الانتخابات الأمريكية في قبضة "كوفيد 19"

حسن أبوطالب

حسن أبوطالب

كاتب صحفي

منذ أن ظهر فيروس «كوفيد 19» رسمياً منتصف فبراير من هذا العام وهو يعبث ويقلب باقتدار مصائر الشعوب والدول دون أدنى يقين حول المدى الذى سيستمر فيه هذا الوضع الغريب، أو المدى الذى يمكن أن تحتوى فيه البشرية هذا الفيروس وتروضه كما روضت فيروسات أخطر من قبل. الحديث الأكبر فى العالم الآن يتعلق ليس بفيروس «كوفيد 19» نفسه، بل بمصير المرشح الرئاسى ترامب الذى أصابه الفيروس فى توقيت قاتل بالنسبة لحملته الانتخابية، ووراء ذلك مصير الانتخابات الأمريكية نفسها، بل ومصير ملفات عديدة جداً دولية وإقليمية.

والأسئلة هنا عديدة وذات أبعاد قانونية ودستورية، وأخرى ذات أبعاد عملية من قبيل هل يمكن للحزب الجمهورى أن يرشح مرشحاً آخر فى حال ثبت عجز المرشح ترامب عن خوض الانتخابات وكيف يتم ذلك؟، وكيف يمكن احتساب الأصوات الانتخابية التى تمت فى الانتخابات المبكرة ووصل عددها إلى أكثر من مليونين ونصف المليون ناخب اختاروا بين «بايدن» الديمقراطى و«ترامب» الجمهورى، وهل يمكن إعادة طبع أوراق الانتخابات التى طبعتها بالفعل الولايات لكى تواكب أى اختيار جديد للجمهوريين فى حال اختفاء اسم المرشح ترامب، وأسئلة أخرى حول كيفية إجراء الانتخابات فى ظل التباس بشأن مرشح قد يفقد عوامل الكفاءة البدنية والعقلية.

دستورياً هناك ما يُعرف بالتعديل الخامس والعشرين الذى أقر فى عام 1965 وتم التصديق عليه بعد عامين، ويتضمن أربعة أقسام تعالج حالات نقل السلطة من الرئيس بعد انتخابه إلى نائبه، أولاها وفاته بعد الانتخاب وبعد تقلده المنصب حينها يصبح نائبه رئيساً لباقى الفترة الرئاسية، وثانيها تحدد كيفية ملء منصب نائب الرئيس إذا صعد النائب المنتخب إلى منصب الرئاسة، وثالثاً أن يتخلى الرئيس طواعية فى حال مرضه عن سلطاته لنائبه ويستعيدها بعد تعافيه، ورابعاً تجريد الرئيس من سلطاته وهى حالة خاصة للغاية تتطلب توافق نائب الرئيس وعدد كبير من مسئولى إدارته على الطلب من مجلس الشيوخ تجريد الرئيس من سلطاته بسبب عدم كفاءته فى إدارة شئون البلاد، وفى حالة عدم مقاومة الرئيس لهذا الطلب وموافقة مجلس الشيوخ يتم تصعيد نائب الرئيس إلى منصب الرئاسة. أما فى حالة مقاومة الرئيس فيصبح الأمر شائكاً ومثيراً للانقسام داخل أركان الإدارة، ومحل نزاع قانونى ويتطلب تدخل مجلس الشيوخ.

الحالات الأربع التى يحددها التعديل الخامس والعشرون لا تتحدث عن مرشح رئاسى قد يصبح عاجزاً عن خوض السباق الرئاسى قبل فترة وجيزة للغاية من إجراء الانتخابات بسبب المرض العضال، أو الوفاة المفاجئة. وهى أمور طرحت بقوة وكثافة شديدة فى مجال المناقشة والفحص بالنسبة لحالة المرشح ترامب بعد إعلان إصابته بفيروس «كوفيد 19» مطلع هذا الشهر، وثبت أنها أمور معقدة وغير مسبوقة فى التاريخ الأمريكى. ولذا فإن تعافى الرئيس ترامب واستعادته لقدراته فى إدارة شئون البلاد وحملته الانتخابية بطريقة تبدو طبيعية أو قريبة جداً من الطبيعية، فإنها تقضى تماماً على مثل هذه الاحتمالات. والواضح أن الرئيس ترامب يدرك ذلك جيداً وكذلك المقربون منه وكل مؤيديه، ومن هنا حرصه على أن يؤكد تعافيه ولو تدريجياً وأنه أصبح أفضل مما كان عليه قبل عشرين عاماً حسب قوله، وهو ما تمثل فى خروجه من المستشفى العسكرى بعد أربع ليالٍ فقط قضاها فى رعاية طبية خاصة للغاية وتحت إشراف نخبة من الأطباء المخضرمين. ووفقاً لحملته فإنه سيشارك فى المناظرة الثانية المقرر لها منتصف الشهر الجارى مع منافسه بايدن، ولكن من غير الواضح بعد هل ستكون مواجهة مباشرة أم مواجهة افتراضية؟ خاصة أن حملة بادين حذرة للغاية بشأن احتمال تعرضه للإصابة، ودائماً تشترط إجراءات وقائية صارمة فى مثل هذه المناظرات.

أعتقد أن التطورات المتسارعة على النحو السابق سوف تدفع مجلسى النواب والشيوخ إلى التفكير فى تعديل دستورى جديد يعالج الاحتمال الذى ما زال قائماً بالنسبة للانتخابات المقبلة، والمتعلق بخروج أحد المرشحين من سباق الرئاسة قبل وقت وجيز من يوم الانتخاب، وكيف يمكن التغلب عليه هل من خلال تأجيل الانتخابات لمدة وجيزة، أو إجرائها فى موعدها المحدد بضوابط معينة؟ الأمر سيحتاج مناقشات مستفيضة قانونية وعملية، والمرجح أن الفترة المقبلة وفى ضوء تعافى أو لا تعافى المرشح ترامب سيكون هناك تصورات عديدة قانونياً ودستورياً تحتاج نقاشاً عميقاً.

الجانب العاجل الذى يهم الجميع الآن بمن فى ذلك الديمقراطيون هو أن يستطيع المرشح ترامب التغلب على الفيروس ولو بطريقة جزئية تمكنه من خوض الانتخابات دون تعقيدات، وبعدها ليكن ما يكون. بالقطع يشعر الديمقراطيون أن لديهم فرصة أفضل الآن لتحقيق الانتصار والعودة إلى البيت الأبيض، وهو شعور قائم على فرضية أن الناخب الأمريكى سوف يقارن بالأساس بين مرشحيْن، أحدهما حذِر ومدرك لخطورة الفيروس واستطاع أن يفلت من قبضة «كوفيد 19»، ولديه تصور عملى يحمى الأمريكيين من هذا الفيروس الخطير ويمكنه تطبيقه فى حال فوزه بالرئاسة. والآخر كانت لديه فرصة أكبر للتعامل مع الفيروس بصفته الرئيس القادر على اتخاذ القرارات التى تصب فى مصلحة الشعب الأمريكى كله، بما فى ذلك مصلحته الشخصية ومصلحة أسرته ومساعديه المقربين ولكنه لم يفعل، وأخطأ فى تجاهل قوة الفيروس حتى استطاع هذا الكائن الذى لا يُرى أن ينال منه، ويؤكد فشله فى إدارة أزمة أمريكية عولمية لا مناص من مواجهتها بالحكمة والعلم وليس بالتجاهل أو الاستعلاء.

من الناحية الظاهرية يبدو افتراض حملة المرشح الديمقراطى على هذا النحو متماسكاً، ولكنه يتجاهل الجانب الشعورى والتعاطف الذى يمكن أن يقلب المعادلة لصالح المرشح ترامب. ففى حال تمكن الرجل من قهر الفيروس وفقاً للعلاجات المتطورة والمعقدة التى حصل عليها، واستعاد قدراً لا بأس به من عافيته وقدراته التهكمية وسلوكياته الاستفزازية لمنافسه، وأعاد الوهج لحملته الانتخابية، فقد يجذب تعاطف وتأييد كثيرين من فئة الناخبين المترددين الذين لا يحسمون موقفهم التصويتى من زاوية الانتماء الحزبى، ولكن بدوافع مختلطة من العقل والعاطفة والمصلحة المباشرة. ولذا فإن افتراض الديمقراطيين بتعثر ترامب نتيجة تعرضه للمرض ليس كافياً لهزيمة الرجل، بل قد تكون إصابته إضافة له شرط التعافى فى الأيام القليلة المقبلة. وفى كل الأحوال ستظل هذه الانتخابات نموذجاً لما يمكن أن يفعله فيروس خطير فى أحد أهم الأحداث تأثيراً فى العالم كله.