مع تفشي الموجة الثانية لكورونا.. حكم الاجتماع للدعاء في زمن الوباء

كتب: سعيد حجازي

مع تفشي الموجة الثانية لكورونا.. حكم الاجتماع للدعاء في زمن الوباء

مع تفشي الموجة الثانية لكورونا.. حكم الاجتماع للدعاء في زمن الوباء

حذرت منظمة الصحة العالمية من الموجة الثانية لفيروس كورونا، وتلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا عبر موقعها حول حكم الاجتماع للدعاء في زمن الوباء وجاء نص السؤال كالتالي: هل يجوز في هذه الآونة التي انتشر فيها فيروس كورونا (كوفيد 19) الوبائي أن يجتمع الناس للذكر والدعاء، على نية رفع هذا الوباء؟.

وأجاب عن السؤال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، حيث أكد أن الاجتماع للدعاء والذكر لكشف الضر، والتضرع الجماعي لتفريج الكروب ورفع البلاء: هو من الأمور المستحسنة شرعا، إلا حيث يكون في الاجتماع ضرر أو عدوى؛ كما هو الحال في وباء كورونا (COVID-19)، وكما ثبت ذلك في حوادث التاريخ الغابرة، فلا يشرع حينئذ الاجتماع.

أضاف: لولي الأمر منعه عند الخوف من حصول الضرر، ويجب على الناس الالتزام بذلك شرعا، ويكون الاجتماع على الذكر أو الدعاء حينئذ حراما؛ من جهة كونه سببا لانتشار المرض وانتقال العدوى واستفحال الوباء، ومن جهة أنه افتئات على ولي الأمر الذي خولت له الشريعة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحقيق ما هو مكلف به من الحفاظ على أرواح الناس وصحتهم، ويكفي أن يدعو كل واحد في مكانه، دون اختلاط أو اجتماع، ويمكن للناس جمع الهمم على الدعاء عن طريق وسائل الاتصال الحديثة، فإن صدق القلوب هي محل نظر علام الغيوب، والناس إلى القلوب الضارعة أحوج منهم إلى الجموع المتدافعة، ويجب على الجميع اتخاذ كافة السبل المتاحة للحفاظ على نفوس الناس وأرواحهم، باتباع تعليمات الجهات المسؤولة وأهل الاختصاص، من تدابير وقائية وأساليب احترازية.

تابع: اتفق العلماء على مشروعية التضرع والدعاء لرب الأرض والسماء، عند حلول الوباء وحدوث البلاء؛ فهو سبحانه وتعالى مجيب المضطرين وملاذ اللاجئين، وهو وحده كاشف الضر ورافع البلوى، وهو منقذ البشر من العدوى؛ قال الله تعالى: ﴿وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو﴾ ، وقال سبحانه: ﴿فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا) وقد ورد الأمر بالتضرع والدعاء عند حصول البلاء مطلقا، وإذا شرع الله سبحانه وتعالى أمرا على جهة الإطلاق وكان يحتمل في فعله وكيفية إيقاعه أكثر من وجه فإنه يؤخذ على إطلاقه وسعته، ولا يصح تقييده بوجه دون وجه إلا بدليل؛ فالأمر المطلق يقتضي عموم الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، فامتثاله يحصل بالدعاء والتضرع فرادى أو جماعات، سرا أو جهرا، ولا يجوز تقييده بهيئة دون هيئة إلا بدليل، ولا فرق في ذلك بين دعاء المؤمنين حال كونهم مجتمعين أو متفرقين.

وهذا على جهة الاستحباب لا الإيجاب، فإنه إذا كان الخروج يحصل به ضرر أو مشقة: فلا يشرع الاجتماع ولا الخروج له حينئذ؛ بل يكفي تضرع الناس في أماكنهم؛ قال العلامة السندي في "شرح مسند الإمام الشافعي" عند الكلام على دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين نزول المطر: [وفهم من الحديث: أنه إذا خيف ضرره دعا الناس ربهم أن يكفيهم شره وأن يصرفه بعيدا عنهم إلى حيث ينفع ولا يضر، وأنهم لا يخرجون إلى صحراء في بلوغ هذا الغرض، بل يكتفون بالدعاء في أماكنهم] اه.فإذا كان البلاء وباء معديا أو مرضا مستشريا: فحينئذ يمتنع الاجتماع للذكر أو الدعاء، حتى لو كان القصد من ذلك التضرع الجماعي لصرف هذا الوباء؛ لما فيه من الضرر والمخاطرة بالنفس، وقد أمرنا بتجنب المخاوف والابتعاد عن المهالك؛ قال تعالى: ﴿ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾ [البقرة: 195]، وقال سبحانه: ﴿خذوا حذركم﴾ [النساء: 71]، ومنه الأمراض المعدية والأوبئة القاتلة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «فر من المجذوم كما تفر من الأسد» أخرجه البخاري في "صحيحه".

وقد عرف خطر الاجتماع وقت الوباء مرات عديدة عبر التاريخ، وكانت نتائج التجمع أليمة وعواقبه وخيمة؛ حيث انتشرت فيهم العدوى وتفاقمت البلوى.كما أنه يمكن جمع الهمم على الدعاء في الأوقات المباركة والمواسم الكريمة بشتى الوسائل، كالاجتماع الافتراضي عبر وسائل التواصل، فحضور الجنان لا يتوقف على تلاقي الأبدان، وصدق الإنسان لا يحده المكان، والعبرة بالإخلاص في التضرع لا بالتجمهر والتجمع.


مواضيع متعلقة