إعلان وفاة تنظيم القاعدة.. متى؟

ترددت أنباء عن وفاة د. أيمن الظواهرى، زعيم تنظيم القاعدة، وصدرت المعلومة عن «حراس الدين»، فرع «القاعدة» فى سوريا، وذلك إثر إصابته بسرطان الكبد، والبعض يشكك فى هذه المعلومة، ويعتقد على نطاق واسع وجود د. الظواهرى مع بعض مساعديه فى الحدود بين باكستان وأفغانستان. أما المرشح لخلافته، وهو «أبومحمد المصرى»، فاستهدفه «الموساد» وقتله فى يوم 7 أغسطس الماضى فى «طهران»، حيث كان يستقل سيارة مع ابنته مريم، زوجة حمزة بن لادن، الذى اغتاله الأمريكان من قبل، ولم تكن معهما حراسة. ويوم 7 أغسطس هو اليوم الذى تم فيه تفجير سفارتى أمريكا فى نيروبى ودار السلام فى وقت متزامن، وخطط هذه العملية وأشرف عليها «المصرى»، الذى بدأ كلاعب فى نادى غزل المحلة، ثم سافر إلى أفغانستان ورافق «بن لادن» فى كل تحركاته، وكان معه فى «الخرطوم» ثم ذهب إلى الصومال حيث درب الصوماليين على استخدام الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف، ودشن فرع «القاعدة» فى أفريقيا الذى فجر السفارتين. فقد «القاعدة» أخيراً عدداً كبيراً من قادته، خاصة فرعه فى اليمن الذى دشنه «بن لادن» بنفسه، ومن بين هؤلاء القادة الذين قتلتهم أمريكا بالطائرات دون طيار: أنور العولقى، ناصر الوحيشى، قاسم الريمى، أما فى المغرب فقد قتلت القوات الفرنسية عدداً من قادة فرع التنظيم فى المغرب العربى، ومن أهمهم عبدالمالك درو كدال، وأحدث ذلك تفككاً فى هذا الفرع، حتى إنه استغرق ستة أشهر للإعلان عن القائد الجديد له، وهذا لم يكن معهوداً عندهم. ذلك فضلاً عن ترك «أبومحمد الجولانى» لـ«القاعدة» وتمرده عليه وانضمامه لصفوف خصومه فى سوريا، ما ألحق بفرعه فى سوريا «حراس الدين» خسائر متوالية. ويقدر عدد القادة الذين تم اغتيالهم فى سوريا من قبَل الطائرات الروسية بالمئات، وهذا كله يدل على اتساع الخروقات الأمنية لدى أفرع «القاعدة»، حتى إن فرعه الملاصق لأفغانستان قد استهدفته مجموعة استخباراتية أمريكية وقتلت قادة مهمين مقربين من «الظواهرى». وقد صدق أحد الباحثين معلقاً على اغتيال «المصرى»: «فقد (القاعدة) أحد الآباء المؤسسين له، ومخطط عملياته الأكثر خبرة وقدرة». وإذا كانت الدول المعادية لـ«القاعدة»، وعلى رأسها أمريكا، قد استطاعت اختراق التنظيم فى إيران وأفغانستان، واليمن، وسوريا، والمغرب العربى، وأفريقيا، فماذا بقى للتنظيم؟. ولذلك أطلق التنظيم فى اليمن والمغرب العربى حملة ما يسمى «اصطياد الجواسيس»، فتم إعدام علنى لسعوديين من قادة التنظيم فى مدينة المكلا، وثارت شكوك فى كل أحد، وصاحبتها ما يعرف بـ«الوسوسة الأمنية» التى تكون عادة هى بداية النهاية لمثل هذه التنظيمات وتشل حركتها من الداخل، إذ يصاحب ذلك حملات من التخوين والاتهامات يصاحبها تكفير داخلى، بعد أن كانوا يكفرون كل من سواهم، والتكفير والتخوين كالقنبلة الانشطارية التى تتسع وتتناثر شظاياها مع الزمن. فإذا أضيف إلى ذلك كله تساؤلات منطقية يطلقها كثير من أبناء التنظيم، خاصة فى اليمن وسوريا وأفغانستان وباكستان، مثل: هل نحن محاربون فى حرب مقدسة أم أننا قتلة مأجورون؟ إذ يدفع بهم بين الحين والآخر فى صراعات لا علاقة لها بالدين، ففى اليمن وسوريا مثلاً هناك وضع معقد من المصالح المتداخلة والولاءات غير الثابتة والهجمات التى تقوم بها جهات أخرى ويضطرون لتبنيها، وأفضل ما قاله فى هذا السياق أحد المحليين: «إنهم سيتحولون طوعاً أو بحكم الضرورة من جهاديين أيديولوجيين إلى قتلة مأجورين». والشىء الوحيد الذى يعين التنظيم المهلهل على البقاء لفترة هو وضع اليمن المهلهل والمهترئ وغير المسبوق؛ فلا دولة ولا مؤسسات ولا رابط، مع فوضى فى انتشار الأسلحة بأنواعها. لقد فقد تنظيم القاعدة سيطرته على أفرعه، وفقد حضوره ميدانياً، وضاع بريقه تارة لحساب «داعش»، حيث قفز أبناء «القاعدة» من مركبه المتهالك إلى «داعش»، ثم لما غرق حاولوا العودة إلى «القاعدة» فوجدوا سفينته قد غرقت أيضاً. لقد انتهى «القاعدة» واقعياً وقد أخرت ثورات ما يسمى بالربيع العربى إعلان وفاته وأعطته قبلة حياة، ولكنها كانت كاذبة لأن «القاعدة» لم يغير حرفاً من أفكاره التى تتلخص فى فكرتى التكفير والتفجير، والحرب المستمرة والمتواصلة على كل الجهات ومع كل الدول وفى كل الأوقات، ولم يتعلم شيئاً من رسول الله الذى لم يحارب على جبهتين قط، ولم يهتم يوماً بالدعوة إلى الله أو كسب أى أحد. شعاره الحرب، والحرب فقط، مع أن أمريكا نفسها لم تطق حربها فى أفغانستان والعراق رغم أن تكلفة الحربين دفعها العرب مع اليابان وكوريا الجنوبية. تنظيم «القاعدة» كان دوماً يعانى من الجمود الفكرى والأيديولوجى والحركى، فضلاً عن التطرف اللانهائى، وكل ذلك أدى إلى نهايته ليستريح العالم من شره، فقد أراد الدفاع عن الإسلام والمسلمين فقتلهم وفجرهم ودمرهم، وكان معظم ضحاياه من المسلمين والمدنيين، وكان دوماً يحارب فى المكان الخطأ والزمان الخطأ وبالطريقة الخطأ، ويضع السيف فى غير موضعه، وذلك باستثناء مشاركته فى محاربة الجيش السوفيتى المحتل لأفغانستان، وما سوى ذلك فحماقاته لا تنتهى.