أيمن الظواهري.. الإرهابي "ابن الناس الكويسين" (2)

سلمى أنور

سلمى أنور

كاتب صحفي

مرت تجربة سجن الظواهرى الأولى، وهى التجربة التى تزامنت مع أحداث اغتيال السادات وما تلاها من محاكمات، وفى تلك الفترة بدأ نجم الظواهرى يبزغ، خاصة بعد تداول المقطع المصور الذى وقف فيه الظواهرى فى قفص الاتهام أثناء محاكمته هو والرفاق من أبناء الحركة الجهادية متحدثاً إلى الإعلام الغربى باللغة الإنجليزية وكأنما ليوصل رسالة للعالم مفادها: نحن لسنا وحوشاً، بل نحن أصحاب فكر له دعامات إسلامية، ولن نهدأ حتى نحقق مفاهيم العدالة الاجتماعية كما نراها. منذ ذلك الوقت بدأ الظواهرى يُعرف فى الأوساط الغربية بالـ«متحدث باسم الجهاديين».

وفى إطار التحقيقات التى تزامنت مع تلك المحاكمة أيضاً، بحسب ما ورد فى كتاب منتصر الزيات «أيمن الظواهرى كما عرفته»، تبيّن أن الظواهرى كان يشارك منذ منتصف السبعينات فى تأسيس «الجماعة الإسلامية» (التى كانت تضم جماعة الجهاد حتى العام 1981)، بل إنه كان قد وصل إلى مكانة أمير التنظيم فى ذلك الوقت.

ومن تلك المحطة من حياته إلى المحطة التالية، حيث سافر عقب خروجه من السجن عام 1985 إلى المملكة العربية السعودية ليمارس مهنته كطبيب جراح، وهرباً من أشباحه وذكرياته بالأساس.. من السعودية إلى باكستان ثم أفغانسان، حيث أعاد تأسيس تنظيم الجهاد، وحيث التقى برفيق الرحلة لسنوات ستأتى إلى أن يقضى الله أمراً: «بن لادن»، زعيم تنظيم القاعدة.. إنه الرجل الذى سوف يعيد تشكيل فكر أيمن الظواهرى ليتحول من مزاج العمل المسلح المحلى إلى آفاق الجهاد العالمى ضد طواغيت الأرض عبر القارات والمحيطات.

فى هروبه ذاك من مصر، كان الظواهرى زوجاً على وشك أن يتذوق الأبوة للمرة الأولى، وبينما كان يُعمل بن لادن وسواه من «الجهاديين» نظرياتهم حول تعدد الزوجات، وبينما كان يجمع بن لادن بين الزوجات ويسير بقبيلة من الأطفال، كان أيمن الظواهرى ولما يزيد على عقدين من الزمان يغرد وحده خارج سرب التعدد، محباً لزوجته الأولى، عزة نوير، التى لم يجمع بينها وبين امرأة أخرى طيلة حياتهما معاً.. الحبيبة والزوجة التى لقيت مصرعها مع أطفالهما فى غارة للقوات الأمريكية على قندهار عام 2001.

والواضح من القصص الصحفية المتناثرة هنا وهناك حول الحياة الشخصية لأيمن الظواهرى أنه أحب عزة نوير، بل أنها كانت الحب الوحيد فى حياته.. أما ما تلا موتها من زواج (زيجتان منذ وفاة عزة)، وبحسب مصادر صحفية محسوبة على الجهاديين، فقد كانت قرانات من تلك التى يعقدها المجاهد على أرملة أخيه المجاهد الذى سبقه إلى لقاء ربه، حفظاً لها وتكريماً لشهادته.

وقد كانت عزة نوير، كزوجها أيمن، ابنة لـ«ناس كويسين».. فهى ابنة لمحامٍ مرموق هو أنور الصادق نوير، السليل المعروف لعائلة من أعيان الغربية، وأمها حفيدة لرفاعة رافع الطهطاوى، رائد النهضة والتنوير فى مصر أيام محمد على باشا، وهى كذلك مديرة سابقة بوزارة الشئون الاجتماعية. نشأت عزة، المشهود لها فى حياتها وبعد أن لاقت ربها بالرقة وحسن الخلق ودوام التعبّد والتبتل، نشأة بنات الترف بين فيلات الدقى وعمائر المعادى، حيث التقت بشريك الحياة ابن حى المعادى، أيمن الظواهرى، بعد أن كانت اختارت طوعاً أن تغطى وجهها بالنقاب.

درست عزة الفلسفة فى كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1977، ولعله كان من المثير للدهشة لمن حولها آنذاك كيف قد تنتهى دراسة الفلسفة من حيث كونها لعبة عقلية قائمة على تفكيك المُسلّمات وإعادة بنائها والانفتاح على شتى صنوف الفكر الإنسانى وضروب المقارعات الذهنية، كيف قد تنتهى بأن تُسلم دارسها إلى التيار الدينى المتشدد ذى الطبيعة الدوجمائية.

وبحسب رواية والدتها فقد كانت عزة، على عزلتها النسبية وتفرغها للعبادة، حريصة على الانخراط فى الأعمال الخيرية، من طراز الفتيات اللاتى يقضين ليلهن فى قيام الليل وتلاوة القرآن.. قبل أن تعرف أيمن وتربط مصيرها بمصيره، تقدم لها كثيرون من أبناء طبقتها الراقية، لكن من بينهم كان أيمن دون سواه هو الذى قبل بعروس (بل كان يبحث عن عروس) تغطى وجهها، فتمت الزيجة على قبول وانسجام من كليهما.

لا نعرف كثيراً عن حياة عزة نوير فى كنف الظواهرى، حتى والداها لا يعرفان ما يكفى للحكى والمشاركة، لكن القليل الذى ينقلانه يؤكد أنها كانت تحب بدورها أيمن كما كان يحبها، وأنها برغم تعقد ظروف الحياة تنقلاً بين باكستان وأفغانستان، وبرغم ما أحاط بحياتها من تعقّد بسبب وضع زوجها ومهامه القيادية وقربه من بن لادن، برغم كل هذا فإنها كانت تحيا حياة «هادئة وسعيدة» بحسب وصف والديها فى أحد اللقاءات الصحفية.. حياة تؤمن فيها أن الزوجة الطيبة لا مكان لها إلا فى ظهر زوجها، تسانده وتؤمن بأحلامه وتحارب معه فى كل لحظة معركته التى اختارها.

وظنى أنه بينما يرى كثيرنا فى الظواهرى بحكايته وخلفيته تلك حيرة وتفاصيل ملغزة، كانت محبوته ككثير ممن آمنوا بقضيته واتبعوه، ترى فيه الرجل صاحب القضية والمعركة، الذى يرغمك على اتباعه متسائلاً: ألم يكن الحق بين يديه، فما الذى يدفعه، هو «المتعلم ابن الأكابر»، إلى تلك الطريق الوعرة التى اختارها؟