إطلالة عبدالله رشدي أخطر من فساتين الجونة

إمام أحمد

إمام أحمد

كاتب صحفي

لا تصارع أحدهم في الوحل، فتتسخ أنت ويهنأ هو. لكن بكل أسف نحن نُجر أحياناً كثيرة للنزول إلى الوحل، دون رغبة منّا، للدرجة التي وصلنا فيها إلى فتح مناقشة تتعلق بفساتين الفنانات في مهرجان سينمائي: هل جائزة شرعاً أم غير جائزة شرعاً؟.. لا أعتقد أن هناك ثمة وحل أكثر سوءًا من هذا الحديث الذي لا يمكن وصفه إلا بكلمة واحدة هى "الهرتلة".

الشيخ عبدالله رشدي، الذي يجيد "الهرتلة" ببراعة شديدة، ويجيد "ركوب التريند" بمهارة فائقة، ويجيد أن يخطف الأنظار بدرجة تتجاوز فساتين الفنانة رانيا يوسف، خرج من جديد بعد ساعات من ختام مهرجان الجونة ليدلي برأيه الشرعي في ملابس الفنانات المشاركات في مهرجان الجونة، مستخدماً كلمات لا تعبر إلا عن صلافة صاحبها وعدم ذوقه وربما سوء خلقه في خطاب لا يمت بصلة إلى الدعوة والموعظة الحسنة، ولا يهدف إلا إلى إثارة جماهير "الأولتراس" الدينية وكسب مزيدا من موجات "اللايك والشير".

الحقيقة أنني كمواطن متابع، لم تعجبني كثيراً من إطلالات الفنانات والفنانين التي شاهدتها في المهرجان، لكني لم أفكر كما فكر "شيخ مشايخ السوشيال ميديا" في إعداد خطبة دعوية عن "حمّالة" الفنانة الفلانية، أو "هوت شورت" الفنانة العلانية، لأن سحب الدين إلى هذه المساحة، فضلاً عن إشغال الرأي العام كله بهذه المشاهد، ليس إلا عملاً مبتذلاً لا يقدم عليه إلا المبتذلون غير الجديرين بتقديم منتج جاد ومفيد؛ فتفرغوا إلى هذه القضايا التي تشبه "فقاعات الصابون" أو ربما "فقاعات الوحل" الذي يجيدون السباحة فيه.

لم تعجبني الكثير من الإطلالات كما ذكرت، لم أر أنها "شيك" بالقدر الكافي، رأيت كما رأى أرسطو أنها تفتقر إلى الجمال لأنها غير متناسقة، وكل ما هو غير متناسق غير جميل، لكن هذا هو رأيي الشخصي، لا يخص أحد غيري، وهذا هو زيهم أو زيهن الشخصي، لا يخص أحد غيرهم أو غيرهن.

الأهم من ذلك، أن الزي ربما لا يكون "جميلاً" أو "متناسقاً" أو "لائقاً" في رأيي، لكنه بكل تأكيد لا يمثل خطورة على استقرار المجتمع ولا يضرني أو يضر أحد في شييء، فالفساتين السيئة أو المثيرة ليست قنابل ولا أحزمة ناسفة ولا فتاوى دم تحريضية.

إذا أردنا أن نقول الحقيقة، فإن الشييء الخطير حقاً، هى إطلالة عبدالله رشدي التي لا يقدمها على أنها أمر شخصي يخصه وحده، بل يقدمها كأنها دين الله الذي أنزل من السماء، من خالفها أصبح عاصيا أو فاجراً أو ربما كافراً.

إطلالة عبدالله رشدي أخطر من إطلالات الـ"ريد كاربت"، لأنها تحمل درجة من درجات القدسية عند جمهوره، ولأنه في كل ظهور يتعمد تعمداً صريحاً في الإساءة إلى فئة من فئات المجتمع، بل إرهابها. أقول إنه يتعمد الإساءة والإرهاب المعنوي وليس التعبير عن الاختلاف الذي هو حق الجميع، فالشيخ رشدي أساساً لا يؤمن بالاختلاف.. أساء إلى الوزارة التي ينتمي لها، وأساء إلى الأقباط، وأساء إلى الفتيات، وأساء إلى ضحايا جرائم التحرش والاغتصاب، والآن يُسيء إلى الفنانين والفنانات، في محاولة لإرهاب الجميع بالكلمة، وهو إرهاب لا يقل خطورة عن إرهاب الإخوان وداعش.