الإعلام والحكم الرشيد
استطاع المصريون إبهار العالم بعد ثورتين عظيمتين فى 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013. كانت الثورة الأولى لمواجهة حكم استبدادى تحالفت خلاله عناصر الفساد للسيطرة على ثروة البلاد من خلال التزاوج بين السلطة والثروة، ثم جاءت الثورة الثانية للتخلص من حكم الجماعة الفاشية الرجعية التى سطت على الثورة الأولى وانحرفت بأهدافها لخدمة التنظيمات الإرهابية المتطرفة، ومضت خارطة الطريق التى رسمتها القوى الوطنية عبر ثلاث مراحل، ومرّت المرحلة الأولى بسلام بعد صياغة دستور عصرى يكفل الحقوق والحريات لكل المواطنين دون تفرقة، ثم تمت المرحلة الثانية بعد إجراء الانتخابات الرئاسية التى أسفرت عن فوز ساحق للرئيس عبدالفتاح السيسى بعد انتخابات حرة ونزيهة لم يعتدها المصريون من قبل. ويتأهب المصريون حالياً لاستكمال خارطة المستقبل بعد إجراء الانتخابات البرلمانية والتى نأمل أن تتم بأقصى قدر من النزاهة والشفافية لكى تعبّر نتائجها عن القوى السياسية وأطياف المجتمع المصرى. وحالياً تخوض مصر مرحلة مهمة وشاقة لإعادة بناء الدولة واستكمال التحول الديمقراطى من النظام الشمولى الاستبدادى إلى التعدد والديمقراطية وصولاً إلى قواعد الحكم الرشيد، ويعتمد الحكم الرشيد على توافر بعض الاعتبارات بالضرورة وأهمها احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وإتاحة الفرصة للمواطنين للمشاركة فى صناعة القرارات، والقدرة على مساءلة صاحب القرار، وعدالة القوانين والممارسات التى تحكم التفاعل الاجتماعى، وتحقيق المساواة الكاملة بين المواطنين وعدم التمييز بسبب الجنس أو اللون أو العرق أو الانتماء السياسى أو الانتماء الدينى، وأن تستجيب السياسات الاقتصادية والاجتماعية لاحتياجات المواطنين وطموحاتهم، والعمل بكل جدية للقضاء على الفقر والأمية باعتبارهما أكبر المخاطر على تقدم الأمم. ويستند الحكم الرشيد فى المجتمع المصرى على ستة مبادئ أساسية هى: المشاركة الفعالة من كافة المواطنين وانخراطهم فى العملية السياسية، وضمان تحقيق العدالة من خلال سيادة القانون الواجب التطبيق على كل الناس دون تمييز سواء الحكام أو المحكومين، واللياقة عند تطبيق القانون بشكل لا يمثل أى إهانة أو انتقاص من حقوق المواطنين، ثم يأتى مبدأ المحاسبة أو المساءلة، بمعنى إمكانية مساءلة المسئولين مهما علا شأنهم ومراجعة قراراتهم، وتصويب أخطائهم، والمبدأ الخامس هو الشفافية بمعنى وضوح القواعد المطبقة فى المجال العام، وأخيراً مبدأ الفعالية ويعنى ببساطة الاستخدام الكفء للموارد دون إهدار. ولعل وسائل الإعلام من أهم القطاعات الفاعلة والمؤثرة فى تحقيق الحكم الرشيد من خلال بث المعلومات الدقيقة لمراقبة ما يحدث فى البيئة الداخلية والخارجية، وإتاحة منصات حرة للحوار والنقاش والجدل والنقد، والقيام بدورها الأصيل كمراقب للسلطة لكشف مواطن الضعف والفساد، والعمل على بناء الرأى العام، وترتيب أولويات الاهتمام، والارتقاء بوعى الجمهور بقضايا الوطن والنهوض بالذوق العام.