خسائر بالآلاف في صفوف المدنيين حال وقوع إثيوبيا في حرب أهلية

خسائر بالآلاف في صفوف المدنيين حال وقوع إثيوبيا في حرب أهلية
تقترب إثيوبيا بسرعة من شفا الحرب الأهلية، حيث أسفر القتال الدائر بين القوات الموالية للحكومة الفيدرالية برئاسة رئيس الوزراء آبي أحمد، وجبهة تحرير شعب تيجراي عن مقتل مئات الأشخاص، وبات يهدد بتمزيق البلاد.
وفي وقت تحتدم المعارك على الأرض، يخوض الطرفان حرباً كلامية أيضاً.
ورأى أليكس دي وال، خبير الشأن الإثيوبي المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية في جامعة تافتس في الولايات المتحدة، في تحليل لشبكة "بي بي سي"، أن كل طرف منهما يحاول حشد أتباعه وإقناع العالم أيضًا بأن لديهم سند أخلاقي عالٍ ومعنويات عالية.
وتتهم كل من الحكومة في أديس أبابا وجبهة التحرير الشعبية لتحرير تيجراي، بعضهما البعض بالمسؤولية عن بدء الصراع، وقال آبي أحمد إن ضباطا في الجيش قُتلوا بدم بارد، فيما ذكر زعيم تيجراي دبرصيون جبراميكائيل، أن "ثمة هجوم منسق شنته القوات الخاصة الإثيوبية وقوات من إريتريا المجاورة".
وإلى أن يتم إجراء تحقيق مستقل، تظل الروايات المتنافسة مجرد مزاعم بدون أدلة تُستخدم لإثارة المشاعر العدائية.
يرى الجانبان تاريخ إثيوبيا بشكل مختلف تماماً، فقد أطيح بالإمبراطور الإثيوبي هيلا سلاسي في ثورة عام 1974، واستولت على السلطة جماعة عسكرية باسم "الدَرغ"، وهو مختصر لاسم لجنة التنسيق بين القوات المسلحة والشرطة والجيش في الأقاليم.
ووُصفت ممارسات الفصائل العسكرية بـ"الإرهاب الأحمر" سيئ السمعة، عندما قتل عشرات الآلاف من الشباب على يد النظام العسكري، ووقعت حرب أهلية طويلة ضد المتمردين في جميع أنحاء البلاد.
ويتذكر سكان تيجراي تلك السنوات بوصفها سنوات من الظلام، عندما أجبرهم القصف اليومي لطائرات سلاح الجو على التحرك في الليل فقط.
وفي إحدى الغارات الجوية في عام 1988 على بلدة "هاوسين"، قتل 1800 من المتسوقين وحول الدخان والغبار الناجمين عن القصف ذلك اليوم إلى ظلام دامس بالمعنى الحرفي.
وهزم تحالف حمل اسم الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية (إي بي أر دي أف) قادته جبهة تحرير شعب تيجراي (تي بي أل أف)، الحكومة العسكرية في عام 1991.
وفي اليوم الذي استلم التحالف السلطة، قال ميليس زيناوي، زعيم الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية، وهو من تيجراي، إن هدفه الأول هو أن يتمكن الإثيوبيون من تناول ثلاث وجبات في اليوم.
وعلى مدار 27 عاما من حيازة الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية على السلطة، انخفض معدل وفيات الأطفال من حوالي واحد من كل خمسة إلى واحد من كل 20 طفل.
وانتهت المجاعة والحرب الأهلية التي جرت على نطاق واسع في البلاد، لكن إثيوبيا لم تر الديمقراطية.
ويصف رئيس الوزراء آبي وأتباعه هذه السنوات بـ "27 عاماً من الظلام".
وشعر جيل صاعد من الشباب بأن أصواتهم قد كتمت وحرموا من المشاركة في الحياة السياسية.
ويعيدون أسباب ذلك إلى من يصفونهم بأنهم زمرة من التيجراي هيمنوا على السياسة والجيش والاقتصاد لمصلحتهم الخاصة.
وقد قادت موجة السخط تلك إلى أن يكتسح آبي أحمد - وهو من اثنية الأورومو - السلطة؛ بعد أن اختارته الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية زعيما للحزب ومن ثم رئيساً للوزراء في عام 2018.
وقام أحمد بخطوات سريعة لدفع السياسة الاثيوبية في اتجاه أكثر ليبرالية، وحلّ تحالف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الأثيوبية، وأنشأ حزبا جديداً سماه "حزب الرخاء".
هذه التحركات أكسبته شهرة واسعة، وعلق منتقدوه بامتعاض قائلين إن "التفكيك لا يعني البناء"، في إشارة لحله تحالف الجبهة الديمقراطية الشعبية.
وأبرم آبي اتفاق سلام مع إريتريا، وفاز بسبب ذلك العام الماضي بجائزة نوبل للسلام، وأصبح صديقاً مقرباً من الرئيس أسياس أفورقي، على الرغم من هدف الزعيم الإريتيري المعلن منذ فترة طويلة هو تفكيك إثيوبيا، بدءاً من جيشها.
ويعد آبي من المتدينين ومن أتباع الحركة الخمسينية (حركة دينية بروتستانتية)، وغالباً ما يتحدث كما لو أنه مفوض من الله.
وعندما تُقرأ كتاباته، وبضمنها رسالته للدكتوراه، وكتيبات إرشادية للتطوير الذاتي في كلية إدارة الأعمال، يُلاحظ أن لديه ثقة عالية في أن القيادة النشطة الديناميكية الواثقة من نفسها تُولّد واقعها الخاص، ويعتقد أنه يستمد الكثير من دعمه الآن من اثنية الأمهرة في أديس أبابا ومنطقة أمهرة.
لكن لم يواجه لا هو ولا حزبه الجديد أي تجربة انتخابية.
بيد أن آبي يقول إن جبهة تحرير شعب التيجراي تجاوزت الخط الأحمر عندما أجرت انتخابات إقليمية في سبتمبر.
ولم تأذن الحكومة الفيدرالية بهذه الانتخابات ولم يكن حزب الرخاء قادراً على خوض المنافسة فيها.
وترد جبهة تحرير شعب تيجراي، بقولها إنه كان من المقرر إجراء الانتخابات الوطنية في وقت سابق من العام وإنها أجلت مراراً وتكراراً، ويرجع ذلك بشكل جزئي إلى وباء كوفيد 19، وأن ولاية الحكومة قد انتهت دون موعد محدد لإجراء الاقتراع.
ويقولون إن حكومتهم هي الحكومة الإقليمية الوحيدة بتفويض من الناخبين.
وباتت ساحة المعركة السياسية هي دستور إثيوبيا، إذ يعتمد في البلاد نظام فيدرالي تدير فيه المجموعات العرقية الرئيسية مناطقها الخاصة.
وقد تم تبني ذلك في عام 1994 بعد وقت قصير من تولي الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية للسلطة.
ويريد آبي التخلي عن ذلك،وتتمتع ولايات إثيوبيا التي تشكل أقاليم، بشكل فريد، بالحق في تقرير مصيرها.
وكان السبب وراء هذه الروح الإقليمية لإيجاد ضمانات في العملية الديمقراطية، ففي حال انهارت الديمقراطية في حكومة المركز، يُمكن للإقليم أن يختار الطريق المناسب لها.
لم يطالب بذلك سكان تيجراي فحسب، بل قادة الجماعات الأخرى المهمشة تاريخياً أيضاً، بما فيها الأورومو، وهي أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا، لم تطالب الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي بالانفصال، لكن منطق المواجهة اليوم يقودهم نحو هذا الطريق.
واستاء العديد من الأورومو والجماعات العرقية الأخرى في جنوب إثيوبيا من الهيمنة السياسية للجبهة الشعبية لتحرير تيجراي.
لكنهم جميعاً يعتزون بقوانين الحكم الذاتي في الدستور، وفي الواقع، صوتت إحدى هذه المجموعات - سيداما - على أن يكون لها دولة فيدرالية خاصة بها العام الماضي.
وتقول جبهة تحرير تيجراي إنها أسرت القوات الإريتيرية التي حاولت غزو تيجراي.
إن هدف آبي المعلن لإعلان الحرب هو فرض سيطرة الحكومة الفيدرالية على تيجراي.
ولا يعتقد أي مراقب لما يدور في إثيوبيا أن ذلك ممكن.
ولم يدل الرئيس الإريتري، الذي يعتقد البعض أنه ربما شارك في التخطيط لغزو تيجراي، بأي تصريح في هذا الشأن.
ويتصاعد الصراع في إثيوبيا ويخرج عن نطاق السيطرة يومًا بعد يوم، ومن المحتمل أن يكلف هذا عشرات الآلاف من الأرواح.
وكما توقع الكتاب الأبيض عن الأمن القومي الصادر عن الحكومة الإثيوبية عام 2002: "لا يمكن استبعاد احتمال التفكك تمامًا".