شيخ الأزهر يرد على المشككين في السنة: المصدر الثاني للتشريع في الإسلام

كتب: أحمد البهنساوى

شيخ الأزهر يرد على المشككين في السنة: المصدر الثاني للتشريع في الإسلام

شيخ الأزهر يرد على المشككين في السنة: المصدر الثاني للتشريع في الإسلام

أثيرت أكثر من قضية في السنوات الأخيرة تتعلق بأمور دينية وصلت إلى حد التشكيك في بعض ثوابت الدين الإسلامي، لاسيما ما يتعلق بالتشكيك في بعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومحاولة التفريق بين القرآن والسنة، وخلال الأيام الماضية، خرجت بعض الأصوات تشكك في بعض الأحاديث النبوية الشريفة، ووصل الأمر ببعض الأصوات الشاذة إلى ادعاء أن عدم الإيمان بالرسول الكريم لا يتعارض مع الإيمان بالله.

وقد تصدى فضيلة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، لقضية التشكيك في السنة، في كلمة قوية أثناء الاحتفال بذكرى ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم، قبل عامين.

وقال الطيب، في كلمته، إن الصيحات التي دأبت على التشكيك في قيمة السنة النبوية وفي ثبوتها وحجيتها، والطعن في رواتها من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم، والمطالبة باستبعاد السنة جملة وتفصيلا من دائرة التشريع والأحكام، والاعتماد على القرآن الكريم فحسب، في كل ما نأتي وما ندع من عبادات ومعاملات، وما لم نجده منصوصا عليه في القرآن فإن المسلمين فيه أحرار من قيود التحريم أو الوجوب".

الطيب: استبعاد السنة يعني ضياع ثلاثة أرباع الدين

وتابع: "ظهرت هذه الدعوة أول ما ظهرت في عصرنا الحديث، في الهند منذ نهاية القرن التاسع عشر، وشاركت فيها شخصيات شهيرة هناك، منهم انتهى به الأمر إلى ادعاء النبوة، ومنهم من كان ولاؤه للاستعمار، ومنهم من أدى اجتهاده إلى إنكار الأحاديث النبوية ما كان منها متواترا وما كان غير متواتر، وزعم أن السنة ليست لها أي قيمة تشريعية في الإسلام، وأن القرآن وحده هو مصدر التشريع ولا مصدر سواه، ضاربا عرض الحائط بما أجمع عليه المسلمون من ضرورة بقاء السنة إلى جوار القرآن جنبا إلى جنب، وإلا ضاع ثلاثة أرباع الدين" وضربوا لذلك مثلا الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين وهو الصلاة.

واستطرد: "فمن المعلوم أن الصلاة ثابتة بالقرآن الكريم، لكن لا توجد آية واحدة في طول القرآن وعرضه يتبين منها المسلم كيفية الصلوات الخمس، ولا عدد ركعاتها وسجداتها ولا هيئاتها من أول تكبيرة الإحرام إلى التسليم من التشهد الأخير، وأن هذه التفاصيل لا يمكن تبينها ومعرفتها إلا من السنة النبوية التي هي المصدر الثاني من مصادر التشريع في الإسلام، وحين طولب هذا المنكر لحجية السنة بإقامة الدليل على هيئات الصلاة من القرآن فقط حتى يتبعه المسلمون، قال، وهو غارق إلى أذنيه في قياس الإحراج، إن القرآن لم يأمرنا إلا بإقامة الصلاة، أما كيفية أداء الصلاة فأمر متروك لرئيس الدولة ويحدده بمشورة مستشاريه حسب الزمان والمكان".

وقال الطيب: "سار هؤلاء المقربون في هذا الإتجاه من أجهزة الاستعمار، فأنكروا آيات الجهاد وأفتوا بحرمة التصدي للمستعمرين، وأنكروا كل ما تنكره الثقافة الغربية، ولو كان دينا وأثبتوا ما تثبته حتى لو جاء صادما للإسلام وإجماع المسلمين، ثم ما لبثت الفتنة أن انتقلت إلى مصر، وتعصب لها طبيب بسجن طرة نشـر مقالتين في مجلة المنار عام 1906، 1907 بعنوان (الإسلام هو القرآن وحده)، ولقيت الفكرة دعما من بعض الكتاب المتربصين بالسنة النبوية، والمنكرين ثبوتها".

وأضاف: "هؤلاء على اختلاف مشاربهم وأذواقهم يجمع بينهم الشك والريبة في رواة الأحاديث، والإغضاء عن جهود علمية جبارة مضنية، أفنى فيها علماء الأمة وجهابذتها أعمارا كاملة، أراقوا فيها ماء أعينهم، من أجل هدف أوحد، هو تمييز الصحيح من غير الصحيح من مرويات السـنة، وذلك من خـــلال بحث دقيـــق -متفرد- عجيب في تاريخ الرواة وسيرهم العلمية والخلقيـة، حتى نشأ بين أيديهم من دقة التعقب والتقصي والتتبع علم مستقل من العلوم، يعرف عند العلماء بعلم الإسناد أو علم الرجال، وهو علم لا نظير له عند غير المسلمين لا قديما ولا حديثا، وقد شهد بذلك الأفذاذ من علماء أوروبا ممن توفروا على دراسة السنة النبوية، حتى قال المستشرق الألماني ألويس شبرنجر، (إن الدنيا كلها لم تر ولن ترى أمة مثل المسلمين- فقد درس بفضل علم الرجال الذي صمموه حياة نصف مليون رجل)، وحتى قال المستشرق الإنجليزي الكبير مارجليوت، في إحدى محاضراته عن هذا العلم، ورغم أن نظرية الإسناد (عند علماء الحديث) قد سببت كثيرا من المتاعب نظرا لما يتطلبه البحث في توثيق كل راو من رواة الأحاديث إلا أن قيمة نظرية الإسناد فيما يتعلق بدقة الحديث النبوي لا يمكن الشك فيها، ومن حق المسلمين أن يفتخروا بعلم الحديث من علومهم".

وتابع: "هذا الكلام المنصف لم يصدر عن علماء الغرب –رغم صعوبته عليهم-إلا بعد معاناة ومكابدات طويلة للدرس والبحث والتنقيب وبعد ما تبين لهم أن التاريخ لا يعرف شخصية أخرى غير محمد صلى الله عليه وسلم، سجلت جميع وقائع حياته، وجميع أفعاله وأقواله وأسفاره وأخلاقه وعاداته حتى شكل لباسه، وخطوط وجهه وكيفية تكلمه ومشيه وأكله وشـربه ونومـه وتبسمه ونمط عشرته بأهل بيتـه ولأصدقائه وأعدائه، وغير ذلك مما حفلت به مراجع السير والتاريخ".


مواضيع متعلقة