مشردة بس نزيهة.. اشترطت أكل فراخ وشرب مياه معدنية للإقامة بدار رعاية

مشردة بس نزيهة.. اشترطت أكل فراخ وشرب مياه معدنية للإقامة بدار رعاية
التشرد والإقامة في الشارع لم يكن أمرا قهريا بالنسبة لها، إنما اختيارا سعت إليه بإرادتها، حتى تتمكن من أن تعيش حياة مرفهة، إذ لم يقنعها العيش في منزلها راضية بما قسمه الله لها، وظلت تتنقل في رحلة متكررة بين الميادين العامة وبيوت الإيواء المختلفة.. فوق كرسي متحرك كانت تجلس "منى الوزيري" 65 عاما، أمام كلية الزراعة جامعة القاهرة، على مدار عامين تقريبا، قبل أن تستقر مؤقتا، داخل إحدى دور المسنين بمحافظة الشرقية.
لم تطق السيدة الستينية، الاستمرار داخل الدار طويلا، فسرعان ما قررت العودة إلى الشارع الذي كانت تجلس فيه سابقا، ومنه عادت مرة أخرى إلى إحدى بيوت الرعاية في منطقة بولاق الدكرور بالجيزة، محطات وصولات متكررة، خاضتها "منى" فوق كرسيها المتحرك، الذي كان قد تبرع لها به أحد الأشخاص، بعدما تأثر بعجزها.
أشقاء "منى" كانوا على علم بكل ما تفعله، يعرفون جيدا الأماكن التي تجلس فيها وتفاصيل تنقالاتها الكثيرة، لكن السر الغريب في تركها، كان أسلوب حياة تلك السيدة المسنة، التي تعيشها بـ"مزاج" شديد، دون اقتناع بظروفها، رافضة الاعتراف بأنها مشردة، فهي لا تأكل إلا نوعيات معينة من الطعام، ولا تشرب سوى المياه المعدنية.
لم يتحمل أخواتها طلباتها الكثيرة، فهي فقيرة لا تملك من الدنيا شيئا، لكنها تتمتع بـ"النزاهة"، فلا تأكل "منى" إلا ما يلذ لها، تشرب المياه المعدنية، تأكل اللحوم، وتعشق الفراخ المشوية، ومع ظروف الحياة الصعبة، ورفضها الواقع الذي يعيشوه، طردها أهلها لعدم قدرتهم على تحمل مصاريفها اليومية، خاصة أنها لم تتزوج، فلم تجد شخصا يتحمل نفقات معيشتها.
تحكي سامية سيد، صاحبة دار روضة الحبيب في منطقة بولاق الدكرور، أنها منذ فترة تلقت استغاثة من أحد الأشخاص، تفيد بضرورة إنقاذ مسنة من الشارع بسبب برودة الطقس الشديد، وللاعتناء بها أيضا، مضيفة أنها عانت معها لإقناعها بالمجئ إلى الدار.
واستمرت معاناة "سامية"، بسبب طبيعة "منى" الغريبة، فهي مشردة، لكن لا تقتنع بذلك: "هي تعبتني جدا في كل حاجة، مابتشربش غير مياه معدنية، وأكلها لازم يكون فراخ مشوية أو كفتة، والعشاء جبنة رومي، أوقات كتير مابترضاش تاكل لما نعمل كشري مثلا، بجيبلها أكل مخصوص، ولو جبت لها زجاجة مياه مقفولة من الحنفية مابترضاش بيها، وبتقرف تشرب من الحنفية".
لم تقتصر معاناة "سامية" في طلبات "منى" الغريبة، فهي رغم قسوة أخواتها عليها، ترغب في العودة إليهم، وفي كل مرة يطردونها، إذ تقص أنه في إحدى المرات، أصرت "منى" على الذهاب إلى أشقائها لاشتياقها لهم، لكن المفاجاة أنهم رفضوا استقبالها أو رؤيتها: "كانت هتطير من الفرحة وإحنا رايحين، لكن اتفاجئنا أنهم بيقولوا مش مستحملينها، ومش عاوزينها معانا، وقالوا لما تموت هاتيها وإحنا ندفنها".
منذ حوالي شهرين، أتى شقيق "منى" إلى الدار طالبا عودة أخته، ومتعهدا بحسن معامتها وعدم تركها في الشارع مرة أخرى، ولأنها تعشق أخوتها كثيرا، لم يقدر أحدا على منعها من الذهاب معه، لكن لم يتحملها أخيها إلا شهرا وبضعة أيام، لتنتقل إلى شارع جديد تجلس فيه، كأنها تهوى الشوارع
تقول سامية: "لما أخوها جه يستلمها مضيته على إقرا أنه يحافظ عليها، لكن كالعادة ملتزمش بيه، وبالصدفة لقيت حد بيكلمني ويقولي إنها في الشارع، ورحت تاني أخدتها وأهي عايشة معايا، بس متعبة جدا بسبب طلبتها".