"بداية جديدة" مبادرة ضد "الإدمان": الحياة لكل المتعافين

"بداية جديدة" مبادرة ضد "الإدمان": الحياة لكل المتعافين
- الإدمان
- علاج الإدمان
- المتعافين من الإدمان
- المخدرات
- المتعافين
- الإدمان
- علاج الإدمان
- المتعافين من الإدمان
- المخدرات
- المتعافين
«بداية جديدة» اسم أطلقه صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى على المبادرة التى يهدف الصندوق من خلالها إلى إعادة دمج المتعافين من الإدمان مرة أخرى إلى المجتمع بصورة سليمة وسوية، من خلال قروض ميسَّرة يمكن للمتعافى من الإدمان الحصول عليها من أجل البدء فى مشروع تجارى يساعده على الكسب والاندماج مرة أخرى فى المجتمع من حوله.
«الوطن» زارت مقر صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى بالقاهرة، فى محاولة لإلقاء الضوء على مردود هذه المبادرة على المتعافين ممن تمكنوا من الحصول على القرض، وتحدثت إلى عدد من المتعافين الذين حكوا عن رحلتهم مع الإدمان من أين بدأت وإلى أين انتهت، وكيف كانت مبادرة «بداية جديدة» بمثابة البداية الجديدة الحقيقية لهم من خلال مشروعاتهم التى يديرونها حالياً، كما حاورت استشارى علاج الإدمان بالصندوق، للوقوف على الطرق التى يتبعها الصندوق للوصول إلى طالبى العلاج من الإدمان وكيفية علاجهم والأهداف التى من أجلها أطلق الصندوق المبادرة ومردودها على أرض الواقع.
"محمود": خضت تجربة صعبة بدأت بالتدخين وانتهت بـ"البودرة"
«أنا من صغرى وأنا شغال، كان عندى 9 سنين وكنت شغال فى صالون حلاقة بسبب ظروف مادية وكان لازم أبقى مسئول عن نفسى، وكنت بروح المدرسة وأرجع أشتغل فى محل حلاقة لحد ما ربنا كرمنى وبقى عندى المحل بتاعى» بهذه الجملة بدأ الشاب الثلاثينى محمود محمد حديثه وهو فى هيئة مهندمة ووجه بشوش لا تفارقه ابتسامته، وصوت هادئ يتحدث به، ليحكى عن مرحلة هى الأصعب فى حياته، بدأت معه منذ طفولته عندما تأثر بصورة مباشرة بالبيئة المحيطة به فى ذلك الوقت.
وتابع: «بدأت الحكاية، كغيرها، بالسجائر، وكان ذلك فى المرحلة الإعدادية، وانتقلت منها إلى الحشيش، بمساعدة زبائن المحل الذى كنت أعمل به، وحبيت أجرب اللى بيعملوه، وتطور الأمر فيما بعد إلى ما هو أكثر من ذلك، فبعد فترة بدأت أدخل فى الترامادول، ووصلت إلى إنى ما بقيتش أعرف أشتغل إلا لما آخد البرشامة وأشرب حشيش».
دائرة معارف «محمود» بدأت فى الانحسار يوماً بعد الآخر، وانحصرت فقط فى زبائنه من بائعى ومتعاطى المخدرات، وأضاف: «الفترة دى الناس الكويسة اللى كانت بتحلق عندى بدأت تبعد عنى وبقى كل زباينى ناس بتبيع وبتشترى مخدرات، وبدأت آخد من سلوكياتهم وأعمل زيهم، وحياتى بدأت تتبدل، وبقيت أشرب كميات كبيرة لأن الحاجة بقت متوفرة تحت إيدى لدرجة إنها مابقتش تأثر فيّا».
ومع اختفاء مخدر الترامادول فى بعض الأحيان لجأ «محمود» إلى تعاطى البودرة، ما زاد من أزمته مع المخدرات، وتابع: ««قلت آخدها فترة مؤقتة لحد ما ألاقى ترامادول، بس حتى لما رجع الترامادول بقيت بآخد الاتنين مع بعض، ومن هنا الدنيا بدأت تبوظ مادياً لأن البودرة غالية».
محاولة «محمود» للإقلاع عن الإدمان خاضها مع والده بعدما علم بما هو فيه، إلا أنها لم تحرز نتيجة: «خدنى لدكتور وجبنا علاج وقعدت حوالى شهر آخد العلاج، وأول ما نزلت المحل لقيت نفسى بروح للمخدرات تانى، فانتكست ورجعت أكتر من الأول لأنى كنت بدأت أستلف من كل الناس ومارجعلهمش، فى الوقت ده حسيت إنى مش هعرف أبطل وإنى هموت كده، فزوّدت أكتر وخدت أفيون حقن، وده دمرنى أكتر مما كنت متدمر».
محاولات متكررة بعد ذلك للإقلاع عن الإدمان خاضها «محمود» ولم يجد معها نتيجة، حتى وجد نفسه وحيداً، منبوذاً من كل المحيطين به، فلجأ إلى الانتحار، وعن هذه التجربة قال: «خسرت كل حاجة حواليا، ومابقاش فيه حد عايز يقف معايا من اللى أنا بعمله بقيت أفكر بس ازاى ممكن أنتحر، وحاولت فعلاً أشنق نفسى بس ماعرفتش لأن أعصاب إيدى كانت اتدمرت».
تعاطى المخدرات عن طريق الحقن بكميات كبيرة كان هو الوسيلة التى لجأ إليها «محمود» بعد ذلك، الأمر الذى أدى به إلى طريق التعافى دون قصد منه، ووصف هذه المرحلة بقوله: «فضلت أحقن نفسى لحد ما رُحت فى غيبوبة وصحيت لقيت نفسى فى معهد السموم، وقتها والدتى خدتنى لدكتور عشان يخلينى أبطّل بس هو طلب فلوس كتير عشان أتحجز فى مستشفى، يومها شُفت دموع والدتى وهى بتسأله عن حل بديل لأن ماكانش فيه فلوس، فهو اللى دلنا على الخط الساخن بتاع صندوق مكافحة الإدمان، وفعلاً رُحت وبدأت رحلة علاجى وأنا حالياً بقالى 3 سنين و3 شهور متعافى».
تبدلت حياة «محمود» بعد التعافى بصورة كاملة، الأمر الذى جعله راضياً عن نفسه قبل أن يرضى عنه مَن حوله: «ده إحساس كبير جداً وبيشجعنى إنى أستمر فى اللى أنا فيه دلوقتى».
حصلت على قرض وأجهز حالياً لافتتاح صالون حلاقة.. والعودة لحياتى الطبيعية إحساس كبير جداً وبيشجعنى أستمر
بعد فترة من العمل مع الخط الساخن لصندوق مكافحة الإدمان، وقبل شهور قليلة، حصل «محمود» على قرض مبادرة «بداية جديد»، ليحقق المعنى الحرفى لاسم المبادرة، من خلال مشروعه الجديد: «فتحت صالون حلاقة ومستحضرات تجميل، والنهارده بشطّب فى المحل عشان أعمل الافتتاح».
"تامر": قررت أسلّم نفسى لـ"الصندوق".. ومن اللحظة دى عرفت إنى تعافيت
قبل 7 أعوام اتخذ تامر يسرى، الذى يبلغ من العمر حالياً 44 سنة، قراراً بالإقلاع عن المخدرات التى ظل يتعاطاها لنحو 23 عاماً، تناول خلالها أنواعاً كثيرة من المخدرات، بدأت بـ«الحشيش» بدافع حب الاستطلاع: «كان عمرى 15 سنة وقتها، وماكنتش أعرف إن ده ممكن يوصلنى لمرحلة إنى أفقد السيطرة على حياتى».
زاد حب الاستطلاع عند «تامر» مع مرور الوقت، فتعاطى «البرشام» ومن بعده الأفيون والهيروين، وكما الحال مع كل نوع جديد يقوم بتجربته، جرعات قليلة تزداد مع مرور الوقت، فى مرحلة يطلق عليها المتعافون اسم «الحفلة»، بحسب «تامر»: «ده الوقت اللى أنا باخد فيه مخدرات ومفيش مشكلات بتحصل حواليا، لحد ما الأمور تبدأ تتصاعد بشكل أصعب، وده اللى حصل معايا وكل اللى حواليا عرف إنى مدمن وبدأت أتخلى عن مقتنياتى وكل ما أملك، وبعت كل اللى ورايا واللى قدامى عشان بس أجيب مخدرات».
طرق «تامر» أبواب الإقلاع عن الإدمان أكثر من مرة بالطرق التقليدية من خلال حبس نفسه فى المنزل بعضاً من الوقت ظناً منه أن ذلك قد يكون كافياً، الأمر الذى لم يُجدِ معه نفعاً: «وقتها كنت عايز أعمل ده وأنا متدارى، ماكنتش أعرف إن ده مرض وفاكر إنى لو حبست نفسى شوية الموضوع هيخلص، وفعلاً كنت بحبس نفسى ومجرد ما أنزل أرجع تانى أتعايش بنفس الأسلوب ونفس الأفكار بدون أى تغيير، بس ده لأنى كنت بحاول أبطل عشان أهرب من خساير الإدمان مش عشان قرار داخلى من جوايا إنى عايز أبطل لنفسى».
أحييت بالقرض محل والدى بعد ما كنت باخد فلوسه وبضيّعها على المخدرات.. و"بداية جديدة" أعادتنى للحياة
وفاة والدة «تامر» كانت هى النقطة الفارقة فى مشواره مع الإدمان، فبعد 3 أعوام قضتها الأم على فراش المرض وهو غير واعٍ بسبب ما يتعاطاه من المخدرات، كانت الصدمة التى أعادته لوعيه هى خبر الوفاة: «بعدها خدت قرار إنى أروح أسلّم نفسى لصندوق مكافحة الإدمان من غير ما حد يقول لى روح، من اللحظة دى أنا تعافيت، وبالفعل سلّمت نفسى للمكان واتحجزت 90 يوم فى مستشفى الخانكة، بعد كده اتحطيت فى احتواء كبير من الفريق العلاجى بشكل منتظم».
رحلة التعافى أعادت «تامر» إلى حياته مرة أخرى، ليكتشف أنه أضاع كل ما يملك فى فترة الإدمان: «والدى كان عنده محل تحف وهدايا، وكنت طول الوقت واخد فلوسه مضيّعها على المخدرات لحد ما المكان بقى عبارة عن كراتين فاضية».
كانت المفاجأة بالنسبة لـ«تامر» توفير صندوق مكافحة الإدمان لقرض قد يساعده على استعادة حياته مرة أخرى، الأمر الذى لم يتردد فى اللجوء إليه: «لولا مبادرة بداية جديدة اللى عملها الصندوق ماكناش هنعرف نقف على رجلينا تانى، لأنى لو كنت فضلت من غير مشروع أو من غير دخل ده فى حد ذاته فى علاج الإدمان اسمه إحساس بالدونية وبيسبب ضغط نفسى وممكن يكون سبب لأن المتعافى يعود مرة تانية لتعاطى المخدرات».
حصل «تامر» على القرض قبل 3 أعوام، ليعيد به إحياء محل والده مرة أخرى، الأمر الذى يسعده حتى الآن: «بدأت مرة تانية إنى أوقّف المحل على رجليه وجبت بضاعة ووسعت دايرة شغلى، وده طبعاً عمل لى انتعاشة نفسية عالية جداً وحسيت إن التعب اللى أنا تعبته عمّ عليا بفايدة كبيرة»، ليختم «تامر» حديثه قائلاً: «التعافى وعى، وإحنا كان عندنا مفاهيم مغلوطة لأن المدمن طول الوقت عايش فى صندوق زجاجى، شايف الحياة بعينيه بس لكنه مايعرفش هى بتتعاش إزاى، وأنا فضلت فى الصندوق ده 23 سنة وبحمد ربنا إنى خرجت منه».
"أيمن": بقيت إنسان جديد.. وبحاول أصلح اللى عملته لأن أهلى مالهُمش ذنب
رحلة إدمان بدأت منذ الطفولة، كانت شرارتها خلافات أسرية بين أيمن حسن ووالده، كان «أيمن»، البالغ من العمر حالياً 43 عاماً، فى منتصف عقده الثانى حينها، ذلك الوقت الذى كان يعمل فيه الطفل مساعداً لوالده فى محله للحلاقة: «خلافاتى مع والدى كانت بتخلينى أسيب البيت وأروح أقعد عند جدتى، ومن هنا بدأت أشرب سجاير وبعد كده بانجو وحشيش، وكان الموضوع تفاريح».
خلافاتى مع والدى كانت بتخلينى أسيب البيت ومن هنا بدأت أشرب سجاير وبعد كده بانجو وحشيش وكان الموضوع تفاريح
مع مرور الوقت تحكمت المخدرات فى «أيمن» بصورة كاملة، وأصبحت هى الأساس فى يومه: «اتحولت معايا من مجرد كيف لأنى بعتمد عليها فى كل حياتى ووصلت لأنى كنت باخد شريط ونص برشام تامول فى اليوم، ولما غلى التامول كانت البودرة رخيصة خدتها».
لم تترك المخدرات شيئاً فى حياة «أيمن» إلا وخربته، علاقته بأسرته تلاشت، وكان دائم الإهانة لزوجته، حتى أطفاله لم يكن الأمر بينهم على ما يرام، ويوم وفاة والده لم يكن مدركاً لما يدور من حوله: «وقت الوفاة كنت واقف فى الغسل مفيش عندى أى أحاسيس أو مشاعر، فى المرحلة دى كان عندى لا مبالاة ماحسيتش بيها إلا لما تعافيت من تعاطى المخدرات».
تحول «أيمن» فى آخر عهده بالإدمان إلى تعاطى المخدرات عن طريق الحقن، الأمر الذى لم يتحمله من المرة الأولى، وهو ما كان سبباً فيما بعد إلى اتجاهه لطريق الإقلاع: «أول مرة حقنت فيها عملت عندى أوفر دوز وكنت هموت، بعدها فكرت فى الانتحار، لأن كان عندى قناعة إنى مستحيل أبطل، لحد ما عرفت إن فيه صندوق لمكافحة الإدمان سألت عنه ولما رُحت لقيت المعاملة مختلفة، ولقيتهم بيتعاملوا معايا على إنى مريض مش مجرم، وده اللى فرق معايا جداً».
تعافى «أيمن» من الإدمان منذ نحو 5 أعوام، وعاد مرة أخرى إلى حياته الطبيعية فعادت علاقته الطيبة بأسرته وساد الحب مرة أخرى بينه وبين من حوله: «علاقتى بأسرتى اختلفت تماماً بعد التعافى، أنا أختى كانت بتخاف إنى أروح عندها، دلوقتى هى اللى عايزانى أروح لها وأسأل عنها، ولادى دلوقتى بيتحاموا فيّا من أمهم بعكس ما كانوا بيخافوا منِّى، واللى بحاول أعمله دلوقتى إنى بشكل غير مباشر أصلح اللى أنا عملته، لأنهم مالهُمش ذنب».
مبادرة «بداية جديدة» كانت اسماً على مسمى بالنسبة لـ«أيمن»، فمن خلالها حصل على قرض ليبدأ بالفعل بداية جديدة بعيداً عن تلك الحياة التى انغمس فيها لأكثر من عقدين من الزمان، ليعبِّر عن ذلك قائلاً: «اللى ما كُنتش متخيله إنى بعد العلاج آخد قرض كمان، وفعلاً خدت قرض واشتريت تروسيكل وبقيت أشيل عليه بضاعة من المحلات للناس»، ومع الوقت وبصورة تدريجية عاد «أيمن» مرة أخرى إلى مهنته الأساسية «الحلاقة»، ولكنه عاد إليها كـ«إنسان جديد» ودَّع حياة الإدمان فى مرحلة لن ينساها من عمره.