"إنك لعلى خلق عظيم".. كيف تعامل النبي محمد مع المسيئين له؟

كتب: عبد الوهاب عيسي

"إنك لعلى خلق عظيم".. كيف تعامل النبي محمد مع المسيئين له؟

"إنك لعلى خلق عظيم".. كيف تعامل النبي محمد مع المسيئين له؟

سجل التاريخ بأحرف من نور مواقف نبوية كانت ذروة التسامح مع الآخر، فقد كان النبي محمد صلي الله عليه وسلم، عفوا متسامحا، حتى مع المسيئين له، فكان يقابل السيئة بالحسنة، وقدم نموذجا في العفو والتسامح يقتدي به الجميع.

وقال الله في كتابه العزيز في العديد من المواضع واصفا أخلاق النبي وحسن تعامله مع الجميع، فذكر: ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾، وقال أيضا: ﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾، وقال عز وجل: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾، ويقول تعالى ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا ﴾

ونستعرض بالتزامن مع اقتراب ذكرى مولد النبي الكريم، ومع ما يتعرض له من إساءات من البعض سواء قولا أو عبر رسوم مسيئة، أبرز مواقف التي تجلت خلالها سماحة الرسول.

عفو النبي عن المسيئين قبل الهجرة

حينما ضاقت مكة بالنبي صلي الله عليه وسلم قبل البعثة، واشتد إيذاء أهلها له بعد وفاة عمه فى شوال من السنة العاشرة من البعثة، انتقل ماشيا على قدميه إلى الطائف التى تبعد عن مكة حوالى تسعين كيلو مترا، ومعه مولاه زيد بن حارثة، ليدعو قبائلها إلى الإسلام.

أقام صلى الله عليه وسلم بالطائف 10 أيام يدعو أشرافها وأهلها، وجابهوه قائلين: "اخرج من بلادنا"، وأغروا به سفهائهم وعبيدهم يسبونه ويقذفونه بالحجارة، حتى سالت منه الدماء، وجلس النبي متعبا في بستان فصلى ركعتين وأخذ يدعو ربه دعاء المستجير الشهير: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتى، وقلة حيلتى، وهوانى على الناس يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربى إلى من تكلنى؟ إلى بعيد يتجهمنى، أم إلى عدو ملكته أمرى؟ إن لم يكن بك علىَّ غضب فلا أبالى، غير أن عافيتك هى أوسع لى، أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بى غضبك، أو يحل علىَّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك"، فبعث الله إليه جبريل ومعه ملك الجبال، يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة.

يروي الإمام البخارى في صحيحه، عن النبي قوله: "عرضتُ نفسى على ابن عبد ياليل بن عبد كُلاَل، فلم يجبنى إلى ما أردت، فانطلقت -وأنا مهموم- على وجهى، فلم أستفق إلا وأنا بقَرْنِ الثعالب -وهو المسمى بقرن المنازل- فرفعت رأسى فإذا أنا بسحابة قد أظلتنى، فنظرت فإذا فيها جبريل، فنادانى، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فنادانى ملك الجبال، فسلم علىّ ثم قال: يا محمد، ذلك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليه الأخشبين - أى لفعلت، والأخشبان: هما جبلا مكة: أبو قُبَيْس والذى يقابله، وهو قُعَيْقِعَان- قال النبى صلى الله عليه وسلم :"بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئا".

عفوه عمن حاول قتله

عن جابر رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، بذات الرقاع (إحدى غزوات الرسول)، ونزل رسول الله "صلى الله عليه وسلم" تحت شجرة فعلَّق بها سيفه.

فجاء رجل من المشركين، وسيف رسول الله "صلى الله عليه وسلم" معلَّق بالشجرة فأخذه، فقال الأعرابي: تخافني؟ قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": لا، فقال الأعرابي: فمَن يمنعك مني؟ قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": الله، فسقط السيف من يد الأعرابي، فأخذ رسول الله "صلى الله عليه وسلم" السيف فقال للأعرابي: مَن يمنعك مني؟ فقال الأعرابي: كن خير آخذ. فقال "صلى الله عليه وسلم": تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: لا، ولكني أُعاهدك ألا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى رسول الله "صلى الله عليه وسلم" سبيله، فأتى أصحابه فقال: جئتكم من عند خير الناس" [صححه ابن حبان].

تسامحه مع أعرابي أساء إليه

عن أنس بن مالك قال: كنت أمشي مع رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وعليه برد نجراني (عباءة) غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه جبذة -أي جذبه جذبة قوية- حتى رأيت صفح عنق رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قد أثَّرت بها حاشية البرد من شدة جذبته (تركت الجذبة علامة على عنق الرسول)، فقال: يا محمد أعطني من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء.

أعظم التسامح مع أهل مكة

من أعظم نماذح تسماحه صلى الله عليه وسلم ما فعله مع كفار قريش بعد الفتح، فبعد أن أذاه الكفار، وطردوه وحاربوه مرارا وحاولوا قتله، وحين تغلب عليهم، ودخل مكة فاتحا، قال لهم: (يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟) قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم قال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) فعفا عنهم بعد أن أمكنه الله تعالى منهم، فضرب بذلك المثل في تعامله "صلى الله عليه وسلم" في العفو والصفح على المسيئين.


مواضيع متعلقة