العباسيون ينبشون قبر «معاوية ويزيد» ويجلدون جثة «عبدالملك»

تعددت وتنوعت ثورات الشيعة على الدولة الأموية، وكلما اشتدت إحداها زاد اضطهاد السلطة الأموية لهم، ناهيك عما كانت تمارسه من اضطهاد عام لبسطاء المسلمين، وعلى رأسهم «الموالى» من الفرس. تهيأ المناخ بصورة كبيرة لانضمام المسلمين الفرس إلى صفوف الشيعة، حيث جمع بينهم الشعور بالمظلومية، وبمرور الوقت بدأ الشيعة الفرس يغذون التيار العربى بالعديد من الأفكار التى تقوم على تقديس الأئمة، ويضعون الأصول الأولى للعمل السياسى السرى فى أوساط المسلمين، ويدعونهم إلى الانخراط فى المجموعات الهادفة إلى إسقاط الحكم الأموى. أخذت الدعوات التى تبشر بحق أهل بيت النبى فى الحكم فى التوسع والامتداد مع دبيب الضعف فى أوصال الدولة الأموية. وقد تولى الخلافة خلال الفترة التى أعقبت وفاة عمر بن عبدالعزيز عدد من الخلفاء الضعاف والمهزوزين. من بينهم يزيد بن عبدالملك. وكان رجلاً شديد الولع بالشعر والغناء، فاقتنى القيان (أى المغنيات) والشعراء فى قصره. ويشير ابن الأثير فى «الكامل فى التاريخ» إلى أنه مات حزناً وكمداً على واحدة من مغنياته وهى «حبابة» ويقول: «وقيل: كان سبب موته أن حبابة لما ماتت وجد عليها وجداً شديداً، فخرج مشيعاً لجنازتها ومعه أخوه مسلمة بن عبدالملك ليسليه ويعزيه، فلم يجبه بكلمة، وقيل إن يزيد لم يطق الركوب من الجزع، وعجز عن المشى فأمر مسلمة فصلى عليها، وقيل: منعه مسلمة عن ذلك لئلا يرى الناس منه ما يعيبونه به. فلما دفنت بقى بعدها خمسة عشر يوماً ومات ودفن إلى جانبها». وخلفه هشام بن عبدالملك، وفى عهده نشط دعاة «بنى العباس» فى التبشير بتدشين الدولة العباسية. وقد تواصلت دعوتهم فيما بعد حتى تم القضاء على الدولة الأموية تماماً، وتعددت مراكز الدعوة للتشيع العباسى، وخصوصاً فى خراسان على يد أبى مسلم الخراسانى، وفى الكوفة على يد أبى سلمة الخلال. وكان من أبرز معارضى هشام بن عبدالملك: «زيد بن الحسين» -الذى تأسست بأيامه فرقة الشيعة الزيدية- وقد قتله سنة اثنتين وعشرين ومائة من الهجرة. تتابع خلفاء بنى أمية بعد ذلك يسلم ضعيف إلى من هو أضعف منه. وازداد نشاط دعاة بنى العباس وكثر شيعتهم. ووجّه إبراهيم الإمام «أبا مسلم»، واسمه عبدالرحمن بن مسلم، إلى خراسان، وعمره تسع عشرة سنة ليبشر بالدولة الجديدة. وانتهى أمر الدولة الأموية بمقتل آخر خلفائها مروان بن محمد بـ«بوصير» بمصر. وكان «مروان» يلقب بـ«الحمار». ويحكى «ابن كثير» فى كتاب «البداية والنهاية» أن «مروان الحمار» جلس يوماً وقد أحيط به وعلى رأسه خادم له قائم، فقال يخاطبه: ألا ترى ما نحن فيه؟، فقال له الخادم: يا أمير المؤمنين من ترك القليل حتى يكثر، والصغير حتى يكبر، والخفى حتى يظهر، وأخّر فعل اليوم لغد، حلّ به أكثر من هذا، فقال مروان: هذا القول أشد علىّ من فقد الخلافة!، ولكن بماذا يفيد الندم بعد حلول الأجل؟!. والمسألة فى جوهرها لم ترتبط بإهمال «مروان الحمار» فى أمر الملك، بل تتعلق فى الأساس بـ«انتهاء صلاحية» نظام حكم. فقد ظلت عوامل الضعف تتراكم فى جسد الدولة الأموية، وتزداد عاماً بعد عام حتى خر صريعاً فى النهاية، لم يرتبط الأمر فى جوهره بالصحوة الشيعية وبالحركة التى قادها أبومسلم وأبوسلمة، فكم من ثورات وحركات شيعية جامحة انتفضت فى وجه الحكم الأموى، لكن خلفاء الدولة استطاعوا التعامل معها حين كانت بعافية، وفى المقابل لم يجد مع الدعوة العباسية شيئاً بعد أن انهارت الدولة الأموية نتيجة فقدان الصلاحية، وعدم القدرة على الاستمرار. توفى «إبراهيم الإمام» الذى كان على رأس العباسيين قبل أن تتكون دولتهم رسمياً، وآل الأمر من بعده إلى «أبى عبدالله السفاح» وهو يعد أول خلفاء بنى العباس، وقد أعمل آلة القتل فى كل من تبقى من نسل بنى أمية من أولاد الخلفاء وغيرهم حتى أفناهم عن آخرهم، ولم يفلت منهم إلا رضيع أو من هرب إلى الأندلس. وتلقى جند العباسيين الأوامر بنبش قبور بنى أمية بدمشق، فنبش قبر معاوية بن أبى سفيان، فلم يجدوا فيه إلا خيطاً مثل الهباء، ونبش قبر يزيد بن معاوية بن أبى سفيان فوجدوا فيه حطاماً كأنه الرماد، ونبش قبر عبدالملك فوجد صحيحاً لم يتلف منه إلا أرنبة أنفه، فضربه بالسياط وصلبه وحرقه وذراه فى الريح. وهكذا انقضت الدولة الأموية.. وبدأ العباسيون رحلة الدم.