دفتر توفير «كافر»
حاول الرئيس الراحل أنور السادات إضفاء هالة خاصة على نظام حكمه، فبعد أن تحالف مع جماعة الإخوان حاول منافستها شعبياً فرفع شعار «دولة العلم والإيمان» ولم يعرف وهو يفعل ذلك أنه منح قبلة الحياة إلى الجماعة وأعد طلقة النهاية التى انطلقت على جسده فأزهقت روحه بعد 10 سنوات.
وفى التاريخ يمكنك أن تخطئ مرة، لكن أن تخطئ مرتين، فهناك خلل عليك أن تتبيّنه، أما لو أخطأت الثالثة فهى القاضية لا محالة، والرئيس الأسبق حسنى مبارك لم يتبين هذا الخطأ فتسبب فى هذا الخلل الذى أصابنا بتحالفاته غير الرسمية مع الدولة الدينية طوال عقود حكمه، حتى أصابنا ما أصابنا.
المثير أننا نرتكب الخطأ ذاته للمرة الثالثة، ففى ظل حكم الرئيس السيسى تعلن هيئة حكومية عن إصدار أول دفتر توفير إسلامى!!! وقبلها يصدر قرار سيادى بتأسيس هيئة الزكاة، وهكذا نعود إلى الخلف ونمنح للمظاهر الكاذبة الخادعة قبلة الحياة ونهبها كل الممكنات للتحكم فى شئوننا، ونضفى على حياتنا صبغة دينية هى مظهر حق يراد به باطل.
اللافت أنك لا تفهم معنى «دفتر توفير إسلامى»، وكأن ما دونه ليس إسلامياً، وكأن الدولة تصدر دفتر توفير مؤمناً ودفتر توفير كافراً وعليك الاختيار، وهل يمكنك وقتها أن تطلب دفتر توفير «مش إسلامى يا كافر»، وهكذا تمنح الدولة صكاً بالإيمان والكفر لمواطنيها، سيستخدمه لاحقاً معارضوها فى اتهامها بالكفر، كما فعلوا مع «السادات» ومع «مبارك» من قبل.
الشاهد أيضاً أن بمصر بنكاً يسمى بنك ناصر الاجتماعى، وهو من اسمه تحددت صفته، وهو فعلياً «بنك زكاة»، لكننا نهمله ونحيله إلى بنك تجارى ونلجأ إلى أشكال إسلامية، متوهمين القدرة على محاصرة أفكار غيرنا، واستخدمها لصالحنا، حتى ننزع عن منافسينا أبرز ما لديهم من أدوات.
لقد كان «السادات» سياسياً من الطراز الأول، قادراً على تبين الخيط الأبيض من الأسود، ورسم خريطة استراتيجية سياسية متميزة، وأكسبته الحياة والأزمات التى مر بها قدرة هائلة على التعامل الذكى مع المواقف، فبلغ رئاسة مصر، رغم كل الأمواج التى لطمته على مدار مسيرته، التى تمكن من التفوق عليها ببراعة حتى هزمها كلها إلا واحدة أطاحته فى يوم مجده.
«السادات» سمح بكل مظاهر الدولة الدينية شعبياً، فكانت انطلاقات أنصار الجماعة فى الجامعات، وتحالفات الإخوة مع الأمن، ومسيرات الصلاة فى الشوارع، واحتلال الميادين لإقامة صلوات العيد بعيداً عن رقابة الدولة، وانتشرت فروع البنوك الإسلامية، وتضخم الوحش حتى سيطر على الشارع ووجدان الناس ووعيها بشعارات دينية كاذبة، لكنها قادرة على استقطابه. المضحك المبكى أن البعض استهان بكل تلك المظاهر، بل سخر من تحذيرات من تنبه إليها، والآن نعيد إنتاج الحالة نفسها بالروح ذاتها غير العابئة أو المنتبهة إلى مخاطر ما يحدث، وباستخدام الألفاظ نفسها المستهترة الساخرة.. يا ترى «صليت ع النبى النهارده كام مرة؟؟».