دموع على باب العزل.. مشاهد في ذاكرة أطباء نبطشيات كورونا "وجع وحب"

كتب: سمر صالح

دموع على باب العزل.. مشاهد في ذاكرة أطباء نبطشيات كورونا "وجع وحب"

دموع على باب العزل.. مشاهد في ذاكرة أطباء نبطشيات كورونا "وجع وحب"

سيارة مسرعة تستقر فجأة أمام باب الاستقبال بالمستشفى، ثم تفتح أبوابها في ثوان معدودة، ليخرج منها مريض "حبيس الأنفاس"، يصارع ضيق التنفس، يصاحبه واحد أو اثنان من أبنائه، متسائلين في لهفة عن الطبيب "النبطشي" لإنقاذ مريضهم.

مشاهد يومية تتكرر على أعتاب مستشفيات العزل، في خضم أزمة إنسانية كبّلت أيدي الأطباء كبارًا وصغارًا، ووقف أمامها العلماء في حيرة، ليظل هذا المشهد عالقاً بأذهان أطباء مستشفيات العزل، الذين تضم ذاكرتهم العديد من الحكايات المأساوية.

فيما بين عجوز يصارع الموت وحده بعد أن تركه أبناءه وحيدًا، وجاء يستغيث بالأطباء للعلاج بعد تواصله مع الخط الساخن بوزارة الصحة، وآخر نقيضه يلتف أبناؤه من حوله، تغلبهم دموعهم، ويصرون على البقاء معه، رغم تحذير الطبيب بخطوة الأمر عليهم، لا تزال تسجل ذاكرة الدكتورة أسماء النمر، إخصائي أمراض الصدر والدرن بمستشفى العباسية، تمتلئ بلحظات استقبال المصابين وقت"النبطشية" الخاصة بها.

أسماء: بيبكوا بالدموع علشان يقعدوا مع أهاليهم

أكثر ما تتذكره الدكتورة أسماء، يتعلق بمرضى الزهايمر والأمراض المزمنة المستعصية، من مصابي كورونا، فهم أكثر الأشخاص الذين يرفض ذووهم تركهم في العزل خوفا عليهم، ويظلون في إقناع الطبيبة بالموافقة، الأمر الذي قد يتطور أحيانا بـ"خناقة" حسب وصفها، رغم تأثرها الشديد ودموعها التي تغالبها في بعض الأحيان، "ماقدرش أوافق ده ممنوع وأحيانا بتقلب خناقة مع أهل المريض".

وتروي مشهداً لا تزال تذكره، عندما انهمرت دموع فتاة خوفاً على والدها مصاب كورونا، قائلة "بيبكوا بالدموع عاشان يقنعوني يقعدوا مع أهاليهم في العزل وده ممنوع تماما".

أما أكثر المشاهد التي تجعل دموع الطبيبة تنزل على الفور، فهو لحظة الوداع التي تدور بين المرضى وأهاليهم على أبواب العزل، ومشاهد الجحود التي تتمثل في عجوز يأتي بمفرده للعلاج بعد أن فر منه أبناؤه خوفاً على حياتهم، "أحيانا بيتكرر الموضوع ده وبيصعب عليا المريض".

إسلام: أصعب لحظة لما تقول لحد "عندك كورونا" 

حالات الموت المفاجئ بين كبار السن خاصة، أكثر ما يترك أثرًا حزينًا في نفس الدكتور إسلام الديب، إخصائي الأطفال ومكافحة العدوى بمستشفيات وزارة الصحة، وخلال "النبطشيات" الخاصة به منذ بداية أزمة فيروس كورونا، يفسر زيادة الوفيات بأنها قد ترجع إلى عوامل التجلط التي تتسبب فيها الإصابة بالفيروس، "بيوصلوا المستشفى قلبهم واقف فجأة، وأهلهم مرعوبين عليهم"، يقول في بداية حديثه لـ"الوطن".

ليست حالات الموت المفاجئ هي الموقف الوحيد الذي يؤثر في الطبيب الثلاثيني، وحسب وصفه، فهو يجد صعوبة أيضا في إبلاغ المرضى بحقيقة إصابتهم بفيروس كورونا، خاصة الحالات التي يبدو عليها الإنكار التام، "أصعب حاجة توصل للناس معلومة إن اللي عندهم كورونا أو اشتباه كورونا وبنحاول نمهد ليهم وبيحاولوا ينكروا التعب".

حسين: بعضهم بيكون في حالة اكتئاب وبيرفضوا الأكل

الأمر يختلف قليلاً، وإن تشابه في صعوبة المواقف، على أعتاب مستشفى قها لعزل مصابي فيروس كورونا في القليوبية، حيث يستقبل المرضى المحولين بالإسعاف بعد التواصل مع الخط الساخن 105 الذي خصصته الصحة لاستقبال شكاوى مصابي كورونا، وأغلبهم يكون المريض قد تأكد بالفعل من إصابته، "مش بنحتاج لسه نمهد ليه إصابته، هو بيكون جاي وحالته محتاجة رعاية طبية وعارف إنه مصاب كورونا"، يقول الدكتور حسين السيسي، أستاذ القلب والحالات الحرجة بالمستشفى.

مشاعر الخوف التي تسيطر على المصابين وأسرهم هي أكثر ما يؤثر في نفس الدكتور"السيسي"، وحسب روايته لـ"الوطن" فبعضهم بيكون في حالة اكتئاب، خاصة لو أسرة كاملة مصابة، وهنا قد يواجه الطبيب صعوبة في مساعدة المريض على الخروج من تلك الحالة النفسية.

"ممكن المريض يكتئب ويرفض الأكل وده مش بيساعدنا في علاجه"، يواصل طبيب القلب بمستشفى قها لعزل مصابي كورونا، حديثه عن المواقف الصعبة التي تواجهه خلال "النبطشية"، الأمر الذي يتطلب جهداً مضاعفاً من جانب الأطباء لدعم المريض نفسياً لتخطي تلك الحالة النفسية.


مواضيع متعلقة