حسن البنا.. نبى الإرهاب
لأسباب تاريخية مختلفة، استثنت الدولة المصرية حسن البنا من خلافها مع جماعة الإخوان المسلمين، ومنذ وقت مبكر سادت نظرية -أظنها خاطئة- تقول إن الإخوان انحرفوا عن نهج البنا بعد وفاته.. فالرئيس جمال عبدالناصر يزور قبر «البنا» بعد أن تصاعد خلافه مع حسن الهضيبى المرشد العام الثانى للجماعة، ويصطحب معه فريقاً من الإخوان الذين نجح فى ضمهم إليه كان منهم صالح عشماوى والشيخ محمد الغزالى وآخرون، كما تأمر الثورة بإعادة فتح التحقيق فى حادث اغتيال «البنا» للمرة الرابعة، ويصدر القضاء أحكاماً رادعة فى حق المتهمين بالاغتيال، وقد انتقل هذا الموقف من الرئيس عبدالناصر للرئيس السادات الذى هادن جماعة الإخوان المسلمين، وأخرج قادتها من السجون، وعقد معها صفقة سياسية، وقد تحدث الرئيس السادات فى كتابه «البحث عن الذات» عن علاقته بحسن البنا، وكيف تعرف به، كما تحدث عن واقعة أطلعه فيها البنا على صناديق مكدسة بالأسلحة والذخائر كانت الجماعة تدخرها ليوم معلوم.. وكان المسئول عنها وقتذاك أحد ضباط الصف فى الجيش المصرى، الذى حاولت الجماعة اختراقه ولم تنجح أبداً.. وفى خطابه الأخير الذى اغتيل بعده بشهر واحد، بدا الرئيس السادات حريصاً على التفرقة بين حسن البنا وبين جماعة الإخوان التى كان يسرد فى الخطاب أخطاءها فى حق تحالفه معها، فى هذا الخطاب قال السادات إنه كان يعرف حسن البنا ويعمل معه.. لكنه كان يعمل معه ضد الإنجليز وضد الملك وضد الأحزاب، وليس ضد مصر كما يفعل الإخوان.. وقد بدت هذه لمسة تقدير من السادات للبنا فى ذروة غضبه من الإخوان المسلمين.
ولسنوات طويلة كان المنشقون على جماعة الإخوان المسلمين يبيعون للجميع وهماً يقول إن جماعة الإخوان فى عهودها الأخيرة انحرفت عن نهج البنا، واتبعت نهج سيد قطب، والحقيقة أن حسن البنا هو واضع بذرة الإرهاب باسم الدين فى المجتمع المصرى، وأن ما روّجه المنشقون الإخوان ليس سوى خدعة كبيرة.
لقد بدأ حسن البنا شخصاً إصلاحياً لكنه انتهى أصولياً إرهابياً.. إذ ما الذى تنتظره من شخص يجمع مجموعة من الناس ويقول لهم إن عليهم مهام عظاماً مثل إحياء الإسلام، وتعبيد الناس لربهم بالقوة، وفرض الشريعة على العالمين، ويقول لهم أيضاً إنهم جماعة (المسلمين) وليسوا جماعة من المسلمين، وبالتالى يقر فى أذهانهم أن من يخالفهم أو يخرج عليهم هو خارج على الإسلام ينبغى عقابه والفتك به، وهو فضلاً عن هذا يؤسس فرقة عسكرية هى فرقة (الجوالة) ينتقى فيها شباب الإخوان الأكثر قدرة بدنياً ونفسياً ويجهز لهم برنامجاً رياضياً وتعليمياً ويمر بهم بمراحل إعداد عنيفة واختبارات شتى، يتم فيها فرز العناصر الأكثر ولاء وجاهزية وضمها للتنظيم الخاص الذى حاول فى النهاية أن يتبرأ من الحرائق التى ارتكبها أعضاؤه فأصدر بياناً يقول فيه «ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين».
ثم تبقى نقطة أخيرة سنعود لها بالتفصيل، وأحسب أنى أملك الشجاعة الكافية للخوض فيها، وهى نظرة الرجل إلى نفسه وإلى «الرسالة» التى ظن أنه يحملها.. وفكرته عن إعادة إحياء الإسلام الذى يقول إنه مات وإن عليه أن يحييه.. فهو يقول فى أحد المواضع «أنا من ضوء محمد وعلى ضوئه أسير»!، ولا أحد فسر لنا حتى الآن ماذا كان البنا يقصد بهذه العبارة الغامضة ذات التأويلات المتعددة، فى حين يقول عنه محمود عبدالحليم مؤرخ الإخوان وأحد قادتهم: «لم أقدّر النبوة حق قدرها إلا لما رأيت هذا الرجل، وجلست إليه، ولازمته، وعاشرته».
فى حين يقول تلميذه أحمد عادل كمال، أحد قادة الجهاز السرى واصفاً البنا: «نحن إزاء إمام قلّ نظيره بين أئمة الهدى النادرين، فهو ولى من أولياء الله، وكان رضى الله عنه حاضر البديهة، متمكناً من علمه، تسعفه الآيات يزفها، يؤيد ما يذهب إليه، فتسمعها ندية طويلة كأنما يتنزل بها الوحى!».
وخلاصة القول إننا لا يمكن أن نفهم الإخوان المسلمين دون أن نفهم حسن البنا مؤسس الجماعة، الذى بدأ إصلاحياً وانتهى أصولياً، ووضع بذرة الإرهاب والعنف فى نفوس قادة الجماعة وبرأه الجميع من هذه التهمة وحمّلوها لسيد قطب الذى لم يكن سوى محطة متقدمة فى طريق رسمه البنا.. وهو ما سنراه فى مقالات قادمة بإذن الله.