تركيا الآن: "قتل أمة" شاهد على تقطيع لحوم الأرمن في "المسلخ العثماني"

كتب: وكالات

تركيا الآن: "قتل أمة" شاهد على تقطيع لحوم الأرمن في "المسلخ العثماني"

تركيا الآن: "قتل أمة" شاهد على تقطيع لحوم الأرمن في "المسلخ العثماني"

عند أي محاولة لتأريخ مذابح الأرمن على أيدي العثمانيين أثناء الحرب العظمى، التي راح ضحيتها نحو مليون ونصف المليون شخص، يظهر كتاب "قتل أمة" لهنري مورغنتاو، السفير الأمريكي في القسطنطينية بين عامي 1913 و1916، والذي تعتبر شهادته الشخصية بالغة الأهمية حول أحداث مذابح الأرمن في العام 1915.

وفقا لـ "مورغنتاو"، فإن الجيش التركي اتبع سياسة ممنهجة لنزع السلاح من الأرمن في شرق الأناضول، لمنعهم من مقاومة قرار التهجير الكبير الذي كانت الحكومة العثمانية في إسطنبول قد اتخذته ضدهم، وفقا لموقع "تركيا الآن" المتخصص في الشأن التركي.

ويقول السفير الأمريكي: "كانت مذابح الجنود الأرمن العزّل مروعة جداً، ومع ذلك كان وضع هؤلاء أرحم وأهون شراً، بالمقارنة مع المعاملة التي لاقاها أولئك الذين كان يشك بأنهم يخفون الأسلحة، من الطبيعي أن المسيحيين ارتعدوا حينما وُضِعتْ إعلانات في القرى والمدن تأمر الجميع بإحضار أسلحتهم إلى قيادة الجيش. فطن الأرمن للنتيجة جيداً، وشعروا أنهم سيُتْركون دون حماية، بينما سيسمح لجيرانهم الأتراك والأكراد بالاحتفاظ بأسلحتهم. أطاع هؤلاء المضطهدون الأمر مع كل ذلك في حالات كثيرة، وانتشل الضباط الأتراك البنادق والأسلحة الأخرى كدليل لـ(الثورة) ورموا بضحاياهم في غياهب السجون بتهمة الخيانة، فشل الكثير منهم بتسليم الأسلحة لسبب بسيط، وهو أنه لم يبق لديهم ما يقدمونه. لكن العدد الأكبر رفض بتشبث إعطاءهم الأسلحة، لا لأنهم يدبرون ثورة؛ بل كانوا يعتزمون الدفاع عن أرواحهم، وعن شرف نسائهم ضد الانتهاكات التي كانت تخطط".

ثم يعقب على كلامه بتلك الحكاية: "دعوني أقصّ عليكم حادثة جاءت في أحد تقارير قناصلنا، وهذا التقرير يقبع الآن في مستندات الإدارة الأمريكية.. أُرسل هذا التقرير في أوائل شهر تموز حول مجموعة من الجنود الأرمن في مدينة خربوط، نزع سلاحهم وأجبروا على العمل في السخرة. وقد أخبروا الأمريكان أنهم سيقتلون على يد الأتراك بمجرد أن ينالهم التعب. فحادث هؤلاء أحد الضباط الأتراك بذلك، فأكد لهم أن الرجال لن يمسّوا بسوء، حتى أنه استدعى المبشّر الألماني السيد إيهمان لتهدئة الذعر. صَدِّق السيد إيهمان كلام الحاكم، وهدّأ من روع الشعب. لكن مع كل ذلك قتل كل واحد منهم، ورموا بجثثهم في مغارة. هرب بعضهم وعن طريقهم وصلت أخبار المجازر إلى العالم. وبعد أيام قليلة أُرسل آخرون إلى ديار بكر. هؤلاء المخلوقات المسكينة، كانوا يجوَّعون بشكل منتظم حتى لا يقووا على المقاومة أو الفرار".

مسيرات الموت.. الأرمن يصلون إلى منفاهم سيرا على الأقدام

قدم "مورغنتاو" في كتابه، كذلك وصفا مروعا لمسيرات الموت التي أجبر فيها الأرمن على السير على أقدامهم في قوافل لنحو ألف كيلومتر، من ديارهم في شرق الأناضول إلى منفاهم في دير الزور بالصحراء السورية. فيقول: "كان عملاء الدولة في العادة يسبقون القافلة، ويخبرون الأكراد، أن قافلة من الأرمن، تقترب، ويأمرونهم أن يعملوا واجبهم الملائم. لم يتدفق القبليون المتوحشون من جبالهم على هذا الحشد الجائع الضعيف من الناس فقط، بل النساء الكرديات جئن بسكاكين الجزارين الكبيرة، لكي يكسبوا ثواباً من عند الله وذلك بقتل مسيحيّ. هذه الإبادات لم تكن حوادث فردية منعزلة".

يتابع: "يمكنني أن أسرد عليكم بالتفصيل سلسلة أخرى من الأحداث الكثيرة والفظيعة. جرت محاولة منظمة من الدولة التركية لقتل كل الرجال المسيحيين الأصحاء في كل أنحاء الإمبراطورية العثمانية. لم تكن الغاية إزالة كل الرجال الذين بإمكانهم إنجاب سلالة جديدة من الأرمن فحسب، بل ترك القسم الأضعف من السكان فريسة سهلة أمامهم أيضاً".

ألوان العذاب.. تعرية النساء وبتر الأرجل وزيت مغلي على الجروح

وعن وسائل التعذيب التي تعرض لها الأرمن على يد السلطات العثمانية يقول مورغنتاو: "إن طرق تعذيب هؤلاء الأرمن تشكل صفحة من الصفحات الشنيعة والمخزية للتاريخ البشري الحديث.. يؤمن أكثرنا أن التعذيب ليس الطريق الأمثل للوصول إلى الحقيقة. لا أؤمن أنه جرت مشاهد أفظع مما حدث في كل أنحاء تركيا في أحلك العصور البشرية. لم يكن هناك مقدّسات عند العسكر التركي. نهبوا الكنائس، وتعاملوا مع الأواني المقدسة للمذبح بإهانة كبيرة، بحجة التفتيش عن السلاح. حتى إنهم أقاموا شعائر دينية استهزائية. كانوا يضربون رجال الدين المسيحيين، لدرجة فقدان الوعي بحجة أن كنائسهم أوكار عصيان ومخابئ للأسلحة. وعند عجزهم في العثور على الأسلحة، كانوا يسلّحون المطارنة والقسس أحياناً، بالسيوف أو المسدسات، ثم يحاكمونهم أمام المحاكم العسكرية لحيازتهم الأسلحة الممنوعة قانوناً، ويسيرون معهم في الشوارع لإشعال حنق وغيظ الغوغاء المتعصبين. عامَلَ الشرطة النساء كالرجال بالقسوة والفظاظة نفسها. هناك مستندات تشير إلى أن النساء أيضاً اتهمن بحيازة الأسلحة. لذلك كنّ يعرّون من ثيابهن كاملة، ويضربن ضرباً مبرحاً بسياط من أغصان الأشجار الخضراء. هذه الممارسات نُفِّذَتْ أيضاً على النساء الحوامل. هذه الانتهاكات وهذا التفتيش كان يتكرر كثيراً حتى إن البنات والنساء الأرمنيات كنّ يهربن إلى الغابات والتلال ومغاور الجبال، حينما يقترب الأتراك".

ويردف: "كان المعذّبون يقومون بتنفيذ أشد الإبداعات الشيطانية في محاولتهم للضغط على ضحاياهم، ليعلنوا أنهم (ثوريون)، ويخبروهم عن مخابئ أسلحتهم. إن الممارسة الشائعة للتعذيب كانت بوضع السجين في غرفة ممدداً على ظهره، ويقف تركيان أمام بعضهما وجهاً لوجه بجانب رجلي السجين ويبدآن الضرب بالعصا الرفيعة على أخمص القدمين. ليس هذا النوع من التعذيب غريباً في الشرق. لا يكون الألم ملحوظاً في البداية، ولكن حينما تستمر هذه العملية تسبب أوجاعاً، يذوق فيها هذا المسكين سكرات الموت. يبدأ جِلْدُ رجله بالاحتقان الشديد، وينفجر بعدها وتصل الحالة إلى حد البتر أحياناً. كان الدرك يضربون ضحاياهم حتى الإغماء، ثم يرشون الماء على وجوههم، ويعودون بعدها إلى وعيهم، ومن ثمّ يبدأ الضرب من جديد".

كما كان لدى الأتراك وفقًا لكتاب "قتل أمة" طرق كثيرة أخرى للإقناع، فإذا لم ينجحوا في الوصول إلى حل مع ضحيتهم. كانوا يقلعون الرموش، وشعرات الذقن شعرة بشعرة. وكانوا ينزعون أظفار الأيدي والأرجل، ويضعون الحديد المحمي على صدورهم، ويقطعون من لحم ضحاياهم بكلابات محمية، وبعدها يضعون الزيت المغلي على جروح ضحاياهم".

يتابع "مورغنتاو" قائلا: "هذه الأعمال البربرية وأعمال أخرى، أمتنع عن وصفها، كانت تنفّذ في الليل. كان الأتراك يتمركزون حول السجون، ويقرعون الطبول، ويصفِّرون عالياً حتى لا تصل صرخات وأنين ضحاياهم إلى القرى المجاورة.. وقد تحمل الأرمن كل هذه الوحشيات آلاف المرات، ورفضوا تسليم أسلحتهم، لأنه في الواقع لم يبق لديهم ما يعطون. كانت العادة أن الأرمن حينما يسمعون باقتراب المفتشين، كانوا يشترون الأسلحة من جيرانهم الأتراك، لإعطائها إلى السلطات، ليتخلصوا من هذه العقوبات".


مواضيع متعلقة