"فورين بوليسي": فرض نفوذ سياسي وصراع على الموارد سبب الصراع في إثيوبيا

كتب: وكالات

"فورين بوليسي": فرض نفوذ سياسي وصراع على الموارد سبب الصراع في إثيوبيا

"فورين بوليسي": فرض نفوذ سياسي وصراع على الموارد سبب الصراع في إثيوبيا

تبدو الأزمة التي تعيشها إثيوبيا حاليًا صراعًا سياسيًا على خلفية الحكم الذاتي، لكن الواقع أن النزاع بين أديس أبابا وإقليم تيجراي أعمق بكثير مما يبدو عليه.

وبحسب تحليل لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، فإن الصراع الإثيوبي في الأساس يتمحور حول الموارد الاقتصادية في المقام الأول، ثم النفوذ السياسي في البلاد ككل.

وشن رئيس الوزراء أبي أحمد حملة عسكرية على منطقة تيجراي شمالي البلاد، في الرابع من نوفمبر الجاري، بهدف معلن هو إطاحة الحزب الحاكم فيها، الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، التي يتهمها بتحدي حكومته والسعي لزعزعة استقرارها.

وشكّل ذلك تطورًا كبيرًا في الخلاف بين الحكومة الفدرالية والجبهة، التي هيمنت على مقاليد السياسة الوطنية بالبلاد لما يقرب من 3 عقود حتى اندلاع الاحتجاجات التي أوصلت أحمد للحكم في 2018.

وقُتل مئات الأشخاص في النزاع الدائر منذ أسبوعين في ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان، وفر عشرات الآلاف صوب السودان المجاور.

ويبلغ عدد سكان تيجراي حوالى 5 ملايين نسمة، حيث يتمتع بحكم شبه ذاتي ضمن النظام الفيدرالي في إثيوبيا، ويحكم الإقليم الجبهة الشعبية، ورئيسها جبرا ميكائيل.

وقادت حركة تيجراي تحالفًا حاكمًا في إثيوبيا يتكون من 4 أحزاب تحت مسمى الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي، واحتفظ التحالف بالسلطة لمدة ربع قرن.

وطوال هذه السنوات، رسخت الجبهة أقدامها في المؤسسات الاقتصادية والأمنية الاتحادية.

وتقول "فورين بوليسي" إن رئيس الوزراء الإثيوبي "يحارب النظام القديم في البلاد الذي يسعى إلى استعادة النفوذ الاقتصادي والسياسي الذي كان يتمتع به"، والمقصود هو الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي.

ويعتبر محللون من خارج إثيوبيا أن جذور الخلاف بين المنطقة والحكومة الفيدرالية تعود إلى دستورية قرار البرلمان تأجيل الانتخابات المحلية والوطنية، بسب فيروس كورونا.

وأجرى قادة تيجراي الانتخابات المحلية في تحد للحكومة المركزية في أديس أبابا، وفازت الجبهة بجميع المقاعد، ورد البرلمان الفيدرالي باعتبار النتائج لاغية وباطلة.

لكن آخرين رأوا أن الاختلافات الأيديولوجية السائدة بين أحمد وجبهة التحرير هي المصدر الرئيسي للخلاف، غير أن هذه الأمور لا تفسر تحول الخلافات إلى مواجهة عسكرية، بحسب "فورين بوليسي".

وقالت المجلة الأميركية إن "الحرب في النهاية هي على اقتصاد إثيوبيا ومواردها الطبيعية، ومليارات الدولارات التي تتلقاها البلاد سنويًا من المانحين والمقرضين الدوليين".

وإدارة هذه الأمور من صلاحيات الحكومة المركزية، التي سيطرت عليها الجبهة الشعبية لنحو 3 عقود، قبل أن يتولى أحمد رئاسة الحكومة في أبريل 2018، بعد احتجاجات واسعة النطاق ضد الحكومة.

و"بعبارة أخرى، هذا ليس صراعًا حول من سيحكم تيجراي، فهي منطقة صغيرة ولا يمثل سكانها سوى 6 بالمئة من إجمالي سكان إثيوبيا البالغ عددهم 110 ملايين نسمة"، حسب المجلة التي قالت إن أحمد "يصر على استعادة السيطرة الاقتصادية على البلاد بأي ثمن كان".

وهيمنت الجبهة الشعبية على البلاد بعد أن أطاحت الحكومة العسكرية التي كان يتولاها هايلي مريام ديسالين عام 1991، وحكم زعيم الجبهة رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ميليس زيناوي البلاد بقبضة حديدية، حتى وفاته في عام 2012.

وخلال هذه السنوات، كانت الجبهة تسيطر على كافة المناصب السياسية، فمثلاً المدير الحالي لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، كان عضوًا في قيادة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، وشغل منصب وزير الصحة لسنوات، كما كان جميع رؤساء المخابرات والقادة العسكريين في البلاد من الجبهة.

وأدت القوة السياسية والعسكرية للجبهة إلى هيمنة اقتصادية، حيث مكنت قادتها من ممارسة السيطرة الكاملة على اقتصاد البلاد ومواردها الطبيعية.

وفي السنوات الأخيرة، تلقت إثيوبيا ما معدله 3.5 مليار دولار من المساعدات الخارجية سنويًا، كما حصلت الحكومة التي تقودها الجبهة على مبالغ كبيرة من القروض من الدائنين في القطاع الخاص والحكومات، وخاصة من الصين، التي وصلت إلى 60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد عندما تولى أحمد السلطة.

وورث الرئيس الحائز على جائزة نوبل احتياطيات ضئيلة من النقد الأجنبي، مما وضع حكومته تحت الضغط، إذ اضطر إلى طلب تأجيل وإعادة التفاوض بشأن شروط هذه القروض من الدائنين

علاوة على ذلك، فإن الدستور الذي أدخلته الحكومة بقيادة جبهة التحرير الشعبية لتحرير تيجراي عام 1994، سمح فقط بالملكية العامة للأرض، مما أعطى المسؤولين الحكوميين حق الوصول غير المقيد إلى موارد الأراضي الوفيرة في الأجزاء الجنوبية من البلاد، فعملوا على تأجير هذه الأراضي للمستثمرين الأجانب والمحليين بعقود طويلة الأجل، مما أدى إلى تكديس مليارات الدولارات في هذه العملية.

وقالت تقارير إنه بحلول عام 2011، تم تأجير 3.6 مليون هكتار من أراضي إثيوبيا لمستثمرين أجانب، وهي مساحة تعادل مساحة هولندا، وكانت الجهة المستفيدة هي جبهة تيجراي.

ولم يتوقف الأمر على ذلك، فقد سيطرت الجبهة على قطاعات الاقتصاد الإثيوبي من خلال الشركات التابعة لتكتلها الضخم، صندوق الهبات لإعادة تأهيل تيجراي، وكانت إدارة الشركات الكبرى التابعة لهذا التكتل تحت سيطرة الجبهة.

وكان واضحًا منذ أمد بعيد أن الهيمنة السياسية للجبهة الشعبية لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، وهذا ما حدث في احتجاجات 2018، التي أوصلت أحمد إلى سدة الحكم.

ومنذ وصوله إلى السلطة في 2018، هددت حكومته الهيمنة الاقتصادية الطويلة للجبهة الشعبية في إثيوبيا، إذ بذل جهودًا جبارة من أجل تحجيمها، فعمل على خصخصة الشركات التي تسيطر عليها، إلى جانب إجراء تعديلات حكومية هدفت إلى السيطرة على الأموال الموجودة خارج النظام المالي التي يحتفظ بها المسؤولون الحكوميون.

وأدت إصلاحات "أحمد" إلى تقليص نفوذ الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي في القطاع الأمني، إذ أقال رئيس جهاز الأمن جيتاشيو أسيفا، الذي يوصف بـ"الرجل المخيف".

وفي 23 يونيو 2018، أي بعد ما يقرب من 3 أشهر من تولي أحمد السلطة، تعرض لمحاولة اغتيال، وخلصت السلطات إلى أن الجبهة الشعبية متورطة بها، بما يظهر شدة الصراع بين الطرفين.

وتخلص "فورين بوليسي" إلى أن الصراع الحالي لا يدور حول من سيحكم الإقليم الشمالي، بل حول الإجراءات الاقتصادية والسياسية التي يقوم بها أحمد بلا هوادة، وهي خطوات يرى قادة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي أنها تهدد بشكل غير مقبول الهيمنة التي تمتعوا بها منذ فترة طويلة.


مواضيع متعلقة