"النحل" سبيل مرضى البهاق والروماتويد للعلاج.. البحث عن جرعة "سم"

"النحل" سبيل مرضى البهاق والروماتويد للعلاج.. البحث عن جرعة "سم"
الجميع ذاق عسله وتداوى به، لكن «سُمّه» اختلفوا بشأنه، فبينما يهرب كثيرون من قرصات النحل، لما تسببه من تورم للجلد والعيون، يُقبل آخرون عليها أملاً فى تحسن حالاتهم الصحية وتخفيف آلامهم، بعد رحلة بحث طويلة عن علاج فى المستشفيات، وبين هذا وذاك، يحذر العديد من الأطباء من اللجوء إلى سم النحل دون إشراف طبى، فقد يؤدى إلى الموت فى بعض الأحيان.
مرضى البهاق والروماتويد أكثر المقبلين على هذا النوع من العلاج، يلجأون إلى مراكز محدودة تبيع لهم سم النحل بعد استخلاصه بواسطة جهاز كهربائى، بينما يعانى أهالى الصعيد والقاطنون خارج حدود القاهرة من عدم توفره، ويضطرون إلى تحمل القرص داخل المناحل بالطرق التقليدية، والتى يحذر منها أطباء، ويصفونها بوهم يصدقه الغلابة.
"ديليفرى" ع البوسطة
26 عاماً عاشتها منى الجبلاوى، أسيرة لمرض «الروماتويد»، لا تقوى على الحركة والجلوس، وازدادت آلامها مع تقدمها فى العمر، وبعد جولات على العيادات الطبية واستشارة عديد من الأطباء، وجدت ضالتها فى جرعة سم النحل.
«ابنى قال لى فيه علاج جديد يا ماما يلّا نجرب»، تتذكر «منى» فرحتها بالخبر، خاصةً بعد أن أخبرها بفوائد سم النحل، التى طالعها على مواقع الإنترنت، وبعد بحث عن سبيل لأخذ الجرعات، بدأت العلاج منذ فبراير الماضى: «كلمنا مركز يستخلص السم ويوفره للمرضى، ووضحت لمسئول هناك طبيعة مرضى، فقال لى إن الحقن هتفيدنى، وبعد شهر بقيت أحسن».
تسكن «منى» فى مدينة رأس غارب، لا تستطيع التنقل لمحافظات أخرى بسبب حالتها الصحية، وتطلب جرعات سم النحل «ديليفرى»، من مركز يوفره بسعر مناسب، حيث يباع بأسعار خيالية فى أماكن أخرى، تصل إلى 3 آلاف جنيه للجرعة: «بتواصل مع المركز بالتليفون بيبعت لى عن طريق البوسطة، وأسعاره كويسة 340 جنيه».
ملازمتها للمنزل لسنوات طويلة، جعلت كل من يراها تتحرك فى الأيام الأخيرة يتساءل عن سبب تحسنها، الأمر الذى أسعدها: «الناس مش مصدقين، ونفسهم يعملوا زيى، وباستقبل مكالمات من كل مكان لنفس السبب، آخرها اتصال من قنا، ورشحت لهم سم النحل».
تأخذ «منى» الجرعات عن طريق سرنجة مرضى السكرى، تملؤها بـ50 ملم من السم، وتحقن كل مكان يؤلمها فى جسدها بمقدار 10 ملم كل أسبوعين، الأمر الذى ساهم فى تحسن صحتها، على حد زعمها، وساعدها على الحركة يوماً بعد يوم.
تتمنى «منى» أن ينال سم النحل نصيبه من الشهرة التى يستحقها، معبرة عن استيائها من عدم توفره فى المحافظات المختلفة: «للأسف سم النحل مش منتشر أوى، والحصول عليه صعب، بتعب لحد ما يجينى من القاهرة».
"لسعة" لوجه الله
فى مساحة صغيرة وسط الزروع، بإحدى قرى محافظة سوهاج، أنشأ فتحى على، منذ أكثر من ثلاثين عاماً «منحل» يبيع فيه العسل لأهالى بلدته، لكنه لم يكتف بذلك، بعد سماعه عن فوائد سم النحل، فقرر فتح أبواب المنحل للمرضى، ومساعدة من يعانون من أمراض مختلفة مثل الروماتويد وآلام المفاصل والكتف بجرعات «السم»، حسب وصف الأطباء لهم.
يعتمد الرجل الخمسينى، فى علاجه للمرضى على الطريقة البدائية، فهو لا يستطيع الحصول على الجهاز الخاص باستخلاص سم النحل، نظراً لغلائه، وعدم معرفته بكيفية استخدام الجهاز وتشغيل الذبذبات الخاصة به: «بحط النحل فى قفص وبديه للمريض يلسع نفسه، وبلجأ للنحل الحاضن جوه الخلية، لأنه النوع المفيد، فى مقابل نحل الرحيق اللى لسعته صعبة».
ليس شرطاً أن يعرف «فتحى» مرض الحالة التى تقصده لأخذ جرعة، ويذكر أن سيدة تتردد على منحله منذ عام، ولم تكشف عن طبيعة مرضها: «بتاخد لسعة كل 3 أيام»، ومع تحسن حالات المرضى، الذين يترددون عليه، ذاع صيت المنحل وجدوى سم النحل، الذى لا يعرف كثيرون عنه، ويتمنى الرجل الصعيدى أن تنتشر فوائده، التى لا تحصى على حد وصفه.
يرفض «فتحى» أخذ مقابل ممن يترددون عليه لأخذ النحل أو اللسع به داخل منحله، وسمع عن أحد الموردين لجهاز استخلاص سم النحل من الشركة الأمريكية فى الإسكندرية والبحيرة، لكنه فقد الأمل فى التواصل معه، والحصول على «السم»، الذى يصل سعر اللتر منه إلى 250 ألف جنيه: «ماباخدش فلوس من الناس اللى بتجينى، دى حاجة لله».
"مصل" لتحسين النفسية
على سطح منزله، مارس هوايته وحبه لـ«العسل»، وجعله مصدراً للقمة العيش، ثم اكتشف عمر أبوالحسن، بعد دراسة وبحث، فوائد عظيمة للنحل و«سُمِّه»، وعدم انتشار ثقافة العلاج به حتى وقتنا هذا، رغم استغلال فوائد هذه الحشرة منذ أوائل الستينات فى دول الغرب.
فى مركز بالجيزة، وتحديداً فى منطقة المنيب، وسَّع «عمر» تجارته لـ«سم النحل» فأنشا منحلاً، يبيع فيه «السم» منذ سنوات، مستخدماً الجهاز الكهربائى الخاص باستخلاصه، والذى تم تصنيعه مؤخراً فى مصر: «جهاز كهربى، عبارة عن أسلاك، بيتحط قدام الخلية، والنحل بيقف عليه فياخد لسعة من التيار فيخرح السم فى ديله، ونثبته بالورقة الفلوسكاب، والسم بيبدأ يتكون، وبعد كده بيبدأ يتحلب المصل واللقاح».
فوائد الجهاز الكهربائى كبيرة، بحسب «عمر»، حيث يحافظ على النحل، بدلاً من الطريقة البدائية التى تتسبب فى موته، ولتعميق قدراته أخذ «كورسات» فى الكيمياء العضوية حول كيفية استخلاص سم النحل، الذى له آثار سلبية عند تجاوز عدد الجرعات المسموح بها من الطبيب، وفقاً لطبيعة كل حالة.
يبيع «عمر» سم النحل للأشخاص الذين يترددون على المنحل الخاص به، بأسعار رمزية تصل إلى 50 جنيهاً للعبوة، التى تكفى المريض مدة أسبوعين. سمعة طبية اكتسبها «عمر» طوال سنوات عمره، وكانت سبباً فى أن يتردد على منحله كثير من الزبائن: «الناس فى البداية بيستغربوا، بس بييجوا بعد ما يسمعوا تجارب غيرهم الناجحة»، حيث نجح فى مساعدة مرضى كثيرين، أتوا إليه بعد فقد الأمل فى العلاج بالطرق التقليدية: «أفتكر جت لى طالبة فى عين شمس عندها مرض نفسى، وكانت هتنحر ربنا كرمها بسم النحل وحالتها اتحسنت».
تحت إشراف طبيب
منذ خمسة أعوام، أرادت أن تغير طرق العلاج التقليدية، وتتوصل إلى شىء جديد، وبعد كثير من البحث، قادتها الصدفة إلى شىء لم يخطر ببالها. سمعت فاطمة الزهراء، طبيبة الجلدية عن فوائد سم النحل، فقررت التأكد بنفسها على سبيل التجربة.
لـ«فاطمة» صديقة من محافظة السويس خصصت رسالة الماجستير الخاصة بها عن «سم النحل»، وبدأت تجربته على سيدة تعانى من «البهاق»، كانت قد فقدت الأمل فى تحسنها بالأدوية وجلسات الأشعة، فقررت حقنها بـ«السم»، «بدأت تتحسن بشكل ملحوظ، وأنا كملت معاها كل البقع، ومارجعتش تانى، فقررت أسافر السويس علشان أعرف مين بيجيب لهم السم».
بُعد المسافة بين محافظتى البحر الأحمر حيث تقطن «فاطمة» وبين السويس، جعلها تبحث عن مصدر آخر يرحمها من مشقة التنقل، حتى توصلت إلى مركز فى «المنيب» وبدأت التعامل معه، لعلاج مرضى البهاق، لافتة إلى أن سم النحل يعالج أمراض الروماتويد والروماتيزم أيضاً.
وبحسب «فاطمة» يخضع المريض لجلسة كل 3 أيام تقوم فيها الطبيبة بتخدير جلد المريض قبل أخذ السم، لتجنب إحساسه بالألم، ثم تقوم بتنظيف الجلد وتعقيمه جيداً بعد انتهاء الجلسة: «بحقن الجلد بسرنجة أنسولين، وأفضل أتنقل وألفّ حول البقعة اللى لونها فاتح». ترفض «فاطمة» العلاج بقرص النحل، كما يسلك البعض، حيث يؤدى فى رأيها إلى موت الحشرة المفيدة، وتتبع فى كل خطوات علاجها سبل الوقاية والأمان، لتجنب الأعراض الجانبية، وتعطى للمريض مسكناً لمقاومة الألم: «أحياناً سم النحل بيعمل حساسية بتنتشر فى الجسم كله، بعد أربع ثوانى من الحقن الجلد بيورم، وبعد ساعة بيخف، وتبدأ البقعة تحمر ثم تتقلص مع كل حقن وجلسة». وشددت طبيبة الجلدية على ضرورة اللجوء إلى مصدر ثقة لأخذ الجرعات، ومتابعة الحالات المرضية مع أطباء للإشراف عليهم، حيث إن صرف جرعات سم النحل دون استشارة طبية يؤدى إلى أعراض وخيمة تصل إلى الوفاة، على حد وصفها: «لازم أعرف هل الشخص مريض ضغط أو سكر، لأنه ممكن يورم جسمه كله ويموت».
مراكز دون ترخيص
«مجرد وهم»، هكذا يصف أحمد محمد عبدالغنى، استشارى بالمركز القومى للسموم، العلاج بسم النحل، حيث لا تستمر فاعليته كثيراً، فهى وقتية تذهب بعد انتهاء مفعوله: «الحالة بتحس بتحسن وقت ما تاخد السم، ولما توقف الجرعات، بترجع لحالتها الطبيعية تانى، وتستمر المعاناة من المرض». «سم النحل»، يستخدمه من يعملون بالحجامة بجانب أطباء الباطنة، مروراً بأشخاص ليس لهم علاقة بالطب، الأمر الذى دفع «عبدالغنى» للتحذير منه، وإعطائه للمرضى دون إشراف طبى: «إذا لزم الأمر، فلابد أن يُعطى للمريض بجرعات معينة، بحسب طبيعة المرض والحالة».
بمجرد دخول «السم» إلى جسم الحالة، التى تعانى من آلام فى العظام أو الخشونة والروماتويد، يمر بعدة مراحل، وفقاً لـ«عبدالغنى»: «السم أول ما بيدخل بيعمل التهابات فى العظم، وبيبقى عبارة عن مسكنات، وبيحفز الكورتيزون الطبيعى فى الجسم»، مشيراً إلى عديد من الأعراض الجانبية والسلبية لسم النحل، تصل إلى نقل عدوى فيروس سى والحساسية الشديدة، فضلاً عن أن الحقن الخاطئ للوريد يؤدى إلى الموت: «كأنه جسم غريب دخل جوه الإنسان، له تأثيراته». ورغم رفض «عبدالغنى» العلاج بهذا «السم»، إلا أنه يقر بتحسينه للحالة النفسية: «بيحسن المود ويخفف من حدة الاكتئاب، وبيعوض الأدرينالين والكورتيزون المسئولين عن هرمون السعادة»، كما يعبر استشارى مركز السموم، عن استيائه من عدم وجود رقابة على مراكز بيع سم النحل، وعدم التفات وزارة الصحة ومسئولى مكافحة العدوى لها: «للأسف فيه كمية جهل غير طبيعية». لا توجد إحصائية ترصد حالات العلاج بـ«سم النحل»، بحسب «عبدالغنى»، ولا تحصل مراكز استخلاصه وبيعه على تراخيص من منظمة الصحة العالمية، مشدداً على ضرورة وجود حل لهذه المشكلة: «الناس مش هتتعظ إلا لما يحصل لها مصيبة، وصعبان عليّا الناس الغلابة فى الأرياف اللى بيصدقوا الكلام وبيخوضوا التجربة».