ناج من غرق عبارة "السلام" يحكي قصة 3 أيام في البحر: شفت الموت بعيني

ناج من غرق عبارة "السلام" يحكي قصة 3 أيام في البحر: شفت الموت بعيني
تحاول عيناه أن تغلق نفسها، ولكن يقاوم نعاسه بقوة، مستيقظاً منذ أكثر من 48 ساعة تقريباً، يضرب الماء البارد في جسده كالرصاص، لا زلنا في منتصف فصل الشتاء القارس، الماء يكاد يتجمد من شدة البرودة، النصف السفلي من جسده يترنح في الماء، لا يشعر ربما بوجوده، فالماء خدره، لا يتوقف جسده عن الارتعاش، يسمع آهاته السمك، يقف في منتصف البحر وجبة دسمة لأسماك القرش، يفصل بين النصف العلوي من جسده والماء عوامة صغيرة، تقف حائلاً بينه وبين الموت، فهي منقذه من الهلاك في أعماق البحار، يضرب بصره يميناً، مثلما يضربه يساراً، هنا بحر واسع وهنالك فضاء لا نهاية له.
3 أيام كاملة في أعماق البحر، يرويها محمد رمضان عرفة، بعد أن غرقت العبارة التي كانت تحمله هو ومن معه، في الحادثة الشهيرة التي عرفت حينها إعلاميا بـ"حادث عبارة السلام 98".
عبارة السلام، غرقت في الثالث من شهر فبراير عام 2006 في البحر الأحمر، كانت في طريقها من ميناء ضبا السعودي إلى ميناء سفاجا البحري في مصر، وتعد أكبر كارثة بحرية في قطاع النقل البحري المصري، محمد رمضان، يروي لنا بالتفاصيل بداية الكارثة، حيث صعد دخان كثيف من جوانب العبّارة، فتساءل من فوقها، ماذا يحدث: "الساعة 10 بالليل يوم الخميس صباح الجمعة 4 فبراير، أنا شغال سواق وكنا متحركين لميناء سفاجا، لقينا دخان من جوانب العبارة وطالع لفوق والناس هايجة، سألنا قالوا لنا مفيش حاجة نار والعة وطفيت، بعد ساعة لقينا الدخان بيزيد والنار كمان بتزيد ونسأل يقولوا إحنا مسيطرين على الموقف، فضلنا ماشيين 3 ساعات والنار والعة، الناس بتصرخ والعبارة بتهتز يمين وشمال، ناس تقول مفيش حاجة وناس تقول العبارة والعة وبتغرق".
العبارة بتغرق
الثانية بعد منتصف الليل، أمطار تنزل من السماء، ولكنها لا تستطيع السيطرة على الحريق، النار لا تتوقف، العبارة تزداد في الترنح، الدخان يملأ السماء، الجميع يصرخ "العبارة بتغرق.. العبارة بتغرق".
يسرح "رمضان" أثناء الحديث لثوان، يتذكر خلالها المشهد الذي مر عليه منذ 14 عاماً، يتغير لون وجهه، ينظر إلى الفراغ، ثم يعود للحديث بنبرة صوت بطيئة، يقول: "الناس كلها بتنط في الميه، فتاكلها أسماك القرش، هتهرب من النار هياكلك السمك، وأنا واقف في العبارة مش عارف أعمل إيه، لقيت الطاقم مجهز قارب نجاة، قلت لهم خدوني معاكم، بصوا لبعض، وقتها عرفت إني يا هغرق يا هيغرقوني".
انفجار العبّارة.. وأشلاء في البحر
قفز "رمضان" في الماء، ولحسن حظه، وبتدبير من الله، لم تقترب منه أسماك القرش، ربما امتلأت بطونهم من لحوم البشر الذين قفزوا قبله، وبعد قفزه بدقائق، انفجرت العبارة، يستكمل: "العبارة انفجرت بالناس اللي كانوا لسه موجودين عليها، ببص لقيت شعر في وشي، مسكته لقيت رقبة ست، ورجل شخص، ونص جسم، وأعضاء من الناس اللي كانوا في العبارة وانفجرت بهم".
مشهد لن يسناه رآه أمام عينيه بعد انفجار العبارة، طفل صغير رفقة والدته على قطعة خشبية، يبكي ويستغيث: "أنا تعبت يا ماما"، ثم يفلت منها، ويغرق، أمام أعين الأم، وبعدها بيوم، لحقت الأم بفلذة كبدها.
3 أيام في البحر.. هل ستعود جثته إلى أهله؟
بقي "رمضان" في البحر الأحمر 3 أيام، لم يذق فيهم طعم النوم، تحاول عيناه أن تأخذ غفلة، يوقظ نفسه خوفاً من الغرق، أصبح جسده منكمشاً من الماء، في أوقات النهار، يقضي معظم وقته يلوح بيده، يصرخ، يستغيث، ولكن لا منقذ، ولا نتيجة، في الليل، لا يرى شيئاً، حتى يده لو وضعها أمامه لرأى سوادً: "مكنتش بفكر غير في الموت، أنا في الموت نفسه، كان كل همي إن جثتي ترجع لأهلي ويدفنوني".
طائرة سعودية.. منقذ "رمضان"
الأحد 6 فبراير، يسمع "رمضان" صوت طائرة، هل استجاب الله لدعائه، يحاول مرة أخرى التأكد من الصوت، مصدره، هناك شيئ قادم، طائرة ليست ببعيدة عنه، يلوح بيده بصعوبة، يصرخ ويخرج صوته ضعيفاً من شده الهزل، تقترب منه الطائرة، يحكي: "حدفولي سلم، طلعت، كانت طائرة سعودية، ودوني مستشفى سعودي وبلغوا السلطات السعودية، جلدي كان ناشف، حطوني في مية سخنة ومطهرات، وبعد كده رجعت مصر".
على الجانب الآخر، قامت أسرة "رمضان" بإقامة العزاء له معتقدين أنه توفي، وعندما حاول التواصل معهم قالوا له: "أنت نصاب، رمضان مات، بس أمي الوحيدة اللي عرفتني".