القمة الثلاثية بين مصر وقبرص واليونان.. تعميق العلاقات وبحث الاستفزازات التركية

كتب: الوطن

القمة الثلاثية بين مصر وقبرص واليونان.. تعميق العلاقات وبحث الاستفزازات التركية

القمة الثلاثية بين مصر وقبرص واليونان.. تعميق العلاقات وبحث الاستفزازات التركية

شارك الرئيس عبدالفتاح السيسي، اليوم، في اجتماع القمة الثلاثية الثامنة بين مصر وقبرص واليونان، في العاصمة القبرصية نيقوسيا، التي ناقشت دعم وتعميق العلاقات المتميزة بين الدول الثلاث، وتقييم التطور في مختلف مجالات التعاون ومتابعة المشروعات المشتركة الجاري تنفيذها، في إطار الآلية الثلاثية.

فضلا عن تعزيز التشاور السياسي، وتبادل الرؤي حول سبل التصدي للتحديات التي تواجه منطقتي شرق المتوسط والشرق الأوسط، وبحث الاستفزازات التركية المتكررة، وآخر التطورات على الصعيد الإقليمي وجهود تسوية الأزمات التي تعاني منها بعض دول المنطقة، والتعاون في مجال الطاقة والهجرة ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى الوضع فيما يتعلق بجائحة كورونا.

تأتي القمة الثامنة ضمن الآلية الثلاثية التي أطلقتها مصر في نوفمبر 2014 عقب تولي السيسي الحكم، بهدف تعزيز التعاون المشترك في كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية وفي مجالات الطاقة ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وغيرها من القضايا ذات الاهتمام المشترك، فضلا عن وضع آلية لكيفية الاستفادة من ثروات شرق المتوسط، وصياغة رؤية مشتركة لمواجهة التهديدات التركية.

ومنذ ذلك الحين، تعقد القمة بالتناوب بين الدول الثلاث على الأقل مرة خلال العام، فيما عدا عام  2015 الذي شهد قمتين إحداهما في أبريل والأخرى في ديسمبر، بما يعكس رؤية مشتركة لأهمية تلك الآلية في التعاطي مع المستجدات التي تهم البلدان الثلاثة.

تكتسب القمة أهمية خاصة، بالنظر إلى توقيتها المتزامن مع استمرار الاستفزازات التركية المهددة لأمن الدول الثلاث واستقرار منطقة شرق المتوسط، كما أنها تعقب نقلة نوعية في علاقات التعاون بينهم، وهو ما يمكن استعراضه على النحو التالي:

توقيع اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر واليونان:

تعد القمة هي الأولى منذ التوقيع على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين البلدين في السادس من أغسطس الماضي، خلال زيارة لوزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس، إلى القاهرة، ودخولها حيز النفاذ في الثاني من سبتمبر الماضي، وفقا لقرار من وزير الخارجية المصري يسمح بموجبه بتعيين جزئي للحدود البحرية بين الدولتين واستكمالها بمشاورات لاحقة.

ويقطع هذا الاتفاق الطريق أمام الأطماع التركية في شرق المتوسط، بعدما دحض اتفاق ترسيم الحدود البحرية غير الشرعي الذي وقعته أنقرة مع حكومة الوفاق الوطني الليبية، المنتهية ولايتها، في 29 نوفمبر،2019 كونه يغطي بعض المناطق التي شملتها الاتفاقية المزعومة، التي لم تراع الجزر اليونانية، وتمنح تركيا حقوقا غير مشروعة للتنقيب عن الغاز في مناطق متنازع عليها، بالمخالفة لقانون البحار، الذي لم تنضم إليه أنقرة.

معاودة النشاط التركي في شرق المتوسط:

في إصرار منها على استمرار الاستفزازات الموجهة لليونان وقبرص، وبما يظهر سوء نيتها وعدم جديتها في حل الخلافات مع البلدين، أعادت تركيا يوم  12 أكتوبر نشر سفينة المسح السيزمي "أوروتش ريس"، للتنقيب عن الغاز في المياه المتنازع عليها بالقرب من الجزر اليونانية، حيث أبحرت السفينة بين قبرص وجزيرة كريت اليونانية خلال الأسبوع الماضي، واقتربت من جزيرة كاستيلوريزو يوم الثلاثاء بحوالي  22 كيلومترا بما يهدد بتصعيد التوتر العسكري والسياسي بين البلدين.

وجاء في إخطار آخر لحكومة أنقرة أن سفينتين أخريين هما، أتامان وجنكيز خان، إلى جانب أوروتش ريس، ستواصل العمل في منطقة تشمل جنوب جزيرة كاستيلوريزو حتى يوم  22 أكتوبر الجاري. وكانت أنقرة قد سحبتها في وقت سابق لإعطاء فرصة للجهود الدبلوماسية، قبل اجتماع قمة للاتحاد الأوروبي، لكن على ما يبدو أن هذا كان مناورة تركية هدفت لخداع الاتحاد الأوروبي، وسرعان ما عادت الأوضاع إلى ما كانت عليها.

وتهدف الأنشطة التركية إلى تحقيق أمر واقع في بحر إيجة وشرق البحر المتوسط بالوسائل العسكرية، ما دفع الحكومة اليونانية إلى مطالبة المفوضية الأوروبية بالنظر في تعليق اتفاقية الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي، فضلا عن دعوة ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا إلى تعليق تصدير المعدات العسكرية لتركيا.

إنشاء منظمة غاز شرق المتوسط:

تأتي القمة بعد شهر من تحويل منتدى غاز شرق المتوسط الذي تأسس في يناير  2019 إلى منظمة في  22 سبتمبر الماضي حيث وقعت ست دول هي مصر وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا والأردن على اتفاقية التحويل، مستبعدة من ذلك تركيا، التي كانت أعربت عن رغبتها في الدخول في مفاوضات مع مصر بشأن قضية ترسيم الحدود البحرية، في إشارة إلى رفض مرحلي لهذا الحوار في ظل استمرار بعض القضايا العالقة والمتعلقة باستمرار التدخل في سوريا وليبيا والعراق ودعم الجماعات الإرهابية في تلك البلدان، وتواصل الاستفزازات في شرق المتوسط، فضلا عن توفير ملاذ آمن لعناصر جماعة الإخوان المطلوبين في مصر.

ملفات على جدول الأعمال

خط الغاز بين مصر وقبرص: يحتل ملف الطاقة موقع الصدارة على أجندة المباحثات الثلاثية، وفي القلب منه جهود تفعيل الاتفاقية التي وقعتها مصر وقبرص في سبتمبر  ،2018 في نيقوسيا، لإقامة خط أنابيب بحري مباشر من أجل نقل الغاز الطبيعي من حقل أفروديت القبرصي إلى محطات الإسالة بمصنع إدكو لإسالته ومن ثم إعادة تصديره إلى الأسواق المختلفة، بما يدعم مساعي مصر للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة.

الاستفزازات التركية المتكررة:

وهو موضوع حيوي بالنسبة للدول الثلاثة، فالإضافة إلى المناوشات المتعلقة بإرسال سفينة المسح السيزمي المشار إليها سلفا، أخذت الاستفزازات التركية بعدا جديدا مؤخرا من مظاهرها رفض أنقرة تصريح تحليق طائرة تقل وزير الخارجية اليوناني، نيكوس ديندياس، عائدا من زيارة إلى بغداد مدعية أن الطائرة لم تقدم خطة الرحلة المطلوبة، مما أجبر الطائرة على البقاء في الجو لمدة 20 دقيقة تحلق فوق الموصل.

فضلا عن إعادة فتح مدينة فاروشا الساحلية الواقعة في أراضي جمهورية شمال قبرص التركية غير المعترف بها بعد  46 عاما، بالمخالفة لقرار مجلس الأمن عام  1984الذي يحمي وضع فاروشا وينص على أن المنطقة المهجورة لا يمكن أن يسكنها سوى سكانها الأصليين. وتطالب الحكومة القبرصية بعودة المدينة إلى سكانها الأصليين من القبارصة اليونانيين، وهو الأمر الذي تقاومه تركيا وتسعى لضمها للشمال.

هذا إلى جانب القضايا التقليدية في العلاقات مع تركيا، وعلى رأسها استمرار إرسال أنقرة آلاف اللاجئين إلى الحدود اليونانية في وقت سابق من هذا العام.

القضايا الإقليمية:

لا يقتصر التنسيق بين الثلاثي؛ المصري- القبرصي- اليوناني، على قضايا التعاون في شرق المتوسط، ولكنه امتد ليشمل القضايا التي تموج به منطقتنا، انطلاقا من وحدة الرؤية بشأن ضرورة الحفاظ على وحدة واستقلال وسيادة دول الشرق الأوسط ودعم مؤسساتها الوطنية واستعادة الأمن والاستقرار لشعوبها والوصول إلى تسوية سياسية لأزماتها لوقف حالة التدهور الأمني والسياسي وبالتبعية الاقتصادي التي تعانيها المنطقة منذ عام 2011 والتي تسببت في إضعافها وتفكك دولها، وجعلها صيدا سهلا للأطماع الإقليمية والدولية، وبالأخص التركية.

وتتفق الدولتان على ضرورة الحل السياسي للأزمتين السورية والليبية استنادا إلى المرجعيات الدولية وقرارات مجلس الأمن، ورفض التدخلات الخارجية، وخاصة التركية، وضرورة تفكيك الميليشيات المسلحة ونزع سلاحها، ورفض تغيير التركيبة السكانية لمناطق الشمال السوري، بما يحفظ وحدة وسلامة وسيادة الدولتين.

وهم في ذلك يبعثون برسالة صريحة إلى المجتمع الدولي تفيد برفض الممارسات التركية غير المشروعة والمزعزعة للاستقرار في سوريا وليبيا، وضرورة أن يضطلع المجتمع الدولي بمسؤولياته والضغط على تركيا لوقف مشروعها التوسعي، وسحب قواتها من البلدين ووقف دعمها للميليشيات المسلحة.

وينطلق البلدان الثلاثة من رؤية مشتركة فيما يتعلق بتطورات عملية السلام في الشرق الأوسط، تتعلق بضرورة استمرار الجهود لتسوية القضية الفلسطينية على أساس مقررات الشرعية الدولية، وكذا أهمية إنهاء حالة الجمود الراهنة واستئناف المفاوضات سعيا لتحقيق هذا الهدف المنشود.

كما تتفق نيقوسيا وأثينا مع موقف القاهرة بشأن قضية سد النهضة فيما يتعلق بضرورة الوصول إلى اتفاق عادل ومتوازن بين مصر وإثيوبيا والسودان على قواعد الملء والتشغيل للسد.

جهود توحيد قبرص:

يؤدي فوز المرشح إرسين تتار، في جولة إعادة الانتخابات التي شهدتها جهورية قبرص الشمالية غير المعترف بها دوليا، في  18أكتوبر الجاري، تعقيدا لجهود توحيد الدولة القبرصية، حيث يتبنى تتار حل الدولتين.


مواضيع متعلقة