التعليم المشروع القومى الأول

فى الوقت الذى يسعى الوزير للخروج من أزمة تفريغ العقول بما يسمى التعليم، نجد التيار المعارض يشتد إما عن جهل أو تآمر، فالتعليم هو البوابة الأضخم لامتلاك حاضر مصر ومستقبلها سياسياً وأيديولوجياً، وإن كانت الدولة تقوم باستعراضات عسكرية لاستعراض قوتها، فالتيارات الظلامية تقوم باستعراض قوتها أيضاً ولا يوجد علامة دالة شكلياً على القوة والتوغل سوى فرض الحجاب فى المدارس، طلبها مرشد الإخوان صراحة من «عبدالناصر» ورفض، فقرروا ألا يطلبوها صراحة ولماذا يطلبونها ولديهم ملايين جاهزة لينة وطرية وتخضع للقهر فى المدارس بحكم السن أو الخوف، القضية ليست قبول أو رفض بنت للحجاب أو حالة فردية، كما قال وزير التعليم، إنها استعراض قوة وسلطة ورسالة للمجتمع الدولى حول مَن يملك الأرض ولو شكلياً.

ويظهر الأمر بين موقف وآخر عندما تتجرأ طفلة أن تعترض، هنا تصبح المقاومة عنيفة لأن من فرض عليها الطرحة يعلم أن القضية ليست غطاء الرأس وإنما تهديد لهيمنة التيار كله.

لقد تركنا التعليم والمعلمين باعتباره قضية اجتماعية ليست ذات أولوية، واطمأن القائمون على الأمر أن نقابة المعلمين تحت يد بعض المخلصين، لكنهم مخلصون لمصالحهم الخاصة، تركوا النقابة والمعلمين نهباً لتيارات ظلامية تعمل على الحشد والتجنيد والتجييش، فليس أسهل من السيطرة على مصر حاضرها ومستقبلها من بوابة تفتح على ربع الشعب، الربع الجاهز للتشكيل بلا عناء، سيطروا عبر خلايا نائمة ومتيقظة على العملية التعليمية، بشراً، ومناهج.

لم يكن عبثاً أو محض المصادفة إلغاء تدريس منهج السنة الأولى ثانوى عن النهضة الصناعية فى أوروبا والصراع الدينى فى أوروبا بين الكنيسة والعلم، النهضة الصناعية ومعها النهضة الفنية من ليوناردو دافنشى وغيره من فنانى أوروبا العظماء، أيضاً ما حدث فى السياسة والفلسفة وكتاب الأمير لميكافيللى.

هذا المنهج كان نافذة ليطل بها الطلاب والطالبات على العالم ويربط أحداثاً كثيرة، تم إلغاؤه ليحل محله منهج تاريخ على طريقة فيلم الفنان أحمد حلمى «100 مبروك» ثلاث حقب زمنية: الفرعونية، الإسلامية، الحديثة يتم إعادته وتكراره ثلاث مرات من رابعة ابتدائى إلى أولى ثانوى.

ليس منهج التاريخ فقط هو ما تم تشويهه ليقدم فراغاً لأولادنا، تكرار سخيف لم يخرجوا منه بمعلومة مفيدة أبعد من أن مكانه ورقة امتحان، ثم سلة المهملات، وإنما امتد الأمر إلى القضاء على الأنشطة باعتبارها غير هامة والأهم دروس العربى والحساب واللغات، فخسرنا الاثنين لا عربى ولا حساب ولا لغات، ولا إبداع وفكر، لأن الأنشطة التى تساعد على الفكر والإبداع بلا ميزانية ولا أدوات سواء موسيقية أو فنية أو رياضية أو زراعية أو حتى تدبير منزلى، ركز التعليم على هدف وحيد، هو تجهيل الطلبة وتحويلهم، وأسرهم، لأسرى درجات سخيفة دون مضمون.

نحن بحاجة إلى التطوير ليس فقط على مستوى البناء، وإنما البشر، إن استطعنا تشييد الطرق والمدن بهذا الإبداع وهذه السرعة، فأنا متأكدة أننا نستطيع بناء البشر بنفس الإبداع والسرعة حتى لا يهدم أولادنا ما تعبنا لبنائه، لا بد من مضاعفة ميزانية التعليم على أن تخصص للأنشطة ومدرسى الأنشطة، لأن الأنشطة المدرسية والجامعية هى ما تحارب التطرف.