أول محقق أمريكي مع صدام حسين: كان الأكثر هيبة ووقاراً في غرفة الإعدام وكان يتهرب من الحديث عن غزو الكويت قائلاً: "هذا الأمر يصيبني بالصداع"

أول محقق أمريكي مع صدام حسين: كان الأكثر هيبة ووقاراً في غرفة الإعدام وكان يتهرب من الحديث عن غزو الكويت قائلاً: "هذا الأمر يصيبني بالصداع"
- أمريكا
- العراق
- بوش
- اعدام صدام حسين
- غزو الكويت
- صدام حسين
- الرئيس العراقى صدام حسين
- البيت الأبيض
- أمريكا
- العراق
- بوش
- اعدام صدام حسين
- غزو الكويت
- صدام حسين
- الرئيس العراقى صدام حسين
- البيت الأبيض
فى أحيان كثيرة يرتب القدر علاقة ما بين شخصين يقف التاريخ أمامها طويلاً، وربما حدث جانب من ذلك مع جون نيكسون، بعد أن وقع اختياره على تاريخ العراق ورئيسها الراحل صدام حسين لدراستهما فى الجامعة، قبل أن تدور الأيام دورتها ويسقط العراق محتلاً فى قبضة قوات التحالف برئاسة الولايات المتحدة، ثم يجرى التحقيق مع الرئيس العراقى بواسطة «نيكسون»، ذلك المحلل السياسى الأمريكى لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، الذى كان، بالأمس القريب، يعكف على حل الكثير من ألغاز وغموض شخصية «صدام» غير التقليدية.
«الوطن» حاورت جون نيكسون، عبر «البريد الإلكترونى» لتعرف منه كواليس كثيرة دارت بينه وبين الرئيس العراقى الأسبق، حيث كان أول أمريكى أجرى استجواباً مطولاً معه بعد أن قبضت عليه القوات الأمريكية، ليصل إلى معلومات لم يسبقه إليها أحد، دوّن كثيراً منها فى كتابه «استجواب رئيس». وبعد 14 عاماً على إعدام الرئيس العراقى صدام حسين، الذى جرى فى 30 ديسمبر 2006، يتحدث «نيكسون» عن رحلة القبض على «صدام»، وأجواء التحقيق معه، كما كشف رؤيته لحروبه ضد إيران والكويت وتأزم علاقته بالولايات المتحدة، وإلى نص الحوار
13 عام قضيتها كمحلل سياسي لدي وكالة الاستخبارت الأمريكية المركزية CIA.. فكيف التحقت بها؟
بدأت العمل هناك في عام 1998، حيث كنت محللا للشؤون العراقية، جاء اختياري لأنني كان لدى دراسات وأبحاث عن الشرق الأوسط خلال دراستي بالجامعة، كما أنني كنت مهتما بتاريخ الشخصيات، كما حصلت على بعض التدريب في علم النفس خلال دراستي بالجامعة، كل ذلك كان سببا لوضعي في موضع قيادي تحليلي في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وخلال التحاقي عملت بجد لأثبت أنني على قدر كبير من الاحترافية في هذا المجال، وكان حينها ملف العراق يتحل أولوية كبيرة عند رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وعرفت أننى سأقوم بالكتابة والتحليل كثيرا خلال فترة عملي.
لماذا وقع اختيارك على شخصية صدام حسين أثناء دراستك الجامعية للتعمُّق فيها.. وكيف التحقت بالاستخبارات الأمريكية؟
- كانت دراستى العليا عن صدام حسين، وحرب الخليج الأولى، فى جامعة جورج تاون، وكنت مفتوناً بتاريخه الشخصى وتاريخ نظامه، وتوليه الحكم فى فترة لن ينساها العالم، واستمرت دراستى له حتى التحقت بجامعة نيويورك للحصول على ماجستير فى التاريخ، ثم بدأت العمل فى الاستخبارات عام 1998، محللاً للشئون العراقية، وجاء اختيارى، لأننى كانت لدى دراسات وأبحاث عن الشرق الأوسط، وحصلت على تدريب فى علم النفس، وكل ذلك كان سبباً لوضعى فى موضع قيادى تحليلى فى الوكالة، وكان حينها ملف العراق يحتل أولوية كبيرة لدى الإدارة الأمريكية.
فى 1998 صدر تكليف من الاستخبارات الأمريكية لك بتجهيز ملف كامل عن الرئيس العراقى السابق.. حدّثنا عن خطتك لتنفيذ ذلك؟
- أول ما فعلته بعد دخولى الوكالة هو مراجعة ملف صدام حسين، وكان كبيراً جداً، ودرست سيرته الذاتية، ووجدت صعوبة فى إيجاد الكتب التى تحكى عنه وطريقة حكمه قبل عام 1999، ووظيفتى الرئيسية كانت تتطلب منى تحليل شخصية «صدام» وروابطه العائلية والقبلية التى أبقته فى السلطة لسنوات طويلة، وكان الأمر يشبه تكوين صورة واضحة من تفاصيل صغيرة.
الرئيس العراقي الأسبق حاول التعاون مع أمريكا في التسعينات في مكافحة الإرهاب الدولي مقابل "رفع العقوبات" لكن "كلينتون" رفض
خلال الثمانينات كانت العلاقة بين صدام حسين وأمريكا جيدة.. ما أسباب التحول فى هذه العلاقة؟
- العلاقات العراقية - الأمريكية فى الثمانينات كانت جيدة بقدر كبير، لكنها انقلبت فجأة، وهذا شىء حيّر صدام حسين نفسه، حدث ذلك بعدما أدركت واشنطن أن هناك أحاديث سرية بين العراق وإيران، وكذلك عمليات تزويدها بالصواريخ فى منتصف الثمانينات، والتى رصدتها واشنطن فى عدة تقارير، مما كان سبباً رئيسياً فى انهيار العلاقات تماماً بينهما.
وخلال التسعينات حاول «صدام» التواصل مع واشنطن عبر الأمم المتحدة لحل المشكلات، وعرض مساعدة العراق فى مكافحة الإرهاب الدولى، مقابل رفع العقوبات عن بلده، إلا أن حكومة «كلينتون» لم تكن على استعداد للتواصل مع العراق، ومع حكومة «بوش» لم يدرك «صدام» أن اللعبة تغيّرت، وأن أمريكا لن تتوقف على مناطق حظر الطيران وقررت الهجوم، لكنه لم يرَ ذلك.
قبل دخول الجيش الأمريكى للعراق، كانت الاستخبارات الأمريكية تُعد تقارير عن الأوضاع هناك.. ماذا عن طبيعة تلك التقارير؟
- التقارير كانت تتنوع بين خطط جمع المعلومات عن «صدام» وحياته وحكمه، أو أمور يطلبها البيت الأبيض أو المخابرات المركزية، فعلى سبيل المثال كان يطلب تقارير عن أسلحة الدمار الشامل، أو أوضاع الحكم هناك ومدى استقراره وتقبل المواطنين له، وأحياناً إجابات عن بعض الأسئلة، من بينها: هل من المتوقع أن يقوم صدام بأى هجوم على الشيعة أو الأكراد فى الجنوب فى مناطق حظر الطيران؟ أو ما علاقة صدام حسين بالتنظيمات الأخرى؟
ما الذى اعتمدتم عليه فى تقاريركم عن صدام حسين والعراق؟
- كان مزيجاً وليس مصدراً وحيداً، والجزء الأصعب فى دراسة «صدام» هو الأساطير التى كانت تُكتب عنه، وبعضها غير منطقى وبعيد عن شخصيته الحقيقية، وفى 1998 كانت مصادر الولايات المتحدة محدودة جداً، وتفتقر إلى مصادر من أرض العراق، فلا سفارة لنا ولا أعين ولا آذان تطلعنا عما يجرى هناك، وكنا نعتمد بشكل شبه كامل على المغتربين. كما أن كثيراً من الأخبار التى كانت تصل من أحمد الجبلى عن العراق غير صحيحة ومزيفة، وتسبّب تضارباً فى طبيعة عملنا فى توضيح صورة حكم «صدام».
صرح بعض السياسيين أن المعلومات التي قدمها المؤتمر الوطني العراقي برئاسة السياسي المعارض لحزب البعث أحمد الجلبي للولايات المتحدة خاطئة تماما .. هل هذا صحيح؟
نعم صحيح، مع وصولي سمعت كثيرا أن الأخبار التي كانت تصل من أحمد الجبلي غير صحيحة بقدر كبير، فالمؤتمر الوطني العراقي قدم معلومات مزيفة في الغالب، ومع وصولي كانت الاستخبرات الأمريكية استغنت عنه وأوقفت تقاريره التي كانت تسبب تضاربا في طبيعة عملنا في توضيح صورة حكم صدام التي كانت أمريكا تريد رؤيتها بوضوح، وتلك أحد الأسباب لفقدان الثقة فيه تماما، ولكن مع ذلك كان مقربا من بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي وعلى علاقة جيدة معهم استمرت حتى بعد الاستغناء عنه.
بعد أحداث 11 سبتمبر كانت هناك أصابع اتهام موجه للرئيس العراقي السابق صدام حسين بتدبير الحادث.. كيف جرى ذلك؟
أثناء تفجير البرجين كنت في المقر الرئيس في CIA، أول ما فكرت فيه أنه هو المسؤول عن ذلك، وما دفعني لهذا التخمين أنه كان هناك اتصالات بين رجال حكومته وبعض رجال بن لادن، ولكنها في الحقيقة لم تسفر عن شيء، كما أنه قبل عام رصدت التقارير عن إجراء المخابرات والأمن السري العراقي تدريبات عسكرية بطائرات مدنية، ولكن زميلتي المسؤولة عن القاعدة، قالت لي لا هذا "بن لادن"، فكان هناك عدة تقارير ترصد أنه سيقوم بذلك، وبعد حادث التفجير بدأت القيادات في البيت الأبيض والبنتاجون في طلب الروابط بين صدام حسين ومجموعة بن لادن، كما طُلبب منا عدد المرات التي هدد فيها البيت الأبيض في تصريحاته، وما هي علاقته بتنظيم القاعدة، لتتغير مع ذلك اليوم وجهة النظر له.
جون نيكسون لـ"الوطن" في الذكرى الـ 14 لإعدام "صدام": "بوش" الابن كان يكرهه بحجة "محاولة قتل والده".. وأعضاء في "البنتاجون" أيَّدوا إزاحته لإعادة تشكيل المنطقة
ذكرت فى كتابك «استجواب رئيس» أن «بوش» حاول الانتقام من صدام لأمر شخصى.. حدّثنا عن ذلك.
- الرئيس «بوش» وأعضاء إدارة الحكم فى تلك الفترة كانوا يكنون عداوة حقيقية لـ«صدام»، ويرونه هو ونظامه عملاً غير مكتمل منذ عهد جورج بوش الأب، حتى إن «بوش» قال عدة مرات علناً وسراً إنه سيطيح بصدام من السلطة، لأنه حاول قتل والده، كما كان هناك آخرون أيضاً فى الإدارة الأمريكية لا يريدون له الاستمرار، لا سيما فى مكتب نائب الرئيس ديك تشينى والبنتاجون، لأنهم أرادوا إعادة تشكيل المنطقة فى أعقاب 11 سبتمبر، وهذان العنصران مهمان لفهم سبب خوض الولايات المتحدة الحرب على العراق.
ماذا تتذكر عن ليلة 20 مارس 2003، التى قامت فيها الولايات المتحدة بشن هجومها على العراق؟
- لم نكن نتخيل انهيار الجيش العراقى واختفاءه بهذه الصورة، توقّعنا مقاومة وتصدياً، وكنا نستعد للتعامل مع أى اعتراض لقواتنا بشكل حاسم، والمثير أنه عندما جاء وقت الدفاع عن العراق لم تكن هناك خطة لذلك، وأعتقد أنه «كانت الخطة عدم وجود خطة»، اعتقاداً منه بأن الأمم المتحدة أو غيرها من القوى الدولية ستتدخل لعرقلة الحرب، وتلك كانت مشكلته، أن قراءته للوضع الدولى كانت دائماً خاطئة.
بعد سقوط بغداد.. كيف تم اختفاء صدام حسين؟
- عندما قرر صدام الاختفاء، ركب سيارته مع سائقه «سمير»، وابنيه، وغادروا المكان، بعدما عبروا 3 نقاط تفتيش للجيش للخروج من بغداد، وهناك قصة طريفة خلال هروبه، حيث طلب سائق «صدام» من سيدة مسنة أن يبيت الرئيس عندها هذه الليلة، فقالت له «الوقت متأخر، قل له لا، اذهبوا إلى مكان آخر»، وبعد وقوع تفجيرات كثيرة بالمنطقة وعمليات تفتيش موسّعة من الجيش الأمريكى، قرر «صدام» التوجّه إلى منطقة تكريت، حيث أقام هناك عند أحد المنتفعين من حكمه، وظل مقيماً عنده حتى انتقل إلى المخبأ الذى قُبض عليه فيه.
سائقه رفض 25 مليون دولار مقابل الإرشاد عن مكانه لأنه كان يحبه ويخشاه.. وأحد حراسه أرشدنا عن مكان اختبائه في حفرة بـ"تكريت"
فى 13 ديسمبر 2003، نفّذ الجيش الأمريكى عملية «الفجر الأحمر»، وقبض على صدام حسين.. كيف بدأت خطة تحديد مكانه؟
- بعد اختفاء «صدام»، ظهر فى أحد مقاطع الفيديو يحيى جماهيره، وجرى تتبع سائقه «سمير» الذى ظهر فى الفيديو، ووُضع فى سجن «أبوغريب»، وحققت معه، وادّعى أنه لا يعلم مكان الرئيس، وأنه أوصله إلى مكان قريب وكان عائداً إليه ولكن تم القبض عليه، واتضح بعد ذلك أنه كان يعلم مكانه وكان مخلصاً لصدام حسين بدرجة كبيرة، كما أنه نجح فى اختبارات أجهزة كشف الكذب، ولم تقنعه الإغراءات المالية البالغ قدرها 25 مليون دولار، أو الوعود بتوفير ما يطلبه للإبلاغ عن مكان «صدام»، فكان يحبه جداً ويخشاه، وزاد من صعوبة ضبط «صدام»، أنه أقدم بذكاء على تغيير جميع حراسه الشخصيين الذين كانت تعرفهم الاستخبارات الأمريكية، فاضطررنا إلى البحث عنهم، حتى تم الوصول إلى إبراهيم عمر المسلط، الذى كان من عشيرته، ورفض الكشف عن مكان «صدام»، إلا أنه وافق فى النهاية، لأن حراس الرئيس كانوا قد تعبوا من حمايته، وبعد ضبط «المسلط»، عرفنا أن القبض على «صدام» مسألة وقت، وهو ما حدث الساعة 7 مساءً يوم 13 ديسمبر 2003، وانتقلت القوة المكلفة بضبطه برفقة «مسلط»، إلى مقر اختبائه، وهناك بحثت عنه فلم تجد شيئاً، فقالت لـ«مسلط»: «أنت تكذب علينا لأننا لا نجد صدام»، إلا أنه لم يرد وأخذ كشاف إضاءة وتوجه إلى إحدى الحفر فى الأرض وضرب عليها بقدمه وقال «إنه هنا»، وبالفعل وُجد هناك.
لماذا تم تصوير صدام حسين بعد ساعات من أسره رغم أن ذلك يعد انتهاكا لاتفاقية جنيف لأسرى الحرب؟ وما تفاصيل الصورة المنتشرة له وهو على الأرض ويمسك به جندي أمريكي؟
لا أعلم سبب تصوير صدام حسين أو من قام بتصويره، ولكننى أعتقد أن ذلك بسبب كان هناك أمل بين قادة التحالف الذين يقاتلون في العراق في أن يؤدي إظهار صدام بعد أسره إلى قيام المتمردين بإلقاء أسلحتهم والتوقف عن محاولة قتل جنود التحالف، إما عن تفاصيل تلك الصورة، أنا لم يسبق لي أن التقيت هذا الجندي، ولكني علمت بعد ذلك أنه عراقيًا أمريكيًا، وفور أن رأي صدام لكمه وطلب من زملائه أن يلتقطوا له هذه الصورة.
أثناء القبض عليه عثرنا بحوزته على مسودات ورقية وأغراض شخصية و750 ألف دولار
بعد القبض على صدام حسين.. ما الذى عثرتم عليه بحوزته؟
- وصلت إلى بغداد ليلة القبض على «صدام» الساعة 11 مساءً تقريباً، وجمعت القوات أى شىء يفيد جهاز الاستخبارات، وكانت بحوزته بعض المسودات الورقية والأغراض الشخصية، ونحو 750 ألف دولار، وادعى أنه «مليون وربع المليون» وأن بعض أفرادنا سرقه، كما عُثر معه على بعض الأوراق التى كان يكتب فيها روايته التى لم يكن قد انتهى منها.
أرسلنا عينة "دي إن إيه" من "صدام" إلى ألمانيا لتحليلها والتأكد من هويته
كيف كان اللقاء الأول لكما؟
- أرسلنى رؤسائى إلى العراق للتعرّف على «صدام»، والتأكد مِن أن مَن ضُبط هو «صدام الحقيقى»، فجرى إرسال عينة من حمضه النووى إلى ألمانيا لتحليلها والتأكد من شخصيته الحقيقية، والمخابرات الأمريكية كانت بحاجة لرد حاسم منى فى أسرع وقت، وعندما فُتح الباب ودخلت عليه، وجدته جالساً على كرسى معدنى يرتدى دشداشة وسترة زرقاء مبطنة، وكانت ليلة شتوية باردة، وكان فى قمة ثقته بنفسه، ولم أعرّفه بوظيفتى، واكتفيت بأن أقول له إننى ممثل عن الحكومة الأمريكية، وأريد أن أتحدث معك فى بعض الأمور المتعلقة بالحكم وإدارتك للعراق، ولم يتحدث كثيراً فى تلك الجلسة.
ولم أعرف كيف أجيب الرئيس العراقي الأسبق عندما شكا لي من الاعتداء عليه وقوله "لوكان رئيسكم في مكاني هل سيعامله العراقيون بهذه الطريقة وفى بلده؟!"
وأول كلمة قالها لى: هل يمكن أن أسألك سؤلاً؟، قلت له: نعم، فتحدث قائلاً: انظر إلىّ، لدىّ جروح فى وجهى وذراعى، رجالكم اعتدوا علىّ وضربونى، لو انقلبت الآية وكان رئيسكم فى مكانى، هل سيعامله العراقيون بهذه الطريقة، وفى بلده»، وحينها لم أعرف بماذا أجيبه.
تعرفت عليه من جرح قديم في قدمه وعلامة تدخين السيجار في شفته السفلى
كيف تحققتَ من هويته؟ وماذا عن أجواء التحقيق معه؟
- فور أن رأيته لم أشك لحظة فى أنه هو، فقد درست مئات الصور الخاصة به على مدار سنوات، وكان مصاباً بجرح قديم فى قدمه بسبب مشاركته فى اغتيال الرئيس العراقى الأسبق كريم قاسم، وكان يعانى من مشكلات فى الظهر، إضافة إلى أن جانباً من شفته السفلى يتدلى تجاه الجانب الآخر بسبب تدخينه السيجار، كما بحثت عن الوشوم التى صادفتها فى جسده أثناء دراستى له، وظهر واحد منها على ظهر يده اليمنى بين السبابة والإبهام، والآخر أسفل رسغه الأيمن، والوشم عبارة عن سلسلة من النقاط، متصلة ببعضها فى خط مستقيم، وبعضها على شكل مثلث إضافة إلى ما يشبه الهلال.
كان له حضور طاغٍ أثناء جلسات التحقيقات
وبدأنا التحقيقات فى 20 ديسمبر 2003، فى مبنى مطار بغداد، وكان للرجل حضور طاغٍ، وسلم علينا مع ابتسامة منه، وفى بعض الأحيان كان يجيب بالإنجليزية خصوصاً إذا أراد أن يتحدث إيجابياً عن نفسه أو للرد على سؤال بسؤال آخر.
ما أبرز الأسئلة التى طرحتها على صدام حسين؟ وماذا كان رده عليها؟
- أسلحة الدمار الشامل وملف حقوق الإنسان كانت الموضوع الرئيسى لمناقشاتنا، إضافة إلى أمنه وإدارته، وسألناه عن قائده المفضّل فى التاريخ، فقال «جورج واشنطن، وشارل ديجول، وماو تسى تونج»، وقال إن «هتلر» لم يعجبه لأنه لم يكن مفكراً، وتحدثت معه أيضاً عن ابنيه «قصى وعدى»، فأوضح أنه سمع خبر وفاتهما فى «بى بى سى»، وأنهما ماتا بالطريقة التى تمناها لهما، وهى الدفاع عن العراق، كما أنه كان يحب الحديث عن نفسه بطريقة إيجابية، وكيف ساعد فى تطوير ونهضة العراق.
وماذا كان رأيه فى أحداث 11 سبتمبر؟
- كان رأيه صدمة لى، حيث عبّر عن ارتياحه لما حدث فى 11 سبتمبر، وأوضح أنه حينها اعتقد أن الولايات المتحدة ستتأكد من أن العراق لا يمثل تهديداً لها، وأن أولئك الأشخاص الذين فجروا البرجين هم أعداؤه أيضاً، وأن واشنطن ستعيد النظر فى سياستها معه وسيتعاونان فى مكافحة الإرهاب والتعاون أمنياً وعسكرياً، إلا أنه لم يتوقع أن يحدث عكس ذلك وتنقلب الاتهامات ضده.
وأسلحة الدمار الشامل.. ماذا قال عنها؟
- قال إنه لا يملك أسلحة للدمار الشامل، وعندما قلت له لماذا لم تعلن ذلك صراحة للعالم، فكان رده إن حكومته كانت تخطر العالم دوماً بذلك، وأنه سمح بدخول المفتشين للعراق للتأكد من ذلك، إلا أنه قرّر التوقف عن التوضيح، لأن روح الاستماع لم تكن حاضرة عند الأطراف الأخرى، وحين سألته عن أسباب طرد المفتشين الدوليين، رد قائلاً إنهم كانوا مخترقين من المخابرات الغربية، وكان يعلم أنهم ليسوا خبراء تقنيين فقط، وإنما كانوا موجودين لحصر نقاط ضعفه وأماكن قصوره واختبائه وتحركاته وسياساته.
رغم أن إسرائيل لم تكن طرفاً فى حرب الخليج.. ما مبرره لإطلاق صواريخ عليها أثناء الحرب؟
- كانت إجابة صدام مفاجئة لى عندما ناقشت معه هذا الأمر، حيث قال لى: «دائماً ما نعتقد أنه ليس العراقيون فقط، وإنما جميع العرب، يرون أن مصدر الأذى والمساوئ الآتية إلينا من أمريكا لا يعود إلى المجابهة بين العقل العربى والعقل الأمريكى، بل إلى الضغوط الإسرائيلية واللوبى الصهيونى فى الولايات المتحدة، فارتأينا أننا لو هاجمنا إسرائيل قد يؤدى ذلك لفرض ضغوط على أمريكا تجعلها تكف عن مهاجمتنا»، كما أنه قال فى وقت سابق قبل الحرب «لو هاجمت أمريكا العراق سيهاجم إسرائيل»، وأنه طلب من قادته العسكريين ضرب أهداف إسرائيلية، لكنهم لم يكونوا يعرفون مواقع المنشآت الإسرائيلية المهمة، فأطلقوها بطريقة عمياء، وكانت النتيجة أنها لم تحقق الهدف المطلوب منها.
الغزو العراقى للكويت فى التسعينات أحد أبرز قرارات الرئيس العراقى السابق.. هل ناقشت معه ذلك؟
- فى إحدى جلسات التحقيق فتحت معه ملف الغزو العراقى للكويت، إلا أنه حاول التهرّب من الحديث، وقال لى «الحديث عن هذا الأمر يصيبنى بالصداع»، ولكننى أرى أن الخطأ فى ذلك القرار أنه تم بلا تخطيط، ففى أحد اجتماعات مجلس الثورة قال لهم صدام «لقد قررت غزو الكويت»، وأن الأمر ليس له علاقة بالخلافات الدائرة بين البلدين، ولكن أساسه المال، فالحرب مع إيران «8 سنوات» تسبّبت فى كثير من الديون، وكان بحاجة لبناء وطنه الذى يحوى مليون شخص بلا عمل حينها، وطلب من الكويت إسقاط الديون إلا أنها رفضت، فاتخذ قرار الحرب رداً على ذلك.
في مطلع التسعنيات حدثت انتفاضة شعبية في العراق كانت جميع المحافظات في ثورة ضد صدام عدا 4 مناطق.. من وجهة نظهر ما هي أسباب تلك الثورة؟
تحدثت معه عن تلك الفترة باعتبارها فترة هامة في تاريخ العراق، حيث أخبرته أن الجيش الأمريكي اكتشف مقبرة جماعية خارج مدينة البصرة ومن المفترض أنهم ضحايا الانتفاضة الشعبية، إلا أنه حاول التشكيك في الأمر، بطرح اسئلة مثل ما هي اسماؤهم؟ كيف تعرف أنهم عراقيون؟، وقال أن كنت لا تعرف لن اناقش الأمر معك، وحاول الهرب من تلك الأسئلة، وكان يعتبر من قامو بتلك الانتفاضة عملاء لإيران، وأنهم تلقوا العقاب الذي يستحقونه بعد تعاونهمم معها ومحاولتهم إثارة المشكلات في العراق.
كيف قُتل ابناء صدام قصي وعدي؟
قاموا بشيء في غاية الغباء، إذ تحصنا في بيت شيخ في الموصل، كان على علاقة قريبة بالأسرة، وحصل منهم على بعض المال مقابل اختبائهم، وبالطبع وافق، وبقيا أسابيع طويلة حتى وصل الجيش الأمريكي إلى المدينة، وشعر الرجل بالقلق وطلب منهم المغادرة، إلا أن قصي قال له: «أخرس اعطيناك ما يكفي من المال»، فخرج الرجل من منزله وعبر الشراع في اتجاه الفرقة الرابعة الأمريكية، وقال لهم اسمعوا انتم تبحثون عن بعض الأشخاص هم في منزلي ويرفضون المغادرة، وخلال اقتحام المنزل جري قتلهم.
إلى متى استمرت التحقيقات مع صدام حسين؟
تحدثنا مع صدام لعدة أشهر، كنت التقيه يوميا لعدة ساعات، أتحدث معه عن قضايا عديدة أحاول فيها الإجابة على تساؤولات واشنطن والبيت الأبيض، حتى انتهيت من عملي وقمت بتسليم كتابة تقارير ونتائج التحقيقات وتسليمها، وبعد ذلك تولي مكتب التحقيقات الفيدرالي استخلاص المعلومات في فبراير 2004.
إذا تطرقنا لشخص صدام حسين الإنسان خارج إطار المسائلة.. كيف وجدته مرحا؟
لم تكن شخصية صدام تفتقر إلى المرح، فكان بين الحين والآخر يحكي بعض المواقف الطريفة وكنا نضحك عليها سويا، حيث حكي أنه ذات مرة حاول صبي ضرب أحد حراسه بعدما أسقطه أرضا لإبعاده عن صدام وسط تجمع كبير من الحشود، حيث كان الحارس يرغب في القيام بحمايته، لكن محاولة الصبي لضربه أثارت الضحك لصدام وبعض الحشود، وعندما قلنا له أنها مسلية قال لدي غيرها، وهكذا يحكي بعض المواقف الطريفة التي تعرض لها خلال حياته، كما كان محبا للقرائة فكان يقول أن أحد أفضل الرويات التي قرائها هي «العجوز والبحر» وهي للمؤلف الأمريكي إرنست همنجواي.
هل رصدت لحظات بدا فيها الرئيس العراقي الموصوف بالديكتاتورية عاطفيا؟
نعم، مرة وحيدة ظهر فيها الجانب العاطفي للرئيس العراقي السابق، فطوال جلسات التحقيق كان حازما في حديثه ويثور ويغضب ويعترض، لكن المرة الوحيدة التي ظهرت فيها مشاعره العاطفية كانت خلال حديثي معه عن ابنتيه رنا ورغد، حيث ظهرت الدموع في عينيه وارتجف صوته، ولم يقل سوي كلمة «أفقتدهما كثيرا، كنت أتمتع بعلاقة رائعة معهم، كانتا تحباني جدا كما كنت أنا أحبهما كثيرا»، وكان متأثرا بشدة لأنه يفتقدهما، كما أنه رفض التصريح نهائيا عن مكان تواجدهم أو من يتولي حمايتهم، فكان يخشي عليهم بدرجة كبيرة أكثر من أبنائه الذكور.
ظل متمسكاً بأنه ما زال رئيس العراق.. وينزعج عندما نناديه باسمه مجرَّداً ويلجأ لتنظيف أظافره وأسنانه
ماذا عن مواجهته للضغوط أثناء التحقيق معه؟
- كان متمسكاً بأنه ما زال رئيس العراق، لكننا كنا نناديه باسمه مجرداً «صدام» وليس بـ«سيادة الرئيس»، وكان ينزعج من ذلك، وعند سؤاله عن أشياء لا تعجبه أو توتره كان يعقد حاجبيه ويرفع يده أمام الجميع، ويبدأ تنظيف أظافره، وإن زدنا من إصرارنا كان يلجأ لتنظيف أسنانه، أو الهرب بالرد على السؤال بأسئلة أخرى، أو يلتفت ويسأل: أين الحارس؟ أو يقول «أعتقد أن موعد صلاتى قد حان».
قال لي: "حين تعود لواشنطن يجب أن تعلم أن مهمتك هي العدل.. وأريدك أن تتسم به دائماً"
ماذا عن آخر لقاء بينك وبين صدام؟
- أردت فى آخر لقاء أن أقول له شيئاً جيداً، فشكرته على حديثه معى والمعلومات التاريخية التى قالها، وعبّرت له عن أسفى لأننا التقينا فى هذه الظروف، وأننى ممتن للقائه، وصافحنى بقوة بكلتا يديه، وقال لى: «حين تعود إلى واشنطن وتمارس عملك تذكر أن هناك خاصية يجب أن يتمتع بها كل إنسان، خاصة من يعملون فى مهنتك هى العدل، أريدك أن تتسم دائماً بها ويجب أن تكون عادلاً».
"بوش" سألنى عن شخصية "صدام".. وسألني: هل كان يعلم أنه سيموت؟ وقال إن "حسابه مع ربه سيكون عسيراً"
هل تحدث معك الرئيس «بوش» عن مسار التحقيقات مع «صدام»؟
- نعم، كنت أقدم له بعض التقارير، وأخبرته أننى أول من استجوبته، فسألنى أى نوع من الرجال هو؟ وأى الشخصيات التاريخية المفضّلة لديه وطباعه الشخصية وأسلوبه فى الحوار، وسألنى: هل كان يعلم أنه سيموت؟، فقلت له: نعم، قال لى ذلك فى إحدى المرات وأن ضميره مرتاح، إلا أن الرئيس بوش قال لى إن «صدام سيكون حسابه مع ربه عسيراً».
صاحب شخصية معقدة وقاسٍ ويعاقب بشدة على "عدم الولاء" واهتم بشعبه وأراد أن يرى بلده دولة حديثة
بعد 17 عاماً من هذا التحقيق.. هل استطعت تكوين صورة واضحة للرئيس العراقى الأسبق؟
- كان شخصاً معقداً يحكم بلداً كبيراً من الصعب جداً أن تحكمه بطريقة تقليدية، كان يهتم بشعبه ويريد أن يرى بلاده دولة حديثة، لكنه استخدم الأسلوب الخطأ فى تحقيق الهدف، وكان شخصاً قاسياً، يُقدّر الولاء ويعاقب بشدة على عدم توافره، ولا أستطيع أن أوافق على أساليبه فى الحكم التى كانت قاسية، لكننى أحترم على مضض حقيقة أنه كان قادراً على حكم العراق.
أصبت بالرعب عند رؤية مشهد إعدام "صدام" وتذكرت قوله لي "أعلم أنني سأعدَم في أي وقت.. لكن كل ما قمت به كان من أجل العراق"
بماذا شعرت بعد رؤيتك مشاهد إعدامه فى 30 ديسمبر 2006، ومن المسئول عن تسريب الفيديو؟
- أُصبت بالرعب وقتها، وتذكرت فجأة ما كان يقوله لى، مثل «أعلم أن هذا سينتهى بموتى، ولن أخرج من هنا، وسأُعدم فى أى وقت، كل ما قمت به كان من أجل العراق، ولا أشعر بالذنب تجاه ربى»، وأعتقد أنه كان الرجل الأكثر هيبة ووقاراً فى غرفة الإعدام. ولم أكن أعلم من سرّب فيديو الإعدام، لكن قال لى أحد زملائى إن شخصية عراقية كانت موجودة خلال تنفيذ الحكم وقامت بتصويره.
متى تركت العمل فى وكالة الاستخبارات المركزية؟
- تقاعدت بعد 13 عاماً من التحاقى بتلك المهمة عام 2011، بعدما شعرت بأننى فعلت كل ما كنت أرغب دائماً فى القيام به، ولأننى شعرت بأن العمل الذى قمنا به فى الاستخبارات لم يقدّره البيت الأبيض.
لقراءة الحوار عبر الكروس ميديا، اضغط هنـــــــا