رحلة استرداد طابا.. الدبلوماسية المصرية تنتصر في حرب الخرائط

كتب: سيد خميس

رحلة استرداد طابا.. الدبلوماسية المصرية تنتصر في حرب الخرائط

رحلة استرداد طابا.. الدبلوماسية المصرية تنتصر في حرب الخرائط

بعد سنوات من انتصار السادس من أكتوبر 1973، انتقل النزاع بين مصر وإسرائيل إلى المفاوضات الدبلوماسية، ومع توقيع معاهدة السلام بين البلدين في مارس 1979، بدأت إسرائيل في الانسحاب من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب البريطاني، إلا أن إسرائيل راوغت في تسليم آخر مناطق سيناء عند علامة الحدود رقم 91 "طابا" بغرض توسيع أراضيها حول ميناء إيلات الإسرائيلي، فوقفت مصر بالمرصاد وأعلنت أنها "لن تفرط في سنتيمتر واحد من أراضيها وأن الحفاظ على وحدة التراب الوطني المصري هدف أساسي وركيزة لكل تحرك"، بحسب تصريح الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك.

ومن هنا بدأ خلاف جديد لجأت فيه مصر إلى التحكيم الدولي حول طابا، بحسب المادة الـ7 من اتفاقية السلام مع إسرائيل، والتي تنص على أنه عند حدوث أي خلاف بشأن تطبيق معاهدة السلام، يجري حله عبر المفاوضات وفي حالة فشل حل الخلاف بالتفاوض تحل بالتوفيق أو تحال إلى التحكيم.

وفي 11 سبتمبر 1986 وقعت مصر مشارطة تحكيم لتقرير مواضع 14 علامة من علامات الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب البريطاني لحل خلاف حدودي بشكل كامل ونهائي. وكانت مصر في مايو 1985، شكلت اللجنة القومية العليا لطابا، والتي ضمت كفاءات قانونية وتاريخية وجغرافية، منهم وحيد رأفت، نائب رئيس حزب "الوفد"، ومفيد شهاب، أستاذ القانون الدولي، والمؤرخ يونان لبيب رزق، فضلا عن عدد من الدبلوماسيين، على رأسهم نبيل العربي، وعدد من الخبراء العسكريين بينهم اللواء عبدالفتاح محسن مدير المساحة العسكرية آنذاك، والتي تحولت إلى هيئة الدفاع المصرية عن طابا في التحكيم الدولي.

الدبلوماسية المصرية في طابا والأسلوب العلمي

ويقول نبيل العربي، عضو هيئة الدفاع المصرية عن طابا، إن مسؤولية ملف استعادة طابا يمثل أهم إنجاز في حياته المهنية، حيث أمضى ما يقرب من 5 سنوات مسؤولا عن هذا الملف، من نهاية 1983 إلى أن صدر الحكم يوم 29 سبتمبر 1988، وبعد ذلك جولة جديدة من التفاوض مع إسرائيل إلى أن تحقق الانسحاب النهائي من الأراضي المصرية في مارس 1989.

ويضيف "العربي"، في كتابه "طابا- كامب ديفيد- الجدار العازل: صراع الدبلوماسية من مجلس الأمن إلى المحكمة الدولية"، أن قضية طابا كانت مواجهة حضارية بين الأجهزة المعنية في حكومتين كل منهما تسعى لتضع أمام المحكمة الدولية ما لديها من أدلة تساند موقفها وتتخذ موقف الخصم بالأدلة والأسانيد القانونية والجغرافية والتاريخية، التي كانت نتاج بحث متعمق ودراسة متأنية في أعماق الملف والوثائق في الخرائط المصيرية المحفوظة في مختلف أجهزة الدولة، وأيضا في ملفات الأمم المتحدة ودور الأرشيف في إنجلترا وتركيا والسودان. مؤكدا أن الحكومة المصرية أدارت قضية طابا بأسلوب علمي متحضر على أساس مهني.

أما عن أدوات الانتصار المصري في قضية طابا، فيقول الدكتور يونان لبيب رزق، عضو هيئة الدفاع المصرية عن طابا، إن الأدلة التي قدمت للمحكمة شملت وثائق تاريخية، وخرائط، ومجسمات طبيعية، وإحداثيات شبكية، كما تضمنت عملية التحكيم زيارات ميدانية، وشهادات شهود.

حرب الخرائط تشتعل بين مصر وإسرائيل لضم طابا

ويوضح الدكتور لبيب رزق، في كتابه "طابا قضية العصر"، أنه مع توقيع مشارطة التحكيم في سبتمبر عام 1986، بل وقبل حتى للتوقيع بعام، بدأت حرب الخرائط في قضية طابا بين مصر وإسرائيل، مؤكدا أنه على الجانب الإسرائيلي بدت الحرب بشكل علني، وعلى الجانب المصري دارت وراء الكواليس. حيث نشرت إسرائيل خرائط ولوحات ميدانية تزعم عدم تبعية طابا لمصر، مثل خريطة "نيوكومب"، المعروفة أيضا بخريطة 1915، وفي مصر جرى الاتجاه إلى الحصول على كل الخرائط التي تؤكد صحة الموضع المصري.

 وأكد لبيب رزق أن مصر اعتمدت على 5 جوانبب لإثبات تبعية طابا للأراض المصرية: أولا، قد استُخرج في هذا الصدد كل ما هو متاح من أرشيف مصلحة المساحة المصرية وإدارة المساحة العسكرية. ثانيا: الحصول على الخرائط الإسرائيلية. أما الجانب الثالث هو الحصول على الخرائط التركية، او بالأحرى الخريطة الأصلية لخط الحدود 1906، والخريطة التي كان قد أرفقها رشدي باشا قائد العقبة أثناء تعليم الخط. والجانب الرابع الحصول على الخرائط البريطانية التي عنيت عناية خاصة بمسح سيناء وجنوب فلسطين خلال الحرب العالمية الأولى منها خريطة عام 1915. والجانب الأخير جاء من أرشيف الهيئة المعنية بامتيازات البترول حيث تم الاحتفاظ بعقود الامتياز، وقد عثر ضمن هذه العقود على خريطة لامتياز بالتنقيب عن البترول لشركة "شل" في المنطقة محل النزاع.

وفي سبتمبر 1988، في قاعة مجلس مقاطعة جنيف، صدر الحكم، بأغلبية أربعة أصوات واعتراض صوت واحد هو صوت القاضية الإسرائيلية بأحقية مصر في أراضي طابا وانتصار الدبلوماسية المصرية في استرداد أرضها كاملة دون نقصان سنتيمتر واحد، وبلغ عدد صفحات الحكم 230 صفحة ، أولها يضم الحيثيات التي قام عليها قرار المحكمة. والثاني يضم "الرأي المخالف"، وفيه رأي القاضية الإسرائيلية الوحيد التي اعترضت على الحكم. أما الجزء الثالث فضم أربعة ملاحق تضمنت نصوص مشارطة التحكيم واتفاقية 1906 وخريطتين.    


مواضيع متعلقة