال اللى بعد يوميا أعلمهم وأذاكر لهم، وأساعد فى تأهيلهم، ويكفى أنى وجوزى نجحنا فى إنقاذ أطفال كتيرة كانوا هيترموا فى البيوت، من غير لا علاج ولا اهتمام، إما بسبب الجهل، وإما لإن مفيش إمكانيات».

تطور رحمة

تبلغ «رحمة» من العمر الآن 18 عاما، صارت فيها قادرة على التعامل مع البشر دون خوف أو مشكلات نفسية بحسب كلمات والدتها نسرين، التى ترفض الحديث عنها إلا بعد استخدام وصف «رحمة الجميلة»: «هى حقيقى جميلة، مش علشان هى بنتى وأنا شايفاها كده، لكن علشان كل شخص من ذوى الاحتياجات الخاصة هو جميل جمال ربانى، وجاى الدنيا علشان يقولنا أننا عايشين فى خير وسعادة».

تستطيع «رحمة» فهم بعض الأوامر والكلمات، بل أحيانا تقوم بتغيير ملابسها بنفسها، وذلك بفضل المجهود الذى بذلته نسرين فى محاولة إخراجها من قوقعتها: «رحمة بتفهم الكلام اللى بقوله، وكلام أخواتها الأربعة، وتقدر تغير هدومها بنفسها، وتقدر تطلب حاجات، كلها بمقاطع حركية، لكن في النهاية بالنسبة لى الأهم أنها نجحت فى التعامل مع العالم الخارجى».

سخرية وتهكم 

 تصمت «نسرين»، قليلا قبل أن تعاود الحديث عن ذكرياتها مع التهكم والسخرية، التى كادت تقتل قلبها فى بعض الأحيان من شدة قسوتها: «فيه حاجات أنا عمرى ما أنساها ومن أشخاص قريبين ومن أشخاص أحيانا مفيش سابق علاقة بينى وبينهم، وأكتر حاجة اتقالت ليا وكسرت قلبى، لما اخدت بنتى فى أول يوم العيد ونزلنا الجامع علشان تنبسط زي بقية الأولاد التانيين، لكن لاقيت واحدة بتقولى أنت جايبها ليه، المفروض متخرجش من البيت، دى معاقة، وساعتها مسكت أعصابى وضحكت وقولتلها الجميلة دى مش معاقة الجميلة دى بنتى وسكت».

يسرا اللوزى

تذكر «نسرين» موقف الفنانة يسرا اللوزى والذى يسخر فيه شخص من ابنتها المصابة بفقدان السمع، مؤكدة أنها ثقافة مجتمع، وقد واجهتها بقوة مع بدء العمل فى الجمعية: «احنا شغالين فى الأرياف يعتبر كتير من الناس ميعرفوش يعنى أيه طفل أو طفلة من ذوى الاحتياجات الخاصة، وساعات بيتكسفوا يعلنوا، وياما ناس جت لعلاج ولادهم، لكن يقولوا أحنا مش قايلين لحد من اللى حوالينا، وساعات الناس دى مش بس تكون مش متعملة، لأ دى فيهم الدكاترة والمهندسين، هى ثقافة مجتمع ولازم تتغير وده مش هيتم إلا لو وقفنا أدامها بحزم».


مواضيع متعلقة