هل تخدم "السوشيال ميديا" أهدافنا التنموية؟

تفيد الأدبيات العلمية المتعلقة ببحث قدرة المجتمعات والدول على إحداث التنمية بوجود دور مؤثر وأساسى للإعلام فى تسهيل تحقق الأهداف التنموية، كما تشير تلك الأدبيات أيضاً إلى إمكانية أن تعوق المواكبة الإعلامية الرديئة تحقق تلك الأهداف.

تمر مصر راهناً بتحديات تنموية مهمة وفارقة، ومن دون دور جوهرى وإيجابى للإعلام سيصعب جداً تحقيق الأهداف التنموية ومواجهة تلك التحديات.

تُعرّف التنمية Development فى علم الاقتصاد، باعتبارها «عملية إحداث مجموعة من التغييرات الجذرية فى مجتمع معيّن، بهدف إكساب ذلك المجتمع القدرة على التطور الذاتى المستمر بمعدل التحسّن المتزايد فى نوعية الحياة لكل أفراده».

أما التنمية المستدامة فيمكن تعريفها باعتبارها «عملية التنمية التى تلبى احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة».

ولا بد لتحقيق التنمية المستدامة من التوفيق بين ثلاثة عناصر أساسية، وهى: النمو الاقتصادى، والإدماج الاجتماعى، وحماية البيئة. وهذه العناصر مترابطة، وكلها حاسمة لرفاهية الأفراد والمجتمعات.

يقود ذلك إلى تأكيد أن التنمية المستدامة عملية مخطط لها ومقصودة لإحداث تغيير إيجابى فى نوعية الحياة للأفراد والمجتمعات، من خلال توفير خيارات وفرص أوسع تنعكس على نوعية الحياة واستدامة الموارد للأجيال القادمة والمحافظة على الموارد واستدامتها. وهذا المفهوم هو أحد المفاهيم التنموية المعاصرة التى تبنّتها الأمم المتحدة ووكالاتها التنموية وأخذ ينتشر فى العالم منذ أكثر من عقدين. وقد أضحى مسار إحداث التنمية المستدامة وإدامة خطط العمل بها خياراً أممياً؛ إذ يؤكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش أن: «أهداف التنمية المستدامة هى مخططنا للمسار العادل والمستدام لتنمية لا تترك وراءها أحداً. هذه الأهداف أكثر بكثير من مجرد إطار، بل هى خطة ملموسة للسياسات التى يمكن أن تحسّن حياة مئات الملايين من النساء والفتيات والرجال والفتيان فى جميع أنحاء العالم».

يشير هذا السياق إلى أن ثمة إرادة دولية بضرورة تبنى آليات إحداث التنمية المستدامة وتفعيلها؛ وهو أمر لا يمكن أن يحدث من دون مساندة واضحة وقوية من الإعلام.وفى هذا الصدد، يقترح الخبراء والمتخصصون عدداً من الأدوار التى يجب أن يقوم بها الإعلام التقليدى لدعم التنمية المستدامة، ومن ذلك توفير وسائل إعلام واتصال متطورة ومختلفة، ومن خلالها يمكن تعريف الناس بحقيقة مشكلاتهم ونقل أفكارهم لتحقيق التطوير المنشود.

كما يقترحون توزيع وسائل الإعلام المتعلقة بالتنمية بشكل جغرافى يتناسب مع مساحة البلد، بحيث تشمل كل المناطق والنواحى والقرى ذات الكثافة السكانية العالية، والقيام بعمليات التدريب والتأهيل المناسبة لرفع الوعى بين الإعلاميين أنفسهم بالتنمية المستدامة، وضمان تقديم المحتوى الخاص بها بشكل احترافى وجاذب.

ويستلزم تحقيق تلك الأهداف أيضاً فسح المجال واسعاً أمام مشاركة الجماهير وبشكل مباشر فى طرح قضاياهم ومساءلة المسيئين عبر حوارات جادة وعقلانية وشفافة وديمقراطية.

ويرى الخبراء أن نجاح الإعلام فى دعم التنمية المستدامة يحتاج إلى مراعاة بعض العوامل؛ ومنها: وجود مشروع تنموى واضح تتبناه وسائل الإعلام وتدعو له، وتوافر مناخ ديمقراطى يكفل الحوار والمشاركة لجميع القوى السياسية والاجتماعية، فضلاً عن توافر قدر معقول من الحرية والاستقلالية لوسائل الإعلام فى التعبير عن وجهة نظرها.

كما يلزم النجاح فى تلك المهمة توافر قدر مناسب من المصداقية الإعلامية، حيث المعالجة الشاملة والمتوازنة المستندة على قاعدة بيانات صحيحة، وأن تدعم المعالجة الإعلامية التفاعل بين الجمهور وصناع القرار، بحيث تحمل الخطاب التنموى من السلطة إلى الجمهور، وتنقل احتياجات ومطالب وأفكار الجمهور إلى صناع القرار.

وتُطالب وسائل الإعلام أيضاً فى هذا الصدد بأن تقدم الإيجابيات والسلبيات دون مبالغة أو تهوين، وأن تتجنّب قدر الإمكان تسييس قضايا التنمية، وأن تبتعد عن أسلوب الوعظ والإرشاد حتى لا تفقد رسائلها قدراتها التأثيرية.

ونظراً لأن التنمية المستدامة تعتمد على نحو متزايد على مشاركة أشخاص على قدر مناسب من المعرفة، فإن هذا يستلزم تدفّقاً حرّاً للمعلومات والمعرفة، الأمر الذى يعتمد بدوره على توافر حرية التعبير عبر جميع المنصات الإعلامية والقدرة على الاطلاع على المعلومات.

وتعتبر قدرة وسائل الإعلام على الوصول إلى جماهير واسعة النطاق، محورية فى بناء الوعى حيال قضايا التنمية؛ الأمر الذى يعتبر بدوره ضرورياً لضمان المشاركة الفاعلة للأطراف المعنية.

لقد أصبح العالم قرية صغيرة بالفعل بفضل وسائل الإعلام الإلكترونية القادرة على الوصول إلى جمهور عالمى، لكن وسائل الإعلام تلك مهمتها لا ينبغى أن تقتصر على الإعلام ونشر الأخبار فحسب، وإنما باستطاعتها تيسير تبادل المعرفة والخبرات، علاوة على قدرتها على تنظيم حملات بكفاءة لتعزيز الوعى العام تجاه قضايا بعينها، وإعلام الأطراف المعنية بحقوقها والتشجيع على المشاركة النشطة لتمكين مجتمعات محلية. ومن خلال تسليط الضوء على الخبرات الإيجابية بمنطقة ما، تزرع وسائل الإعلام الأمل فى مناطق أخرى إزاء إمكانية حل المشكلات القائمة، وتعين فى الوقت ذاته سكان تلك المناطق على صياغة سياسات واتخاذ قرارات بخصوص الإجراءات التى سيتخذونها.

إلا أن ازدهار استخدامات الإنترنت، ومعها وسائل «التواصل الاجتماعى» أدى إلى بروز أدوار إعلامية جديدة ومعها بطبيعة الحال تحديات جديدة.

وقد استلزم هذا التطور تشجيع المؤسسات المعنية بفكرة التنمية المستدامة على إنشاء وسائل الاتصال الخاصة بها وسائط «السوشيال ميديا»، وتعزيز قدرتها على التواصل عبر تلك الوسائط، وتدريب منسوبيها على إنتاج المحتوى بالشكل الفعّال والمناسب لطبيعة تلك الوسائط وأولويات جمهورها.

وتتزايد الدعوات فى هذا الإطار لتشجيع مستخدمى «السوشيال ميديا» على القيام بجهود «تنظيم ذاتى» لمجالهم الاتصالى، وإصدار أكواد أو أدلة لتأطير التفاعلات على تلك الوسائط، بما يحترم قيم التنمية المستدامة، ويساعد على تفعيلها.

كما تجرى محاولات لإقناع شركات التكنولوجيا المشغّلة لمواقع «التواصل الاجتماعى» بتبنى قضايا واستحقاقات التنمية المستدامة، وتخصيص أيام للتفاعل بشأنها، والتطوع بإبراز إعلانات ترويجية خاصة بها.

لا يمكن لمصر أن تحقق أهدافها التنموية من دون دعم قوى ومؤثر من مجال «السوشيال ميديا»، وليحدث ذلك يجب ترشيد التفاعلات عبر تلك الوسائط تحديداً، بما يخدم الأولويات المهمة والجادة للجمهور، ويقلل التفاعلات الإثارية والاحتراب والتركيز على القضايا التافهة.