وزير المالية حكاية عمرها 15 سنة مع الموعد المقدس فى الثامنة صباحاً

كتب: إسراء حامد

وزير المالية حكاية عمرها 15 سنة مع الموعد المقدس فى الثامنة صباحاً

وزير المالية حكاية عمرها 15 سنة مع الموعد المقدس فى الثامنة صباحاً

المكان: عقار عادى بمساكن الشيراتون، الزمان: السابعة والنصف صباحاً، الحدث: يوم عمل جديد فى حياة هانى قدرى دميان وزير المالية يبدأ باستقلاله سيارة سوداء اللون، مغطاة بزجاج داكن حاجب للرؤية، يعكس أشعة الشمس، كانت لتوها تتوسط مجاورة تظللها الأشجار على مقربة من حى النزهة بمصر الجديدة، قبل أن تتحرك ببطء فى طريقها إلى مدينة نصر، حيث مقر وزارة المالية، رحلة عهدها «دميان» قبل أن ينضم رسمياً لـ«حكومة 7 الصبح»، ضمن مسيرة كفاح فى وزارة المالية بدأت مع توليه منصب مساعد وزير إبان وزير المالية الأسبق ممتاز السعيد، ليتقدم باستقالته، ثم يقع عليه الاختيار مُجدداً فى حكومة محلب الأولى المشكلة فى مارس الماضى، ثم حكومة محلب الثانية فى منتصف يونيو الحالى. العقار الذى يقطن وزير المالية إحدى شققه، مكون من 5 طوابق، محاصر من كافة الجهات بحراسة مشددة، وكلاب بوليسية، تنذر كل من يحاول الاقتراب، كيلو متر واحد فقط يفصل المجاورة التى يقطن فيها الوزير عن باقى المتجاورات، ما يتيح مساحة لانتشار طاقم الحراسة المشكل من 3 أفراد، ينتظرون الوزير فى مدخل العقار المتاخم لعدد من المحال التجارية، بينما يبقى واحد فقط فى حراسة المنزل، فيما يقرر اثنان مرافقة الوزير فى موكبه المكون من سيارتين. السكون المصاحب لـ«لسعة» هواء الصباح، يخيمان على المشهد أثناء استهلال الوزير يوم عمله، ينزل من منزله فى هيئة مهندمة، مرتدياً بذلته رمادية اللون، ونظارته السوداء، موجهاً تحيته المعتادة لحارس العقار «صباح الخير يا عم محمد»، يطلب منه الأخير مشاركته وجبة الإفطار فى عفوية شديدة، فيشكره الوزير على استحياء، قبل أن يختفى بين ظلال حارسين ممتلئى البنية، يحرصان على تأمين بضع السنتيمترات التى تفصله عن سيارته حتى يختفى عن العيون تماماً. اختلفت مواقع «دميان» فى وزارة المالية من مساعد وزير فى حكومة كمال الجنزورى، وصولاً إلى وزير فى حكومتى محلب الأولى والثانية، بينما لم يختلف موقع «سعيد جمال» صاحب محل البقالة المقابل للعقار الذى يسكنه الوزير منذ 15 عاماً، نظرات غير هادئة يرمقها الشاب الثلاثينى لموكب المسئول الكبير الذى لا يعرف أى منصب يتقلد، كما يجهل اسمه، كل ما يعرفه هو أنه لمح وجهه ذات مرة فى أحد اللقاءات التليفزيونية، واعتاد على مواعيد عمله الثابتة يومياً، ففى السابعة والنصف صباحاً يستقل سيارته التى تنتظره أسفل المنزل، وفى التاسعة مساء يعود إليه، بحسبه «بظبط ساعة إيدى على مواعيده كل يوم، عمره ما اتأخر أبداً». يشكل وجود المسئول الكبير فى موقع عمل «سعيد» عائقاً أمام لقمة عيشه، فالأمن الذى يحاصر منزل الوزير الذى لا يعرف اسمه، بحسب تأكيده، يجعل من الصعب تردد الزبائن على الكشك الصغير، إلا أن وجه الوزير البشوش، وحسن تعامله مع المحيطين، يعد سبباً وراء تمسكه بالمكان «كل ما ينزل لازم يصبّح على أصحاب المحلات، مش حاسين أنه وزير لأنه متواضع جداً، وبيهزر مع كل الناس». الالتزام هو عنوان حياة وزير المالية، بحسب د. أحمد وصفى، أحد الجيران، فحين كان مساعداً للوزير، ظل يواظب على التوجه إلى مقر الوزارة فى الثامنة صباحاً وفى حكومتى محلب الأولى، والثانية لا يتجاوز ذات الموعد «الراجل ده ملتزم طول عمره سواء فى المواعيد والأخلاق، وكلنا نعرف أن الإخوان حاولوا يهددوه أكتر من مرة، بسبب أخلاقه ونزاهته اللى كانوا سبب تزكيته فى المنصب». بجلباب ناصع البياض، وابتسامة لا تفارق وجهه، يستقبل «عم محمد» وزير المالية ويودعه يومياً، «الراجل ده عِشرة عمر»، يجلس على مقعد وثير، وإلى جواره مكتب يعلوه دفتر يسجل به بيانات الزائرين بدقة، مكان لم يبرحه الرجل الخمسينى منذ ثلاثين عاماً قبل أن يأتى الوزير إلى العقار الذى يحرسه، فيضفى عليه حالة من الهيبة والوقار، بحسبه «من ساعة ما جيت من الصعيد والعمارة دى فى حمايتى، ريحها هادى، سكانها قليلين، معظمهم مستشارين وأساتذة جامعة، بس الحراسة زادت بعد ما بقى عندنا وزير». عن بُعد لمح الوزير مقبلاً، فأسرع بفتح باب السيارة مؤدياً تحيته المعتادة «صباح الخير يا فندم»، فيبادله الوزير التحية مصحوبة بابتسامة، يشير إلى حارسه الخاص ليجاور الأسطى عبدالله، سائق سيارته ليرافقهما فى الطريق إلى الوزارة، بينما يحجز هو مكاناً فى المقعد الخلفى، عادة سائق الوزير الذى لم يفارقه منذ أن كان مساعداً لسابقه، «من زمان بشتغل سواق عربية قدرى باشا، مش عايز أسيبه، لأنه راجل محترم وأخلاقه عالية، ومواعيده مظبوطة»، كلمات بسيطة عبر بها الرجل الأربعينى عن انطباعه عن الوزير، بحسب وصفه «بتمنى أكمل مع سيادة الوزير لحد ما أطلع على المعاش، لأن سمعته طيبة ومعروف بإيده النضيفة». لم يُجرب عم «عبدالله» العمل مع وزير بخلاف «هانى دميان»، لكنه يشعر بحكم المنصب الجديد أنه ترقى معه فأصبح بين عشية وضحاها «سائق الوزير»، بحسبه «الشغل ممتع مع سيادة الوزير»، بطبيعة الحال يعتبر الأسطى عبدالله نفسه كاتم أسرار سعادة الوزير، لأنه يصادف وجوده أثناء تلقيه مكالماته الهاتفية المهمة والسرية للغاية، علاوة على مرافقته له فى معظم لقاءاته الدورية، كما أنه يتابع خط سيره خطوة بخطوة، «لما الوزير بيسافر فى مهمة بره مصر، بفتقده جداً علشان أخلاقه الطيبة». الالتزام والصدق والأمانة صفات أجمع عليها كل من اقترب من حياة هانى قدرى دميان، الوزير المكلف بحقيبة المالية، أو حتى اقترب من موقع منزله، بحسب ماجد رياض، الشاب الذى يعمل بمحل بيع أدوات مدرسية قريب من المجاورة التى يسكنها، «عمرنا ما شفنا منه حاجة وحشة، لأنه بسيط ومش بيحاول يتعالى على الناس، وموكبه مش بيعطل الطريق زى باقى الوزراء».