«الرحاب».. مدينة الأغنياء تبحث عن المياه بـ«الجراكن»

كتب: مها البهنساوى

«الرحاب».. مدينة الأغنياء تبحث عن المياه بـ«الجراكن»

«الرحاب».. مدينة الأغنياء تبحث عن المياه بـ«الجراكن»

اتكأ على حفيده متجهاً إلى جامع هشام طلعت مصطفى، المجاور لمنزله.. ذهب فى غير مواعيد الصلاة، الساعة تقترب من الحادية عشرة، يتبقى على صلاة الظهر أكثر من ساعة، لم يطأ بقدميه ساحة الصلاة، بل عرج إلى باب مجاور حيث دورة المياه ومكان الوضوء، وجد الباب مغلقاً، فبدأ «محمود صالح» السؤال عن حارس المكان، وعندما جاء وقبل أن يبادره بالسؤال عن سبب مجيئه فى غير مواعيد الصلاة، بدأ الرجل الخمسينى بالهجوم على الشاب: «مفيش ميه وعايز أدخل الحمام، من ساعة صلاة الفجر ماشفناش ميه واللى حوشناه خلص، المفروض أعمل إيه؟».[SecondImage] فتح الشاب باب دورة المياه للحاج «صالح» دون جدال، حال الرجل المُسن لم يختلف عن حال سكان مدينة الرحاب.. هنا على بعد 15 دقيقة من زحام القاهرة، سكان اختاروا البعد المكانى عن العاصمة وزحامها ومشكلاتها، ليجدوها تلاحقهم فى مدينتهم المغلقة، لم تمنع أسوار المدينة الراقية بالتجمع الخامس وبواباتها من تسلل أزمات يراها البعض أشبه بالتحول إلى منطقة عشوائية. قبل بدء شهر رمضان بأيام استيقظ آلاف السكان على انقطاع المياه لساعات، وصلت فى بعض الأوقات إلى 20 ساعة يومياً. المهندس وائل محمد وحيد، وقف فى السوق التجارية للمدينة يتبادل الشكوى مع أحد الباعة: «أنا ساكن فى المجموعة 34، الميه بتقطع عندى 3 مرات فى اليوم، كل مرة لا تقل عن 5 أو 6 ساعات، بمعنى أدق أنا مش باشوف المياه إلا كام ساعة يا دوب أحاول أخزن فيها، المفروض إننا كنا بندفع 800 جنيه صيانة حدائق ومواسير وخلافه، تم رفعها إلى 1200 جنيه، ولم نعترض لأننا نعرف لكى نحصل على خدمة جيدة لا بد أن ندفع أكثر، ولكن تبدل الحال تماماً، وأصبحنا ننفق ولا نرى خدمة، انقطاع المياه يهدد المدينة بالخراب خاصة بعد بوار الحدائق لغياب الرى، وكذلك البحث عن عربات المياه لملء الجرادل مثل سكان العشوائيات».[ThirdQuote] بالقرب من «بوابة 6» بمدينة الرحاب، توافد عدد من السكان إلى مقر جهاز المدينة، البعض يحمل أوراق وفواتير دفع الصيانة والأقساط، والبعض الآخر يتساءل عن أسباب انقطاع المياه.. بدأ الأمر بهدوء من خلال عدة أسئلة حول ما تردد عن أسباب تلك الأزمة، فقال سارى أحمد موجهاً حديثه إلى موظفى الاستقبال: «سمعنا أنكم لم تسددوا فواتير المياه للشركة القابضة للمياه، رغم أننا دفعنا كل الفواتير لكم، أين الفواتير إذا كنتم بالفعل سددتموها للحكومة؟»، سؤال ردده عدد من السكان وجاءت الإجابة بأن «الفواتير جميعها مدفوعة ولكنها ليست موجودة بالجهاز، سيتم إرسال خطاب لمقر الشركة بالدقى لإرسال صورة من الفواتير وسيتم عرضها على صفحات ائتلاف قاطنى الرحاب على فيس بوك أو على لوحة كبيرة بمقر الجهاز». حضر عمر عبدالعليم بصحبة زوجته، وطالبا بحل لمشكلتهما التى دفعتهما لترك منزلهما بالرحاب، والمبيت بمنزل والدة زوجته بسبب غياب المياه منذ أكثر من 10 أيام بشكل متواصل، مشيراً إلى أن هناك شائعات كاذبة بأن المياه تقطع لساعات قليلة، ولكن الحقيقة أنها لا تتوافر إلا ساعتين فقط قبل الإفطار من الخامسة إلى السابعة فقط، ومن الممكن أن تأتى قبل الفجر ساعة واحدة فقط، أى أنها ما بين ساعتين و3 ساعات خلال الـ24 ساعة، وقالت زوجة «عبدالعليم»: «أنا حاسة إنى عايشة فى الدويقة، كنا بنشوف الناس شايلين حلل وجراكن وبيملوا مياه وعارفين إن مصر فيها مشاكل كتير، ولما قررنا نسكن هنا قلنا ندفع أكتر بس المهم نبعد عن المشاكل، لكن أن يتكرر المشهد هنا ونسمع عن وجود عربات مياه تمر على البيوت لم نرها يوماً واحداً، وما زلنا نعتمد على تخزين مياه إذا جت فى أى وقت، أمر صعب ومستحيل بالنسبة لينا، عندنا أطفال ويكفى أنى اضطررت لنقل ملابسنا إلى منزل أمى لغسلها هناك، وكأننا عايشين فى مساكن إيواء والاسم فقط أننا نسكن فى مكان راقٍ هو مدينة الرحاب». أثناء انتظاره لمقابلة رئيس جهاز مدينة الرحاب بصحبة عدد من السكان، نشبت خلافات عديدة بين موظفى الجهاز و«محمد كمال»، أحد سكان «المجموعة 96»، بسبب مطالبته للعاملين بعرض رواتبهم التى تتعدى عشرات الآلاف من أموال الصيانة والاشتراكات والأقساط والفوائد التى يتكبدها السكان طوال العام، وفى المقابل لم يحصلوا على الخدمات التى وُعدوا بها أثناء تعاقدهم، وقال «محمد»: «نطالب بمتابعة الجهاز المركزى للمحاسبات لأموالنا التى ندفعها والفواتير التى نسددها وفى النهاية تنقطع عنا المياه، وعندما نشكو تؤكد الشركة القابضة أن المياه لم يتم قطعها من قبل الشركة، وهنا علمنا أن المشكلة بأكملها تحدث بعلم جهاز المدينة، وأن السبب فى غياب المياه أنها تستخدم للإنشاءات الجديدة بوحدات الرحاب والتوسعات التى تجرى منذ فترة، على حساب حقنا فى تلك المياه».. لم يتوقف الرجل الثلاثينى فى حديثه، وهدد مسئولى الجهاز بتحرير محاضر ضدهم لأنهم «باعوا الهوا للسكان، بعد عدم وجود أهم خدمة ينتظرها أى مواطن طبيعى وهى مياه الشرب»، على حد قوله.[FirstQuote] تضاعفت المشكلات مع وصول بعض السكان شاكين من عدم رد غرفة الشكاوى بجهاز المدينة على اتصالاتهم، فبالرغم من وجود خط ساخن للجهاز يتابعه عدد من الشباب فى غرفة خاصة بالشكاوى، فإنه مع تضاعف شكاوى انقطاع المياه وغياب الرد أو حل المشكلة، لم يرد مسئولو الخط الساخن على الاتصالات المتكررة، الأمر الذى أكدته نيرة سليم، التى طلبت التأكد من تسجيل شكواها التى قدمتها منذ أسبوع ومن بعدها لم يرد عليها أحد، مشيرة إلى أن هناك تهرباً واضحاً من مسئولى الجهاز بما فيهم إدارة الشكاوى، وأن مشكلة المياه ليست جديدة لأنها معاناة كل صيف -على حد قولها- ولكن الأمر هذا العام ومنذ ما يقرب من أسبوعين أصبح أكثر سوءاً من كل عام، ففترات وجود المياه لا تتعدى ساعات قليلة على عكس ساعات الانقطاع، وهو ما أكده زكى سليمان، الرجل الخمسينى الذى جاء للشكوى أيضاً من عدم استجابة غرفة الشكاوى والخط الساخن لاتصالاته، قال: «أنا بقيت أتيمم للصلاة، صحتى لم تسعفنى للنزول إلى الجامع مع كل صلاة للوضوء هناك، خاصة أن المياه تنقطع هناك أيضاً لساعات طويلة، وبعد سؤال بعض الشيوخ أكدوا لى أنى أستطيع التيمم مادامت المياه غائبة، وعندما توجد نستخدمها فى استخدامنا اليومى للحمام فقط، ولا تكفى ليوم كامل وحاجة أسرة مكونة من 5 أفراد».[SecondQuote] حاول بعض السكان حل مشكلة المياه بشكل فردى، فاشترى ياسر محمد خزان مياه ليضعه أعلى منزله ويستخدمه طوال ساعات الانقطاع، ولكن عندما حضر إلى الجهاز للحصول على إذن بوضعه، رفض الجهاز ذلك لأن الموضوع لا بد من دراسته جيداً حتى لا يضار المبنى، فنشبت خلافات بينه وبين مسئولى الجهاز وقال لهم: «يرضى مين إنى آخد مواعين بيتى أغسلها فى بيت أمى فى مدينة نصر؟! إنتو لا ترحموا ولا تسيبوا رحمة ربنا تنزل، إحنا فى رمضان وانتو لا بتقولوا معلومة صحيحة ولا بتحلوا الأزمة». «الوطن» رصدت محطات تخزين المياه لمدينة الرحاب، المحطتين 7 و10، حيث وجدت عربات كبرى تنقل المياه من خارج الحى وتخزنها هناك، ويتم فتحها فى أوقات متفرقة ولكنها لا تصل إلى جميع السكان بسبب ضعف الضخ. من جانبه، قال المهندس هشام عبدالقادر، رئيس جهاز مدينة الرحاب، إن «المشكلة تتكرر كل صيف، ولكن الأزمة هذا العام تكمن فى أن محطة القاهرة الجديدة لتوزيع المياه التى كان من المفترض افتتاحها منذ ما يقرب من عام وتكلفت 2.5 مليار جنيه لم تعمل حتى يومنا هذا، وكانت ستوفر أكثر من 15 ألف متر مكعب من المياه للتجمع الخامس بأكمله، ولكن هناك شبهة فساد فى بناء المحطة، بعد اكتشاف أعطال بها قبل أن تعمل»، مضيفاً أن «هناك جهات تحقق فى الأمر، ولكن بخلاف ذلك نحاول حل المشكلة بإمكانياتنا المتاحة، نوفر عربات مياه كبرى فى خزانات المدينة، وما يتردد عن عدم دفع فواتير المياه غير صحيح بالمرة، لأننا سددناها بالفعل ولكن ليس لدينا فواتير هنا فى الجهاز ولكن فى مقر الشركة، وبالنسبة للمشروعات الجديدة فهى متوقفة ولا نوفر لها المياه على حساب السكان، مثلما يقول البعض، وهناك حدائق تعرضت للتصحر وماتت زراعاتها بسبب غياب المياه، وبالطبع هذا يؤكد أننا لا نسىء استخدامها كما يدعى البعض، ولكن فى حالة وصول المياه يكون ضغطها بسيطاً فلا يشعر بها سكان الأدوار العالية، وهم يتضررون بالفعل من غياب المياه ساعات طويلة تتعدى 16 ساعة يومياً، ولا ذنب لنا فى كثرة سحب المياه فى فصل الصيف شأنه شأن الكهرباء».[ThirdImage] على الجانب الآخر، قال المهندس محمد عبدالرحمن، رئيس شركة مياه القاهرة الكبرى: «إن هناك نقصاً بالفعل فى المياه الواصلة للقاهرة الجديدة بشكل عام على مدار 24 ساعة، بسبب عدم دخول محطة مياه القاهرة الجديدة للخدمة»، مشدداً على أن المشكلة تختفى فى الشتاء لأن الضغط على المياه قليل مقارنة بالصيف، «ولكننا لا نقطع المياه على الرحاب بل يصل إليهم 71 ألف متر مكعب فى اليوم للمدينة ومدينتى البنفسج والياسمين، وتلك هى إمكانيات الشركة فى الوقت الحالى، ونحاول حلها بتشغيل خطى رفع «4 و5»، وهى مسألة تقنية يعلمها العاملون فى الجهاز من شأنها زيادة ضغط المياه لكى تصل إلى الأدوار العالية بقدر المستطاع».