سد النهضة.. وما خفى كان أعظم!

عماد فؤاد

عماد فؤاد

كاتب صحفي

تعددت اجتهادات وتحليلات الكتاب والمراقبين السياسيين حول الدور الإسرائيلى فى تصعيد أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، والدلائل حول هذا الدور متوافرة إلى حد كبير، من بينها مثلاً التقرير الذى نشره معهد الأبحاث للأمن القومى الإسرائيلى عام 2018 تناول خلاله الفائدة السياسية العائدة على إسرائيل من تعميق أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا.

قال الباحث أوفير وينتر فى تقريره: «إن أزمة سد النهضة وضغط العجز المائى الذى ستعانى منه مصر فى المستقبل سيؤدى بها إلى اللجوء لإسرائيل الرائدة فى تقنيات تحلية المياه وتحسين استهلاكها فى رى الأراضى الزراعية، وبالتالى تحسين العلاقات بين البلدين وتعزيز التعاون والتحول عن السياسة الباردة التى كانت تتعامل بها مصر مع إسرائيل»، وأضاف الباحث الإسرائيلى فى تقريره: «هذا الأمر سيخدم مجموعات متنوعة من المصالح، ومنها تعزيز الاعتراف المصرى بفوائد السلام مع إسرائيل، وتوسيع نطاق العلاقات الثنائية بين الحكومة والأحزاب فى كلا البلدين».

أشار «وينتر» فى مقاله أيضاً إلى الحلم الأسمى الذى كان يراود إسرائيل منذ عام 1949 بتوصيل فرع النيل إليها والاستفادة منه، هذا المطلب الذى كان يقابله رفض مصرى قاطع.. حالياً تتيح ظروف البلدين فرصة إحياء الآمال المسروقة من جديد.

وإذا كان الدور الإسرائيلى فى أزمة سد النهضة يبدو «مفضوحاً» إلى حد كبير ويمكن رصده بسهولة، فإن الدور الأمريكى يبدو «غائماً» وباعثاً على الحيرة، خاصة مع دخول الولايات المتحدة كوسيط سعياً للوصول لحل يرضى جميع الأطراف.

دائماً ينتابنى الشك فى مصداقية النوايا الأمريكية تجاه مصر، وفيما يتعلق بأزمة السد تحديداً، عثرت بالمصادفة بين أوراقى المتراكمة على ما يشير إلى قيام مجلة أمريكية مهمة بتحريض إثيوبيا ضد مصر بدعوى أن الإثيوبيين لا يستفيدون من مياه نهر النيل «المقدسة»، وأن مصر والسودان تتحملان المسئولية عن حالة الحرمان التى يعيشها غالبية سكان إثيوبيا!

فى عدد ديسمبر عام 1985 نشرت المجلة الجغرافية الأمريكية «ناشيونال جيوجرافيك» موضوعها الرئيسى تحت عنوان لافت للنظر هو «النيل الأزرق.. مياه إثيوبيا المقدسة»، ونقلت كاتبة التحقيق الصحفى فى المجلة، «فيرجينيا موفيل» عن أحد الإثيوبيين قوله: النيل يأخذ تُربتنا، ولا يعطينا أى شىء فى المقابل.

وقالت المجلة إن خبراء أمريكيين وإثيوبيين درسوا قبل أربعين سنة إقامة شبكة سدود على النيل الأزرق، إلا أن المشروع لم يدخل حيز التنفيذ.

وتعلن المجلة عن شعورها بالحسرة لأن السد الأول على النيل الأزرق (سد الدمازين)، بعد انطلاقه من بحيرة «تانا» يقع داخل الأراضى السودانية على عمق نحو سبعين كيلومتراً فى حين لا يوقف جريان النهر أى شىء طوال الـ700 كيلومتر التى يسير فيها داخل الأراضى الإثيوبية.

وتكشف سطور المجلة عن خيبة الأمل، لأنه لم تتم إقامة السدود على النيل الأزرق للحد من وصول مياه نهر النيل إلى مصر، خاصة أن النيل الأزرق يسهم بنحو ثلثى مياه نهر النيل!

ويبدو التحريض سافراً فى اللهجة المثيرة للشك والريبة التى استخدمتها المجلة لإعطاء مياه النيل الأزرق طابعاً دينياً مقدساً، وطابعاً وطنياً إثيوبياً، والوصول إلى استنتاج عنصرى هو «أن العرب فى مصر والسودان هم الذين يستفيدون من المياه الإثيوبية المقدسة.. أما إثيوبيا.. فإنها الخاسرة»!

ودعت مجلة «ناشيونال جيوجرافيك»، التى ترتبط موضوعاتها دائماً بأحداث يجرى التخطيط لوقوعها، أو فى طريقها للتنفيذ، إلى إقامة السدود والمشروعات على النيل الأزرق.

المجلة قابلت مصادر إثيوبية وأمريكية أعربت عن إعجابها بمشروع «الغاب» الذى أقامته تركيا على نهرى دجلة والفرات بهدف السيطرة على مياه النهرين ومنعها عن كل من سوريا والعراق.

مصر فى أزمة سد النهضة لا تواجه إثيوبيا فقط، لكنها تواجه تحالفاً دولياً المؤكد أنه يضم أمريكا وإسرائيل، وما خفى من دول أخرى كان أعظم.