كيف سيرفض بايدن "صديق الكردستان" ممارسات أردوغان؟ عكس ترامب

كيف سيرفض بايدن "صديق الكردستان" ممارسات أردوغان؟ عكس ترامب
أثار انتخاب المرشح الديمقراطي جو بايدن رئيسًا للولايات المتحدة تفاؤلًا بين الأكراد في العراق وسوريا بشأن العلاقات مع واشنطن، ويُمكن ملاحظة ذلك من إرسال مسؤولي الأكراد في العراق وسوريا رسائل تهنئة فورية إلى بايدن، حيث أعاد انتخابه الثقة لهم في استعادة المساندة الأمريكية لهم، وهي ثقة افتقدوها خلال حكم الرئيس الحالي دونالد ترامب الذي تخلى عن الدعم الأمريكي التقليدي للأكراد على الرغم من كونهم شركاء للولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي.
ورأى تقدير موقف لـ"المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية"، أن هذا شجع تركيا على توجيه عدة ضربات عسكرية لمناطق تمركزهم في الشمالين السوري والعراقي، فقد نفذت أنقرة أربع عمليات عسكرية كبرى ضد الأكراد بمعدل عملية كل عام تقريبًا هى: "درع الفرات" في 2016 و"غصن الزيتون" في 2018 و”نبع السلام” في 2019، و”مخلب النمر” في 2020، هذا إلى جانب الهجمات السريعة التي تشنها بين الفينة والأخرى.
وفي تركيا، تصاعدت حملات القمع ضد الأكراد وشملت عمليات استهداف وقتل ممنهج لعناصرهم، وإقالة رؤساء البلديات المنتخبين من الأكراد واستبدالهم بشخصيات موالية للنظام، وسجن الزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرطاش، واعتقال العديد من نواب الحزب بتهمة الانتماء إلى حزب العمال الكردستاني دون دليل، وحظر الأنشطة الثقافية للأكراد ومن ذلك المسرحيات باللغة الكردية بدعوى أن محتواها يخل بالنظام العام ومنع توزيع الكتب باللغة الكردية التي تحكي نضال الأكراد بتهمة أنها تدعو للإرهاب، فضلًا عن منع التدريس باللغة الكردية.
العلاقات الأمريكية - التركية في عهد بايدن عكس ترامب
على عكس إدارة ترامب التي قدمت دعمًا لتركيا في بعض الملفات وصمتت على سلوكيات أردوغان إزاء قضايا أخرى، يبدو أن أجندة العلاقات الثنائية بين واشنطن وأنقرة خلال إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن سوف تكون حافلة بالقضايا الخلافية، وقد تحتل قضايا مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الدينية مرتبة متقدمة على تلك الأجندة، ويعني هذا أن القضية الكردية ستكون في القلب منها.
ويشعر الأكراد بالارتياح مع فوز بايدن ليس لأنه سيندفع نحو تأييد إقامة دولة كردية مستقلة وإنما لما يبديه من تفهم لحقوق الأكراد والدعم المتوقع أن يلاقوه من واشنطن في ظل إدارته، فضلًا عن الدور الذي قد يلعبه من تخفيف الضغط التركي عليهم، بالنظر إلى ضعف العلاقة الشخصية بين بايدن وأردوغان فيما يتعلق بالتدخل السافر للأخير في الشؤون السورية.
ويبدو هنا أن بايدن لم يكن ممانعا لأن تقوم تركيا بدور في تحجيم الطموحات الكردية في شمال العراق إذا ما اندفعوا نحو السيطرة على حقول النفط، وهو أمر نعتقد أنه يرتبط بمخاوف مشروعة للولايات المتحدة من أن تحركا كهذا قد يؤدي إلى اضطرابات في أسعار النفط بما ينذر بأزمة عالمية ويؤثر على مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية في المنطقة التي كان "النفط" أحد مرتكزاتها الأساسية.
لكن اليوم ومع تراجع أهمية النفط كمحدد للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط فضلًا عن سيطرة الأكراد الفعلية على حقول نفط الشمال وقيامهم بالتصدير إلى أوروبا عبر تركيا، فإن واشنطن ستكون معنية بشكل أكبر بتنظيم العلاقات بين الإقليم والمركز بما في ذلك ما يتعلق بعائدات النفط، بصورة تضمن تمتعهم بالموارد الاقتصادية للإقليم في ظل علاقات مستقرة مع حكومة بغداد، بما يخفف الضغوط الداخلية عليهم للوصول إلى مرحلة مستقرة من الحكم الذاتي.
علاقة بايدن بالأكراد
انضم بايدن عام 2007، في وقت كان لا يزال عضوًا في مجلس الشيوخ، إلى السيناتور الجمهوري سام براون باك، رئيس اللجنة الفرعية المعنية بشؤون الشرق الأوسط التابعة للجنة العلاقات الخارجية في المجلس، في رعاية قرار يدعو إلى إقامة نظام فيدرالي لامركزي في عراق ما بعد صدام حسين، حيث تحدث القرار عن إنشاء ثلاث مناطق حكم ذاتي في العراق، بما يتوافق مع دستور 2005، منطقة كردية وأخرى للعرب السنة وثالثة للعرب الشيعة.
وقد رحبت حكومة إقليم كردستان بهذا الإجراء، التي أصدرت بيانًا أكدت فيه أن شعب كردستان يرى في الفيدرالية الاستقرار والتحرر من الأنظمة الديكتاتورية، في حين رفض عرب العراق – سنة وشيعة على حد سواء – الاقتراح باعتباره بمثابة تقسيم للعراق.
في وقت كانت علاقته برئيس الوزراء العراقي الأسبق، نوري المالكي، متوترة في كثير من الأحيان، طور بايدن علاقات قوية للغاية مع الأكراد، بما في ذلك الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني ورئيس حكومة إقليم كردستان السابق مسعود بارزاني.
وتعود الصداقة بين بايدن وبارزاني إلى ما يقرب من عشرين عامًا إلى حد أنه يعلم أسماء جميع أحفاده، وعندما التقيا في منتدى دافوس الاقتصادي عام 2015 أشار بارزاني إلى بايدن بأنه "صديق للأمة الكردستانية".
والذي كان بمثابة ضوءً أخضر من واشنطن لأنقرة لشن هجوم على قوات سوريا الديمقراطية، حيث كتب بايدن في أكتوبر 2019: "ترامب باع قوات سوريا الديمقراطية – الأكراد والعرب الشجعان الذين قاتلوا معنا لسحق داعش – وخان حليفًا محليًا رئيسيًا في الحرب ضد الإرهاب".
كما أعرب أنتوني بلينكين، كبير مستشاري السياسة الخارجية لحملة بايدن الرئاسية، عن أسفه لغياب الوجود الأمريكي في سوريا والتخلي عن الأكراد.
أما الدعم المتوقع أن تقدمه إدارة بايدن الجديدة للأكراد سوف يتعلق في مجمله بتخفيف الضغط الواقع عليهم عبر إبقاء القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا كحماية من أي هجمات تركية مستقبلية على تلك المنطقة، واستمرار الدعم المقدم لقوات سوريا الديمقراطية "قسد".
وفي هذا الإطار، يرغب الأكراد في مضاعفة العدد الحالي من القوات الأمريكية والإبقاء عليها حتى يتم التوصل إلى حل سياسي للأزمة؛ لضمان القضاء على داعش تمامًا خاصة أن خطرهم ما زال قائمًا، فلديهم معسكرات في مناطق سيطرة النظام، ومخيمات عبر الحدود وفي صحراء العراق، وقادرون على تأمين التمويل اللازم وتجنيد المقاتلين وتدريبهم ونشرهم.
وأيضا تمويل مشاريع تحقيق الاستقرار في شمال شرق سوريا وزيادة عدد الخبراء المدنيين الأمريكيين لدعم هذه المشاريع لإعادة تأهيل المجتمعات المحلية، ما يساهم في منع عودة داعش بها، ويمثل دفعة كبيرة لقوات سوريا الديمقراطية.
وتقليص فرص قيام تركيا بشن هجوم عسكري جديد على مناطق الشمال الشرقي السوري، إلى حدها الأدنى.
والاستمرار في رعاية مفاوضات الوحدة بين المكونات الكردية السورية التي بدأها ترامب ولا تزال متعثرة، وهو أمر لو حدث من الممكن أن يضعف من التنسيق بين المجلس الوطني الكردي وتركيا كما أنه قد يمهد للدفع بنظام حكم فيدرالي ضمن مفاوضات الحل السياسي للأزمة السورية يحصل بموجبه الأكراد على شكل من أشكال الحكم الذاتي، ويأمل الأكراد أن تدفع إدارة بايدن بهم في محادثات "جنيف" للحل السياسي.
ويرغب الأكراد السوريون في أن تلعب واشنطن دورًا في التوصل إلى سلام مع تركيا، وقد عبر مظلوم عبادي زعيم قوات سوريا الديمقراطية – خلال حوار مع موقع "المونيتور" – عن استعداده لإجراء محادثات سلام مع تركيا دون أي شروط مسبقة، على أن تتضمن كل الملفات العالقة بين البلدين بما في ذلك الأراضي التي تحتلها تركيا في عفرين ورأس العين وتل أبيض، وأزمة النازحين، معربًا عن تفهمه لاعتبارات الأمن القومي التركي، واستعداده للتوسط بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني.
الأكراد صداع في رأس أردوغان
سيكون ملف الأكراد صداعًا في رأس أردوغان والساسة الأتراك وسيتحول إلى ورقة تفاوض في أيدي الطرفين يضغط بها كل جانب في أي مفاوضات تتعلق بالقضايا العديدة على أجندة العلاقات الثنائية بين البلدين ومن ذلك الدور التركي في الصراعات الإقليمية؛ السورية والعراقية والليبية، والنزاع في شرق المتوسط، والحرب الدائرة في إقليم ناجورنو كارا باخ، وأزمة شراء أنقرة نظام الدفاع الجوي الروسي “S-400”.
وتدرك تركيا أن بايدن الذي رفض تسمية وحدات حماية الشعب الكردية السورية بأنها جماعة إرهابية بسبب صلاتها بحزب العمال الكردستاني، سيعمل على توثيق العلاقات مع الأكراد والضغط على أردوغان وإدارته بشأن انتهاكات حقوق الإنسان والأعمال الشنيعة ضد الأكراد في سوريا، وهناك احتمال لأن يتم فرض عقوبات على أنقرة بسبب هذه الممارسات.
ويبدو أن أردوغان بدأ في اتخاذ خطوات استباقية لمغازلة الأكراد وإظهار حسن النية، إذ قرر تعيين أفيكان علاء نائبًا لرئيس حزب العدالة والتنمية، ومن المعروف أنه على علاقة جيدة بالاكراد؛ حيث كان شخصية رئيسية في عملية السلام التركية مع حزب العمال الكردستاني، وفي وقت سابق، شغل منصب حاكم محافظتي باتمان وديار بكر ذات الأغلبية الكردية.