نباح كلاب وترزيع أبواب وصوت يلقي السلام.. أسرار يرويها حانوتي المشرحة

كتب: أحمد ماهر أبوالنصر

نباح كلاب وترزيع أبواب وصوت يلقي السلام.. أسرار يرويها حانوتي المشرحة

نباح كلاب وترزيع أبواب وصوت يلقي السلام.. أسرار يرويها حانوتي المشرحة

في عالم الأموات أمور تحدث لا يمكن أن يصدقها عقل بشري، وأخرى لازالت قيد التفكير ولم يتوصل العقل البشري لاسبايها، كيف لجثة هامدة أن يصدر عنها أصوات غريبة، وهل يمكن أن تفتح أبواب من تلقاء نفسها دون أن يمسسها بشر، وإن كان الأموات يصدرون تصرفات غريبة فلماذا هم نيام؟، وإن صح ما يقال حول بعض الأصوات الغريبة والحركات التي لا يوجد لها تفسير يقبله العقل فلماذا لا يقوم الميت بستر عورته عن غاسله؟.

أصوات غريبة ونباح كلاب وتخبيط داخل ثلاجات الموتي ليلا، وصوت بشري يلقي السلام على الحانوتي، ربما لا يمكن لأحد تصديق تلك الأمور، ولكن حينما يرويها الحانوتي فربما يدخل إلى عقولنا نسبة شك ضئيلة حول صحة تلك الروايات، فليس كل ما يقال يمكن تصديقه بالفعل.

هناك أسرار يخفيها الحانوتي بحكم مهنته التي تعتمد على ستر أسرار الموتي وعدم إفشاء سرًا لهم مهما كانت الأسباب، ولكن ما يقوله أحمد نيازي، حاونتي مشرحة زينهم لا يخرج عن كونه مشاهدات رآها بعينه وسمعها بحواسه وأدرك أنه لا يحلم حينما كرر عليه صديق له بعض الأمور التي حدثت أمامه، ولم يصدقها نظرًا لصعوبة تحملها، فلا يمكن لأي بشري أن يجلس بين أشلاء جثث بشرية ويراقب ما يجري هناك إلا ذو قلب فولاذي.

لمدة 4 أعوام ظل "نيازي" يعمل داخل المشرحة، فوظيفته تلك تقتصر على غُسل الموتي وتجهيزهم لما بعد الحياة الدنيا، من خلال الصالة الموجوده داخل المشرحة، والقطعة الحجرية الملساء التي تشبه السرير والتي يتم عليها تشريح الجثمان تمهيدًا لكتابة تقرير طبي حول أسباب الوفاة، وبعدها يتسلم" نيازي" مهمته.

اعتاد مغسل الأموات على رؤية الجثامين المتعفنة، وكذلك رفات من تحطمت بهم الطائرة الفرنسية التي سقطت قبل أعوام داخل البحر الأبيض المتوسط قبالة السواحل المصرية، والمتفحمين جراء حادثة قطار العياط، وكذلك من غرقوا في العبارة السلام، إلي جانب مشاركته في تغسيل أولتراس النادي الأهلي. 

يتذكر حاونتي المشرحة أول يوم عمل له، حينما جاء في ساعة متأخرة لاستلام مهام عمله الجديد، الذي لا يعلم الكثير عنه سوى أنه سيقوم فقط بتغسيل الأموات، الأمر يعد بسيط بالنسبة له، لأنه اعتاد علي تغسيل الأموات قبل ذلك، ولكن ثمة شيء مختلف نوعًا ما داخل المشرحة، وهو أن الجثامين يكتب عنها تقرير طبي مفصل بالحالة بعد التشريح وهو الأمر الذي يزيد من صعوبة مهنة حاونتي المشرحة، نظرًا للحالات الغريبة التي يشاهدها يوميا، ورفات الأموات التي يتعين عليه أن يضعها داخل أكياس بلاستيكية كل قطعة بمفردها تمهيدًا لتسلميها لذوية: "اشتغلت علي حادثة الطيارة، كان فيه طيارة انفجرت في البحر المتوسط، كانت تابعة لشركة مصر للطيران، وكانت جاية من فرنسا، ترانزيت تركيا، وانفجرت علي السواحل المصرية، وقتها مطلعوش 66 من الأشلاء، ودي جات على مشرحة زينهم، كل حالة اتعمل لها بصمة وراثية، اتخفظت في التلاجات، وبعد كده حطينا كل قطعة من رفات شخص في كيس، وكل كيس يتحط داخل صندوق لوحده كإنها جثة، علشان تسليمهم لأهلهم".

مع اليوم الأول للعمل أيقن الأربعيني، أن هذا العمل يختلف بكثير عن الحالات التي كان يذهب إليها متطوعًا، نظرًا لأن المشرحة جميع الجثامين الموجودة بها حوادث جنائية:" أول يوم بيكون صعب، الواحد مش مهيء، يومها كنت هناك الساعة 8 الصبح، طبعا الموضوع مكنش سهل لأني كدة هشتغل بنفسي، ودي أول مرة أتعامل بإيديا في حالات التشريح، لكن بعد 4 أيام تحديدًا كنت خلاص اتعلمت كل حاجة".

مشاهد عديدة لازالت عالقة في ذهن "نيازي" بداية من سماع صوت يلقي عليه السلام وهو يقوم بتغسيل جثة قتيل حتى سماع صوت نباح كلاب داخل تلاجة الموتى، على الرغم من تأكده من غلق جميع الأبواب والنوافذ، وعدم وجود كلاب بالقرب من نطاق المشرحة: "كلنا عارفين إن فيه أصوات غريبة وحركات مخيفة بتحصل جوه المشرحة لكن عادي اتعودنا على كده، لكن أنا عن نفسي، كنت بقفل جثة واحد مقتول وفجأة سمعت صوت ست بتقولي السلام عليكم، جسمي اترعش فجأة وبصيت ورايا ملقتش حد".

تسارعت ضربات قلب الأربعيني وعلم أن تلك الليلة لن تمر مرور الكرام فكيف له أن يسمع صوت داخل صالة الغسل وكان قد تأكد أنه لا أحد غيره داخل الصالة؟: "تمالكت أعصابي وكلمت صاحبي حكيلتله قالي اشتغل وانت ساكت ومتركز، واوعى تبص وراك أو تفكر كتير، وكويس إنها قالت السلام عليكم".

لم تكن تلك المرة هي الأخيرة التي يسمع فيها "نيازي" أصوات غريبة ولكن تصداف وجوده ذات يوم حينما سمع صوت نباح كلاب صادر من الثلاجات: "باب التلاجة بيفتح لوحده ويترزع رغم أنه علشان يتفتح محتاج عزم وقوة وضغط جامد، ده غير بقي صوته العالي جدا لما يتقفل فجأة وأنا أكون قافلة أصلا"، وتابع: "ممكن تبقى ماشي وتلاقي خيال ماشي وراك ودي بتحصل يوميًا مش جديدة يعني"

ظل "نيازي" أشهر عديدة يرفض تناول الفراخ المشوية نظرًا لصعوبة المشهد الذي رآه، حينما جاءت إلى المشرحة جثث متفحمة جراء حادثة قطار العياط: "فيه حالات محدش يقدر يشوفها، حتى أهل المتوفي حالات متفعنة، بنشيل الجلد، ونبدأ نغسل ونلف الكفن، الحروق صعبة جدا لكن أصعب جثة هي الغريق، لأنها بتكون منفوخه، وبتحتاج شغل كتير وبقف علي كرسي علي أتمكن منها".

يحكي "نيازي" ما حدث يوم واقعة استاد بورسعيد، حينما جاءت الجثامين محمولة على طائرة للمشرحة وظل هو وزملائه يعملون طوال الليل حتى تمكنوا من إنهاء تغسيل كافة الحالات ولم بتبقي سوى 3 حالات صعب التعرف عليهم. 


مواضيع متعلقة