"البنك الدولي" ينصح دول الخليج بتنفيذ إصلاحات عاجلة لمواجهة كورونا

كتب: محمد الدعدع

"البنك الدولي" ينصح دول الخليج بتنفيذ إصلاحات عاجلة لمواجهة كورونا

"البنك الدولي" ينصح دول الخليج بتنفيذ إصلاحات عاجلة لمواجهة كورونا

سدّدت الأزمة المزدوجة لجائحة كورونا وانهيار سعر النفط ضربةً موجعةً لدول مجلس التعاون الخليجي، ما دفع بالبنك الدولي، لتقديم روشتة تسريع وتيرة أجندة الإصلاح الاقتصادي بدول "المجلس"، سماها "خارطة طريق في زمن جائحة الكورونا" تتضمن إصلاحات في 5 مجالات أساسية.

"الروشتة" التي صاغها عصام أبو سليمان، المدير الإقليمي للبنك الدولي في دول مجلس التعاون الخليجي، ونشرها كمقال على موقع "البنك" تركّز على مجالات خمسة حيث ستولّد الإصلاحات المتواصلة والمتسارعة الأثر الأبرز بالنسبة إلى أجيال المستقبل: الاستثمار في الرأسمال البشري، والحدّ من الاعتماد على القطاع العام، وتنويع اقتصادات المنطقة، وتعزيز نمو متين للقطاع الخاص، وإعطاء الأولويّة للنمو الأخضر.

وشرح "أبوسليمان" في هذا المقال أنّ في صميم التحديات التي ترافق هاتَيْن الأزمتَيْن تقع فرصة إعادة رسم التوجّه وتحديد السرعة للتعافي الاقتصادي في المستقبل وتعزيز أجندة التنوّع الاقتصادي في المنطقة.

في الواقع، أعطت هذه الدول الزخم للتفكير في المستقبل الذي نبنيه لدفعة متخرّجي العام 2038 وما بعدها. فواجبات صانعي السياسات تجاه هذا الجيل المستقبلي واضحة جليّة. فلا يُمكن تفويت هذه الفرصة السانحة لإعادة رسم مستقبل دول مجلس التعاون الخليجي.

يقول "أبو سليمان": "بينما مواطنو دول مجلس التعاون الخليجي يُفكّرون مليًّا في حياتهم المستقبليّة، كيف سيُقيّمون دورنا، نحن صناع السياسات، في الوقت الحاضر؟ هل سيُلقون اللوم علينا بسبب المحن العصيبة التي يشهدونها أو هل سيشكروننا على تأمين الرفاه لهم؟ لا أنفكّ أطرح هذه الأسئلة على نفسي. أفكّر في الأطفال الذين سيبلغون الثامنة عشر من عمرهم في العام 2038، أي الأطفال الذين سيتخرّجون من المدرسة الثانويّة في العام 2038، وهم الذين رسموا على أفواههم أولى ابتساماتهم، ولفظوا أولى كلماتهم، وخطَوْا أولى خطواتهم في العام 2020. أي مستقبل نُشيد لهم؟".

يضيف "أبو سليمان" قائلاً: "يصعب التركيز على المستقبل عندما يستدعي الحاضر انتباهنا بشكل طارئ ومُلح. قلّصت أسعار النفط المتدنية الحيِّزالمالي، ممّا حدّ من الخيارات المتوفّرة لصانعي السياسات، بينما سدّدت جائحة الكورونا ضربةً مؤلمةً للصحة البشريّة وفرضت كلفةً اقتصادية باهظة بشكل مفاجئ. ولا شكّ في أنّه يصعب اعتبار هاتَيْن الأزمتَيْن التوأمتَيْن على أنّهما فرص، إنما يدعونا هؤلاء المتخرّجون المستقبليّون من المدرسة الثانويّة إلى أن نعمل لنحقق ما يلي: أن نستثمر الوقت الحاضر من أجل مواصلة وتسريع العمل الذي بدأه صانعو السياسات في المنطقة أصلاً، من أجل رسم مستقبل جديد لهؤلاء الأطفال. في هذا المستقبل المرجوّ، ستكون المنطقة أكثر مقاومةً في وجه الأزمات المقبلة ويكون مواطنوها مستعدّين لملء الوظائف وسيكون أمامهم هامش واسع من الفرص الواعدة للاختيار منها.

على صعيد المجال الأول: الرأسمال البشري، يشير "أبو سليمان" إلى دول مجلس التعاون الخليجي حققت تقدّمًا ملحوظًا، لا سيما بالنسبة إلى الصحة، ويرى أنه في الواقع، ولّدت عقود من الاستثمار في صحة الأم والطفل نتائجَ مُثمرة ملحوظة: 99 في المئة من الأطفال المولودين اليوم في دول مجلس التعاون الخليجي سيعيشون حتى سن الخامسة، وأن أكثر من 90 في المئة من الأطفال في سن الخامسة عشر سيعيشون حتى سن الستين في الدول الست لمجلس التعاون الخليجي، فآفاق الصحة لدفعة متخرّجي العام 2038 تبدو أفضل بكثير ممّا كانت عليه في الماضي، وفق قوله.

أمّا المجال الثاني، فيرى أنه يقضي بمواصلة الخطوات من أجل تقليص الاعتماد على القطاع العام، لا سيما بالنسبة إلى العمالة، فيقول: "بينما أداء البحرين وسلطنة عمان أفضل من أداء دول أخرى من دول مجلس التعاون الخليجي، يبقى أن غالبيّة مواطني مجلس التعاون الخليجي تقريبًا يعملون لصالح الحكومة أو لصالح وكالات حكوميّة، مقارنةً مع متوسط منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD) البالغ 18 في المئة، كما يسمح إعادة توجيه الإنفاق الحكومي من أجور القطاع العام إلى القطاع الخاص باستكشاف خيارات أخرى لدعم الرفاه الاجتماعي والاقتصادي لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي والعاملين في المنطقة من غير المواطنين، على حدّ سواء، على غرار شبكات الأمان الاجتماعي المُحدّثة أو الاستثمار في الرأسمال البشري".

إلى ذلك، يدعم الحد من الاعتماد على القطاع العام المجال الثالث الذي يُعتبَر أولويّة – دعم نمو متين للقطاع الخاص، بما أنّ الأجور المرتفعة في القطاع العام تجذب غالبيّة المواطنين، فيقول "المدير الإقليمي": "بدأت المملكة العربيّة السعوديّة هذه العمليّة، فشكّلت لجنة لدراسة كافة أشكال المنافع الماليّة المُسدّدة إلى القطاع العام، كجزء من أجندة أكثر استراتيجيّة لإصلاح العمالة ضمن رؤية العام 2030. وتحذو الكويت وسلطنة عُمان حذو المملكة العربيّة السعوديّة. بالنسبة إلى هذه الصناعات، أسوةً بالسياحة، التي تأثّرت بشكل كبير بجائحة الكورونا، قد تبرز الحاجة إلى إعادة ابتكارها ضمن صيغة حديثة العهد، تستخدم التكنولوجيا على غرار التعرّف إلى ملامح الوجه من أجل تسريع حركة المسافرين عند نقاط الدخول في الفنادق ونقاط التفتيش في المطارات. من شأن صانعي السياسات الذين يستحدثون طرقًا ابتكاريّةً لدعم الشركات التي تتطلّع إلى اعتماد مثل هذه التحسينات التكنولوجيّة أن يضمنوا قطاع سياحة متينًا لتختاره أجيال المستقبل على أنّه رب عمل مُحتمَل".

وأشار المدير الإقليمي للبنك الدولي في دول مجلس التعاون الخليجي، إلى أن التنوّع المتواصل لاقتصادات المنطقة يشكّل المجال الرابع ذا الأولويّة، المرتبط إرتباطًا وثيقًا بدعم القطاع الخاص، فيقول: "في العام 2019، دفع النشاط الاقتصادي المُتسارع في القطاع غير النفطي، بما في ذلك السفر، والبيع بالتجزئة، والبناء، والخدمات، بغالبيّة محصلات النمو الإيجابي للمنطقة. ومن شأن جهود التنوّع هذه أن تُساهم في حماية المنطقة، إلى حد ما، في وجه الأثار المزدوجة لجائحة الكورونا وأسعار النفط المتدنيّة، مع تطوير سوق عمل تجذب اليد العاملة من شباب المنطقة ودفعة متخرّجي العام 2038. فسيحتاج التنوّع المتواصل إلى زيادة الإنتاجيّة وتعزيز الاستثمارات الإنتاجيّة".

أمّا النمو الأخضر فيُعتبر المجال الخامس والأخير، وفقاً لـ"مسؤول البنك الدولي"، فيشير إلى أن التدابير الآيلة إلى التنوّع لصالح القطاعات والصناعات ذات الكربون المتدنّي بدأت بتوليد النتائج الملموسة، من خلال الاستثمارات في الطاقة المتجدّدة، ممّا يُساهم في سدّ الطلب المتزايد على الطاقة المحليّة في المنطقة، على سبيل المثال، مع حلول المملكة العربية السعوديّة والإمارات العربيّة المتحدة في المرتبة الأولى بالنسبة إلى الاستثمار في الطاقة المُتجدّدة.


مواضيع متعلقة