في ظل وباء كورونا.. ما حكم البيع والشراء وقت صلاة الجمعة؟

كتب: سعيد حجازي

في ظل وباء كورونا.. ما حكم البيع والشراء وقت صلاة الجمعة؟

في ظل وباء كورونا.. ما حكم البيع والشراء وقت صلاة الجمعة؟

واصلت دار الإفتاء المصرية نشر سلسلة فتاوي متعلقة بـ فيروس كورونا، في ظل الاستعداد للموجة الثانية من الفيروس، حيث نشرت الدار عبر موقعها الرسمي فتوي متعلقة بالبيع وقت صلاة الجمعة في زمن الوباء.

وجاء نص السؤال كالتالي: ما حكم البيع والشراء وقت صلاة الجمعة، وهل يدخل تحت النهي المنصوص عليه في قوله تعالى «إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع».

وقال شوقي علام مفتي الجمهورية، في جوابه إن الشرع نهي عن البيع والشراء وسائر العقود في وقت الجمعة ليس نهيا في ذاته، بل هو نهي عن كل ما من شأنه أن يشغل عن السعي إلى الجمعة، ولذلك نص الفقهاء على جواز البيع لمن لم تجب عليهم الجمعة أو سقطت عنهم لعذر من الأعذار.

وأضاف أنه لا مانع من إجراء العقود وممارسة سائر المعاملات؛ من البيع والشراء وغيرهما في وقت الجمعة في ظروف الوباء؛ سواء منعت إقامة الجمعة بالكلية، أو سمح بإقامتها بأعداد وشروط معينة لا تجعلها واجبة على الكافة، ولا يدخل ذلك في النهي الشرعي، هذا مع ضرورة الالتزام باتباع الإجراءات الوقائية والوسائل الاحترازية للوقاية من عدوى الوباء.

وأوضح أن صلاة الجمعة شعيرة خاصة من شعائر الإسلام، ومجمع عظيم من مجامع المسلمين، يشترط فيها ما لا يشترط في سواها من الجماعات؛ من السعي إليها، والاجتماع فيها، وعدد من يحضرها، والإقامة، والاستيطان، ويسن لها ما لا يسن في غيرها؛ من الاغتسال لها، والتطيب، والاستياك، ولبس الثياب الحسنة، ونحو ذلك، حتى صنف الأئمة الكتب وألفوا التآليف في خصائص الجمعة وفضلها

ويقاس على البيع المنهي عنه في الآية: كل ما يسبب الانشغال عن حضور الجمعة والسعي إليها؛ من الشراء والإجارات وعقود المناكح وسائر المعاملات؛

ونص جماهير العلماء أرباب المذاهب الفقهية على أن البيع مشروع في ذاته، وإنما نهي عنه لاتصاله بأمر آخر غير مشروع؛ وهو ترك السعي والتشاغل عن الجمعة

قال الإمام الكاساني الحنفي: "أمر بترك البيع عند النداء، نهيا عن البيع لكن لغيره وهو ترك السعي، فكان البيع في ذاته مشروعا جائزا، لكنه يكره؛ لأنه اتصل به غير مشروع وهو ترك السعي".

وقال الإمام القرافي المالكي: [﴿وذروا البيع﴾: نهي عن البيع؛ لأنه يمنع من فعل الجمعة بالتشاغل بالبيع، فيكون هذا إيماء لأن العلة في تحريم البيع هي التشاغل عن الجمعة.

وأكد الإمام الزركشي الشافعي: "أوجب السعي ونهى عن البيع -مع علمنا بأنه لو لم يكن المنهي عنه لمنعه من السعي الواجب، لما جاء ذكره في هذا الموضع؛ لكونه يخل بالفصاحة- دل على إشعاره بالعلة"، وقال القرافي: "إنه يستفاد من السياق؛ فإن الآية لم تنزل لبيان أحكام البياعات بل لتعظيم شأن الجمعة".

وتابع المفتي: "الحالة التي تمر بها بلاد العالم في هذه الآونة جراء فيروس كورونا الوبائي (COVID-19) أدت إلى منع التجمعات البشرية؛ خوفا من انتشار هذا المرض الوبائي وتفاقم عدواه، وهو أمر اعتبره الشرع الشريف؛ حيث أسقط الجماعة عن المسلمين حال الخوف أو المرض أو ما كان في معناهما؛ حفاظا على النفوس والأرواح، وقرر في هذا الشأن أن "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح".

ويقتضي الحكم بسقوط صلاة الجمعة والسعي إليها، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر لم تقبل منه تلك الصلاة التي صلاها» قالوا: ما عذره؟ قال: «خوف أو مرض» أخرجه أبو داود والدارقطني في "السنن"، والحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، و"الصغرى"، و"معرفة السنن والآثار"

قال الإمام البيهقي: "وما كان من الأعذار في معناها فله حكمهما".قال الإمام ابن عبد البر المالكي في "التمهيد"(16/ 244، ط. أوقاف المغرب): [وأما قوله في الحديث «من غير عذر»: فالعذر يتسع القول فيه؛ وجملته: كل مانع حائل بينه وبين الجمعة مما يتأذى به ويخاف عدوانه، أو يبطل بذلك فرضا لا بدل منه؛ فمن ذلك السلطان الجائر يظلم، والمطر الوابل المتصل، والمرض الحابس، وما كان مثل ذلك] اه.

وإذا سقطت الجمعة لهذا السبب سقط السعي إليها؛ لما تقرر في القواعد الأصولية أن التابع تابع؛ فإذا سقط حكم المتبوع سقط حكم التابع؛ فالسعي الواجب لصلاة الجمعة والذي نهي عن البيع والشراء لأجله، سقط بسقوط محله؛ وهو سقوط صلاة الجمعة، وقد صرح الأصوليون والفقهاء بأن الحكم الشرعي لا بد له من محل، وتكلموا عن حالة ذهاب هذا المحل، وعبروا عن ذلك بتعبيرات مختلفة، منها: "ذهاب المحل"  


مواضيع متعلقة