"أوامر القتل" كتاب أثبت إبادة الأرمن.. ومترجمه: "وثائق تخرج لأول مرة"

"أوامر القتل" كتاب أثبت إبادة الأرمن.. ومترجمه: "وثائق تخرج لأول مرة"
دليل يومي يخرج إلى النور، على مدار أكثر من قرن، يشهد على وقوع مذابح الأرمن على أيادي الدولة العثمانية، التي قُتل فيها ما يقرب من مليون ونصف أرمني، فضلًا عن تهجير أنباء هذا العرق إلى العديد من بلدان العالم، الذين يظهرون الآن في صورة جاليات، لعل أبرزهم الجالية المصرية، التي شاركت في عديد من جوانب الحياة، وبعدما انسجمت داخل النسيج المصري.
"أوامر القتل".. كتاب جديد للباحث والمؤرخ من أصل تركي "تانير أكجام"، مثل أبرز الأدلة في الفترة الأخيرة، الذي تناول أوامر إبادة الأرمن من الأتراك، بين عامي 1915 و1918، الأمر الذي تنفيه تركيا حتى الآن، رغم كل الوثائق والأدلة على تلك الأحداث، إلا أن ذلك الكتاب قدم وثائق تُثبت ذلك.
52 وثيقة عثمانية، شملها الكتاب تحتوي على أوامر الإبادة والتهجير، كما يتضمن شهادات متعلقة بالأحداث الواردة في تلك البرقيات والوثائق والتي تتعلق تحديدا بأوامر القتل التي وقعها وزير الداخلية العثماني "طلعت باشا"، والتي تحاول تركيا على مر حكوماتها إخفاء أدلتها وإنكارها.
كيفورك أوهانيس لـ"الوطن": الكتاب أثبت أحداث أخفتها السلطات التركية.. و"بطل الوثائق" هرب من الاغتيال أثناء الإبادة
مترجم الكتاب إلى اللغة العربية "كيفورك أوهانيس"، يقول إن ما دفعه إلى ترجمة هذا الكتاب، مشروعه التوعوي النهضوي الذي يعمل عليه، مضيفًا لـ"الوطن" في اتصال هاتفي من بلجيكا: "نحن أولاد المنطقة لا نعرف الكثير عن تاريخنا، والتاريخ المكتوب يُكتب دائمًا بتحيز، فكان علي أن أختار كتب مكتوبة من أشخاص لا يكونون طرف الضحية في القضية، ومؤلف هذا الكتاب ذو مصداقية عالية، ويكتب كل شئ بشكل موثق، كما أن هذا الكتاب إغناء للمكتبة العربية".
وتابع قائلًا: إن "أوامر القتل" يحتوي على وثائق تخرج إلى النور لأول مرة، ويثبت قضايا كان مشكوك في مصداقيتها تمامًا، مشيرًا إلى أن أساس ظهور هذه الوثائق هو مؤرخ أرمني كان موجود عام 1915 يدعى "آرام أنطونيان"، وكان من ضمن 200 شخص من الكتاب والصحفيين والأعيان الأرمن الذين تم اعتقالهم أيام 23 و24 أبريل عام 1915 وهي أيام يعيد الأرمن فيها إحياء ذكرى المذابح، إلا أنه استطاع الهرب إلى حلب.
مترجم الكتاب: برقيات مشفرة كشفت أوامر قتل الأرمن والتخلص منهم بشكل نهائي
وتابع: "آنذاك كانت تأتي أوامر من وزير الداخلية طلعت باشا في برقيات مشفرة إلى مكتب والي حلب وإلى مدير الترحيلات عبد الأحد نوري، وكان مسؤول عن فك شفرات تلك البرقيات نعيم أفندي الذي استطاع آرام الحصول على الوثائق منه، وبعدها في عام 1919 خوفًا أن تضيع تلك البرقيات في حلب توجه إلى مكتبة نوبار بوغوص باشا في باريس وأخفاها هناك".
ولاحقًا قام الصحفي آرام بإصدار 3 كتب تحت اسم مذكرات نعيم أفندي، وظهر فيها كل أحداث الإبادة بشكل موثق، إلا أن المؤرخين الأتراك والحكومة التركية، بدأت في الإنكار حتى صدر كتاب كبير وقوي، من الخارجية التركية، في سنوات الثمانينيات، ليقنعوا الناس أن الوثائق والكتب التي نشرها مزورة تمامًا، وأن الأرمن هم من لفقوا هذه الوثائق.
ومن ثم تم طمس هذه الكتب حتى جاء البروفيسور تانر أكتشام، ليستطيع أن يصل إلى الوثائق الرسمية الأصلية عن طريق رجل دين أرمني، كانت هوايته الأساسية البحث عن الحقيقة، لأن أسرته تم ذبحها في الإبادة، ووفقًا لمترجم الكتاب فإنه عاش في مصر فترة كبيرة، ومن بعد ذلك ذهب إلى القدس.
رئيس الهيئة الوطنية الأرمنية لـ"الوطن": خطر الإبادة لا يزال قائمًا.. والكتاب نموذج للأبحاث الجادة المطلوبة
من جانبه، علق الدكتور أرمن مظلوميان رئيس الهيئة الوطنية الأرمنية قائلًا: إن خطر الإبادة لا يزال قائمًا حتى يومنا هذا على الرغم من مرور 105 عامًا على الأحداث التي مارست فيها تركيا إبادة الأرمن، وعلى الرغم أيضًا من إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بـ"تجريم الإبادة"، قبل ما يقرب من 70 عامًا.
وأضاف لـ"الوطن"، أنه على الرغم من وجود آلاف الدراسات والشهادات والكتب التي توثق بدورها الإبادة، إلا أنه على ما يبدو أن هناك المزيد من الأبحاث الجادة، مستشهدًا بكتاب "أوامر القتل"، مؤكدًا على ضرورة وجود مثل هذه الأبحاث التي هدفها العدالة وإحقاق الحق وكل ذلك بالوثائق.
أرمن مظلوميان: الحكومات التركية حاولت إخفاء الوثائق للتشكيك فيها بأخرى مزورة
وقال مظلوميان، إن الحكومات التركية المتعاقبة تحاول إخفاء الوثائق وتدميرها للتكشك فيها بوثائق مزورة، مشيرًا إلى أن أهمية الكتاب تعود إلى أنه يأتي من النخبة التركية ويبرز حقيقة ما قام به أجدادهم.
وأكد مظلوميان، أن مثل هذه الكتب والأبحاث تزيد من درجة الوعي لدى الناس تجنبًا لتكرار مثل هذه الأفعال.
ووصف تكريم المؤرخ التركي من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه أفشل سياسة الإنكار التركية للإبادة الأرمنية على مدى 105 عامًا، ومحاربة لخطاب الكراهية وانتشاره عاليمًا ما يهدد القيم الديمقراطية والسلام والاستقرار الاجتماعي.
علي ثابت: ما ورد في الكتاب أدلة دامغة على توفر القصد لدى جمعية الاتحاد والترقي بالتخلص نهائيًا من الأمن
الدكتور علي ثابت صبري الباحث التاريخ الحديث والمعاصر والمتخصص في الدراسات الأرمنية، يرى أن "أوامر القتل" للمؤرخ التركي تانير أكجام، الذي وصفه بـ"شرلوك هولمز القضية الأرمنية:، نقطة تحول محورية في مسار الإنكار التركي، نظراً لأن الركيزة الأساسية للكتاب مذكرات المسئول العثماني نعيم أفندي السكرتير الأول في مديرية السوقيات في حلب.
ويتكون الكتاب من 52 وثيقة، معظمها صادرة من طلعت باشا، يحتوى بعضها على أوامر القتل، مضيفًا: "يمثل ماورد في الكتاب من أوامر التهجير ووثائق المحاكمات، أدلة دامغة على توفر القصد لدى جمعية الاتحاد والترقي بالتخلص نهائياً من الأرمن في أبشع إبادة جماعية شهدها التاريخ الحديث".
وتابع ثابت لـ"الوطن": "يرد الكتاب بقوة على الادعاءات التركية المستمرة تجاه المؤلفات والأبحاث الخاصة بالقضية الأرمنية واتهمامها بالتزوير والتلفيق، في خطوة تركية لمحو الحقيقة ناصعة البياض وفحواها أن الدماء الأرمنية مازالت وستظل في أيادي ورقبة الأتراك حتى تتصالح تركيا مع تاريخها وتعترف باقتراف هذه الإبادة الإنسانية".
ولفت إلى أن مؤلفات أكجام تتميز باعتمادها على الوثائق التركية بشكل كبير، رغم محاولات الإخفاء والتدمير التركي للوثائق التي تخص هذه الفترة، بيد أن الحقيقة لاتموت والجرائم لاتسقط بالتقادم، متابعا: "كما يقول المثل التركي (للحقائق عادة سيئة وهي أنها في نهاية المطاف تأتي تحت النور)".