وقود الحرب يلتهم مستقبل أطفال اليمن.. مدرسة تتحول لـ خرابة وطلابها: نفسنا نتعلم

وقود الحرب يلتهم مستقبل أطفال اليمن.. مدرسة تتحول لـ خرابة وطلابها: نفسنا نتعلم
مبنى متواضع بدت هيئته بحالة يرثى لها، به طبقات متراكمة من الرماد، وطوب منثور في كافة الأرجاء، أسوار لم تعد لها أثر، وخروق في الحوائط يفوت منها الأفيال، للوهلة الأولى تشعر أنه بيت للأشباح، آيل للسقوط إذا اصطدمت به نملة، فلا يوجد بشري يتحمل الصعود إليه أو الجلوس فيه، يخلو تماما من السكان، إلا من بعض الطلاب الذين يرددون كلمات منظمة في النهار أملًا في مستقل أفضل لبلادهم، هنا مدرسة "الوحدة" في مدينة تعز باليمن.
في عام 2016، بدأت حكاية انهيار مدرسة "الوحدة" حينما تعرضت للهدم على أيدي جماعة الحوثي، خلال النزاع على السلطة بين الحكومة والمتمردين الذي بدأ قبل 6 سنوات، ليُمحى الطلاء عن جدران المدرسة وتبقى الحجارة الحمراء بارزة متآكلة كضلوع العجوز الميت، لتستكمل المدرسة مسيرتها وسط هذا الكم من الخراب والدمار.
مديرة المدرسة: الطريق إلى المدرسة محفوف بالمخاطر.. واستكمالنا للحفاظ على الجيل القادم
جميلة أحمد الوافي، تلك السيدة الثلاثينية التي تولت منصب مديرة مدرسة الوحدة في عام 2014، بعد سنوات طويلة من العمل بها، تستيقظ كل صباح في رحلة تستغرق ساعتين إلى مقر عملها بالمدرسة، وسط العديد من المصاعب والمخاطر، "الطريق إلى المدرسة غير آمن، فمن الممكن أن يتعرض الشخص للإصابة في أي عملية من التي يقوم بها الجماعات الحوثية".
الإدارة التعليمية في المدينة وقفت بعد مدة من الغلق بين خيارين أحلاهما مرّ، الأول إعادة عمل المدرسة مرة أخرى رغم حالتها المتدهورة، لأن "توقف التعليم معناه تدمير جيل كامل"، وسط التهديدات بالموت تحت الإنقاض، أو إيقاف التعليم وتحطيم عقول الجيل تعليميا.
رغم تحطم المدرسة إلا أنها تسع طلابها في النهار، العمل منظم بداخلها وكأنها كاملة المعدات، تشيع فيها أجواء العلم، وتحفل بمعلميها وطلابها البالغ عددهم 500 طالب وطالبة في المرحلة الابتدائية، تلك هي الطاقة الاستيعابية للمدرسة في الظروف العادية، والتي استمرت بالعدد ذاته وسط انعدام الإمكانيات، فلا مقاعد للطلاب أو سبورات، والمعلم يلجأ للكتابة على الحوائط المتآكلة، ومن أمامه يجلس الطلاب وسط الحطام في مدرسة معلقة على الهواء كأحلام طلابها.
فاروق طالب بمدرسة الوحدة: أحلم بمقعد جديد وكشكول نظيف
بحذاء نظيف يخطو فاروق حسين الطالب بالصف الـ5 الابتدائي، أولى خطواته بعد خروجه من منزله متجهًا إلى المدرسة، يسير مسرعا للوصل إلى مدرسته التي اشتاق لها، الحذر يسيطر على خطواته للانتباه إلى تلك الألغام المزروعة في الطريق الذي يسلكه لتلقي العلم ومقابلة الأصدقاء.
"نفسي في كراسة جديدة ومقعد"، تلك هي أمنية "فاروق" الوحيدة التي يتمناها، بعدما حرمته ظروف الحرب من الأدوات الأساسية لكل طالب في عمره، حيث يستعين بأحد الدفاتر القديمة التي أضحت بعض أوراقها لاستخدمها في العام الدراسي الجديد، يحجز مكانا لجلوسه على إحدى الحجارة المتبقية من الحطام، يحلم أن يكون طالبا عاديا تتوافر لديه المتطلبات الأساسية لأي طالب في العالم.
تسلق الصخور والحطام هي وسيلة "فاروق" للوصول إلى فصله بالمدرسة المدمرة، فدرجات السلم أضحت متهالكة، حتى امكانية استخدام الحمام غير ممكنة، "مفيش حمامات نقدر نستخدمها وممكن نقضي الحاجة في الخلاء خلف أحد الصخور".
والد أحد الطلاب بالمدرسة: هناك حقل إلغام حول المدرسة.. وابني بيخرج ومعرفش هيرجع ولا لا
من أسعد اللحظات التي تمر على الآباء حينما يعيشون تقدم أبنائهم في المراحل التعليمية المختلفة، إلا أن ذلك لم ينطبق على الرجل الخمسيني حسين علي، والد أحد طلاب مدرسة الوحدة، فيعلم أن مصير صغيره لن يكون مثل أقرانه، حيث ينعدم الأمان، ويظل طريقه محفوفا بالمخاطر.
في كل صباح يفتح "حسين"، نافذة شرفته لمنتصفها حتى لا يراه أحد، يرمق أطفاله بعين حزينة، ولسانه يتمتم بدعوات للمولى أن يحفظ صغاره، خوفا من طريق أبنائه الصعب إلى المدرسة فهناك خطر الجماعات الإرهابية، وإذ هربوا منها بقي أمامهم فخ الألغام المزروعة حول المدرسة وطريقها، "ابني بيخرج كل يوم ومش عارف هيرجع لي ولا لأ".
مدير التربية والتعليم في محافظة تعز: 47 مدرسة تهدمت نهائيا بسبب القصف الجوي
محافظة تعز تعد المحافظة الأكبر في نسبة الأضرار، وفقًا لما يوضحه عبدالواسع شداد، مدير التربية والتعليم في المحافظة نفسها، فبلغ عدد المدارس التي تعرضت للدمار ما يقرب من 47 مدرسة تهدمت نهائيا بسبب القصف الجوي، "مدرسة الوحدة في وسط حقل ألغام، نعمل على تطهيره جزئيا للسماح للطلاب بالعودة".
مطلع العام الماضي، جري إيقاف العملية التعليمية في أكثر من 1500 مدرسة، ثلثها تضرر من الهجمات، والأخرى أصبحت ملاجئ للنازحين وتستخدم للقوات المتحاربة، وغيرها أغلق بسبب قلة الموارد وعدم القدرة على دفع الرواتب والتكاليف.