5 سيدات يواجهن اندثار "الكتاتيب" بالفيوم: تحفظ القرآن وتواجه الإرهاب

كتب: أسماء أبو السعود

5 سيدات يواجهن اندثار "الكتاتيب" بالفيوم: تحفظ القرآن وتواجه الإرهاب

5 سيدات يواجهن اندثار "الكتاتيب" بالفيوم: تحفظ القرآن وتواجه الإرهاب

في منزلٍ بسيط خالٍ من الأثاث على ضفاف "ترعة" صغيرة، وتحيط به الأراضي الزراعية من كل جانب، وبداخله 5 غرف فُرشت أرضها بالحصير؛ يجلس عشرات الأطفال متراصين في حلقات، عقب صلاة العصر وحتى صلاة المغرب كل يوم لحفظ القرآن الكريم بداخل أحد "الكتاتيب" التابعة للمنطقة الأزهرية بمحافظة الفيوم.

وتقوم 5 سيدات، منّ الله عليهن بحفظ القرآن الكريم كاملًا في مرحلة مبكرة، بتحفيظ الأطفال القرآن بالطريقة النورانية، حيث تحرص كل أسرة على تحفيظ أبنائها القرآن منذ نعومة أظفارهم، بمجرد أن يبدأوا في نطق الكلام.

وفي الوقت الذي تنتشر في الهواتف المحمولة والإنترنت والتكنولوجيا، إلا أنّ "الكُتّاب" لا يزال تراث قديم يحافظ عليه أهالي قرية عزبة قلمشاه التابعة لمركز إطسا بمحافظة الفيوم من الاندثار، خصوصا أنه يساهم في تنشئة الأطفال بصورة صحيحة بعيدًا عن الأفكار المتطرفة.

"الوطن" حرص على متابعة الاطفال في الكتاب، للتعرف على كيفية حفظهم القرآن الكريم. 

تبدأ صفاء محمود عبد الحميد، تلاوة القرآن بصوت عالٍ، بينما يردد الأطفال وراءها بصوت عالٍ، حيث تعتمد على طريقة "التلقين" في الحفظ، وعقب الانتهاء من ترديد السورة عدة مرات كي يحفظها الأطفال، تجلس الملعمة بينهم، ثم تبدأ في "تسميع الماضي" لهم، أي السورة التي طلبت حفظها منهم في المنزل في اليوم السابق، بالترتيب من الجزء الثلاثين وحتى الجزء الأول، وذلك حتى ينتهي التلميذ من حفظ القرآن كاملًا.

تقول منار عويس، إحدى محفظات القرآن، لـ"الوطن" إنّها عقب الانتهاء من تلاوة وتسميع القرآن الكريم، تُعطي الطلاب دروسا من حياة الرسول وتعاليم الدين الإسلامي وسماحة الإسلام، كما تبين لهم الأفكار المتطرفة، وأن "من يقتل يدخل النار وليس من المختارين" مثلما يشيع الإرهابيون، وأن من يقتل سيدخل النار، ولن يدخل الجنة مثلما يروج المتطرفون.

ويكشف أحمد بكري، مدرس بأحد المعاهد الأزهرية، "مالك الكُتّاب"، أن أعمار الأطفال الذين يحفظون القرآن، تتراوح بين ثلاثة سنوات وحتى 14 عامًا، ومن يختم حفظ القرآن كاملًا يتوقف عن الذهاب للكُتاب، بينما يحرص عدد منهم على الاستمرار في الذهاب للكتاب للمراجهة كي لا ينسى ما حفظه.

وأشار "بكري" إلى أن أول من أنشأ الكتاتيب كان الصحابي أبو الدرداء، الفقيه، وهو أحد "كُتّاب الوحي" وذلك في عهد الرسول صل الله عليه وسلم، حيث كان يجتمع ما يبلغ من 10 آلاف رجل، وينقسمون لكل 10 رجال يقوم "مُلقن" بتحفيظهم القرآن الكريم بطريقة التلقين، وبعد ذلك انتقل أبو الدرداء إلى الشام خلال الفتوحات الإسلامية، ثم سن حلقات تحفيظ القرآن هناك، ولكنها انتشرت بقوة خلال العصر الأموي.

وأوضح "بكري" أنه حريص على تنظيم مسابقات شهرية لحفظة القرآن الكريم، ويتم تقديم جوائز بسيطة لهم لتشجيعهم على الحفظ وختم القرآن، كما أنهم يشاركون في مسابقات يتم تنظيمها في قطاعات المعاهد الأزهرية، بالإضافة إلى مسابقات أخرى تنظمها مديرية الأوقاف يحصل خلالها الفائزون على جوائز مادية وعينية وشهادات تقدير.

وأكد "بكري" على أن أهمية الكتاتيب ازدادت خلال الآونة الأخيرة، خصوصًا بعد انتشار الأفكار المتطرفة والجماعات الإرهابية التي تستقطب الشباب من ضعاف النفوس، مبينًا أنّ تحفيظ القرآن وشرح معناه للأطفال بالطريقة الصحيحة وتوجيههم للأفكار البناءة، بمثابة تحصين لهم منذ طفولتهم من اعتناق الأفكار المتشددة والمتطرفة.

وفي سياق متصل، كشف الشيخ سعيد مصطفى، رئيس قسم شؤون القرآن الكريم بالفيوم، أنّ المحافظة تضم 156 كُتّابًا تابعة للأوقاف، مقسمة على 45 مدرسة، تضم كل مدرسة 33 كتاتيب، بينهم 32 مدرسة تم اعتمادها من وزارة الأوقاف، بينما تم إرسال الباقي للوزارة ليتم اعتمادهم، بالإضافة إلى 6 كتاتيب حفيظ على الوضع يُحفظ فيها الأئمة الجدد، و11 كُتّاب عصري تم توزيعها على أئمة المساجد المتميزين و4 كتاتيب تابعين لمديرية التضامن الاجتماعي.

وكشف الشيخ سعيد، أنّ قريتي مطرطارس وأبو السعود، التابعين لمركز سنورس، هما الأعلى في حفظ القرآن الكريم، تليهما قريتي الروبيات بطامية والنصارية بأبشواي، لافتًا إلى أن طامية تضم أعلى نسبة من حفظة القرآن الكريم من خلال 21 كُتّاب تحت إشراف 20 محفظا تابعين للأوقاف.

وتعرف "الكتاتيب" بأنّها مدارس انتشرت في الدول الإسلامية والعربية قديمًا لتعليم الأطفال الكتابة والقراءة وحفظ القرآن، بالإضافة إلى القيم والآداب الدينية والأخلاقية، وتخرج منها أكبر علماء وقُرّاء القرآن الكريم، وأبرزهم الشيخ الشعراوي، وورفاعة الطهطاوي، وطه حسين، وغيرهم.

 


مواضيع متعلقة