قل: «لا مؤاخذة».. ولا تقل: «يسرى فودة» (1)

أشعر أحياناً أننى تعبت و«قرفت» من ملاحقة «مرتزقة 25 يناير»، وأن طاقتى ككاتب لم تعد تتحمل كثرة أعدادهم ودوافعهم المشبوهة وتبجحهم وسيرهم الشخصية والمهنية والسياسية الحافلة بالمواقف المخزية. فما أن أنتهى من فضح أحدهم وتمزيق شرنقته الثورية الزائفة.. حتى ينكشف الغطاء عن آخر، فإذا بى أمام «بكابورت» سحيق، يطفح عفناً سياسياً ومهنياً وأخلاقياً معتقاً، وتتدفق منه الأفكار والشعارات البذيئة مثل جحافل فئران موبوءة!. فى كل طلعة شمس يفاجئنا أحد هؤلاء المرتزقة وتجار الثورات بـ«حقيقته»، فأسأل نفسى والذين حولى: الدور على مين؟!.. وهل بقى لـ«25 يناير» شرفاء؟.. وإذا كان هناك شرفاء -وأغلب الظن أنهم يعدون الآن على أصابع اليدين- فما شعورهم وقد تحولت بقرتهم المقدسة إلى جيفة، تعشش فيها جراثيم الإرهاب والبلطجة والنحنحة؟!. ما شعورهم وقد تبين لهم الآن أن 99٪ من هتيفة التحرير، الواقفين إلى جوارهم وأمامهم وخلفهم، كانوا عملاء وخونة، وأنهم كانوا يتأرجحون بين خيانتهم لبلدهم وخيانتهم لرفقاء الميدان؟!. لست متأكداً مما إذا كان «يسرى فودة» عميلاً بحكم جينات كامنة فى طبيعته، أم لأن مهنة «الإعلام» يمكن أن تكون باباً لـ«العمالة» لدى ضعاف النفوس!. لكننى أتساءل -كلما شاهدت سحنته الناشفة التى تشبه سحنة جاسوس يهودى على فضائية «أون. تى. فى»- عن مدى فهم نجيب ساويرس (مالك القناة) لمعنى أن يكون المرء «وطنياً»، أو على الأقل «صاحب رسالة»!. ألا يشاهد نجيب ساويرس فضائيته ليتأكد أن هذا الـ«يسرى» وجه إعلامى يخفى «عميلاً» نموذجياً، وأن هذا الـ«يسرى» يتقلب بين المواقف والولاءات مثل لاعب سيرك فاشل ومفضوح؟. أى ليبرالية تلك التى تجعل رجلاً يكره الإخوان ويعرف قيمة ومهابة جيش مصر مثل المهندس نجيب ساويرس.. يسمح لمذيع فى فضائية يملكها باستضافة مجموعة من الأطفال فى إحدى حلقات برنامجه، ليهتفوا بملء أفواههم: «يسقط حكم العسكر»؟. أى ليبرالية تلك التى تتسامح مع هذا الكاره لبلده، وللجيش الذى -لا يسرى، ولا رفيقته فى البذاءة والانحطاط «ريم ماجد»، ولا تلك المخلوقة المهجنة «ليليان داود»- يساوون زراراً فى «أفرول» أصغر جنوده؟! أى ليبرالية تلك التى تجعل الأخ يسرى -فى المقابل- ينحنح ويمصمص ويتفسخ ألماً وحزناً على دماء الإرهابيين الذين يعتصمون فى رابعة والنهضة، ثم يطلق «عدودته» الأثيرة: «طول ما الدم المصرى رخيص.. يسقط يسقط أى رئيس»؟. أى ليبرالية تلك التى جعلته يتجاهل دماء شهداء الجيش والشرطة وكأنها ليست دماء مصرية؟!. أين يقف الأخ يسرى فودة.. ومع من: مع الدولة المصرية، أم مع إرهاب الإخوان وحلفائهم، أم مع مجده الشخصى وشهوته الطاغية للفلوس؟!. السيرة المهنية لهذا النحنوح تحيط بها شكوك وشبهات.. تكفى لتقديمه إلى محاكمة عاجلة وتطهير المجال الإعلامى من سمومه وأفكاره وفصاحته الخادعة. الملتوية. فقد عمل الأخ يسرى لفترة فى تليفزيون هيئة الإذاعة البريطانية منذ إنشائه كمراسل متجول.. حيث غطى حرب البوسنة وبعض مناطق التوتر فى الشرق الأوسط، وكان يعمل مذيعاً ومنتجاً فى الوقت نفسه فى برامج تتناول أحداثاً راهنة. كما عمل لفترة قصيرة فى تليفزيون وكالة أنباء الأسوشييتد برس.. حيث شارك فى إنشاء قسم الشرق الأوسط. وطوال هذا الجزء من رحلته المهنية كان الأخ يسرى مجرد نكرة، لا وزن له، لكن عمله فى قناة «الجزيرة» كان الجزء الأهم فى هذه الرحلة. وقد انضم إلى هذا المنبر الإعلامى الحقير منذ إنشائه عام 1996، حيث عمل مراسلاً لشئون المملكة المتحدة وغرب أوروبا، وشارك عام 1997 فى إنشاء مكتب «الجزيرة» فى لندن وشغل فيه منصب نائب المدير التنفيذى. وفى فبراير 1998 أطلق برنامجه الشهير «سرى للغاية»، وهو أقرب إلى تحقيق استقصائى تليفزيونى ناقش من خلاله عدداً من القضايا الحساسة وفتح الكثير من الملفات «المسكوت عنها». وبصرف النظر عن جاذبية هذا البرنامج وجماهيريته التى لم تكن تخطئها عين. فإن كثيرين لا يعرفون أن «سرى للغاية» لم يكن مجرد «برنامج تليفزيونى» ناجح، بل كان إحدى أدوات حكام قطر -ومن ثم المخابرات المركزية الأمريكية- فى اختراق تنظيم «القاعدة» والإبلاغ عن رموزه وقياداته المؤثرة، وعلى رأسهم «رمزى بن الشيبة» الذى تم القبض عليه فى سبتمبر 2002 فى باكستان. وكانت مصادر دبلوماسية عربية فى لندن قد كشفت عما وصفته بالدور الكبير والمهم الذى قامت به قطر فى اختراق «القاعدة»، وقالت المصادر إن المخابرات الأمريكية اتصلت بـ«حمد بن جاسم بن جبر آل ثانى» وزير خارجية قطر والمشرف على «الجزيرة» فور بث القناة حديث «ابن الشيبة» فى برنامج «سرى للغاية»، وطلبت منه إقناع مقدم البرنامج يسرى فودة بالتعاون مع الأجهزة الأمريكية لمعرفة مكان «ابن الشيبة» والوسيط الذى رتب اللقاء، لكن فودة رفض. فما كان من المخابرات الأمريكية إلا أن راقبت تليفون الوسيط الباكستانى وحددت مكانه وتم اعتقاله، ليعترف بمكان «ابن الشيبة»، ومن ثم القبض عليه وعدد من معاونيه بعد معركة حامية. وقد اعترف «ابن الشيبة» فى حواره مع يسرى بأنه «منسق اعتداءات 11 سبتمبر 2001» التى راح ضحيتها حوالى ثلاثة آلاف أمريكى.